اختتم مؤخرا مهرجان الفيلم المغربي بروتردام وسط استياء جمهور المهنيين والسينمائيين المهاجرين، الذين كانوا آخر من يعلم بالمهرجان. ولا بد، بطبيعة الحال، من الاشادة هنا بدور السينما في تقريب المهاجرين من عوالم وثقافة بلدهم المغرب، وصلة الوصل التي يلعبها الفن السابع كوسيلة ثقافية وفنية وترفيهية لنقل القيم وتداول المعلومة. ولا بد أيضا أن نشيد بدورمؤسسة سينمار الجسر في خلق أجواء التواصل والحوار من خلال سن هذا التقليد السينمائي بروتردام. لكن ما يجب التنبيه إليه أننا مدعوون إلى التساؤل عن الهدف الأساسي الذي ترومه هذه التظاهرة لتنشيط الحياة الثقافية في المهجر، فهي مطالبة بأن تقدم الجودة وتسلط الضوء أكثر وأكثر على قضايا الهجرة والمهاجرين وتتمثل همومهم وآمالهم، من خلال إنتاج يؤسس لنظرة جديدة للمهاجر المغربي ويعطيه كينونته الحقة. لقاء روتردام هذه السنة بعيد كل البعد عن مواصفات مهرجان سينمائي، لكونه لا يمنح جوائز ولا يفتح نقاشا أكاديميا عن الدورة، وحتى الأفلام المشاركة لم نعرف كيف تم اختيارها؟ وما هي المقاييس التي اتخذت لجلب بعض الأفلام القديمة عوض الأفلام الجديدة التي شاركت في المهرجان الوطني الأخير بطنجة، إذ يبقى لقاء سينمائيا عاديا جدا في حدود مدينة روتردام ولم يرق إلى إشعاع على مستوى هولندا بأكملها، بل ولم ينجح في استقطاب مهم للجمهور المغربي المهاجر، ناهيك عن الهولنديين الذين ألفوا المشاركة والدعوة إلى مثل هذه المناسبات عن طريق إعلام موسع، سواء منه المرئي والمسموع أو المكتوب، بالإضافة إلى إعلام الجهة والحي وعبر قنوات اجتماعية متداولة في البلد، كما أن الإعلام المغربي كان غائبا ولا حضور له باستثناء برنامج الكاميرا الأولى الذي حظي معده بعرض فيلمه القصير. معضلة بعض المسؤولين والفاعلين السينمائيين أنهم لا يلتفتون إلى المبدعين المغاربة في المهجر ولا يفتحون مجالات التواصل أكثر معهم، لأنهم محكومون بنظرة ضيقة لا تتعدى أسماء بعينها أو لهم أجندات معينة، والمبدع المغربي الحقيقي يعاني الأمرّين لأنه يتأفف للدخول في مزايدات فارغة تلعب فيها المحسوبية دورا رئيسيا. الالتفات إلى أبناء المهجر، في هذا السياق، يستدعي استراتيجية محكمة للبحث عن الكفاءات، وتنشيط الثقافة بالمهجر يعني فتح مجال آخر أمام السينمائيين بصفة خاصة وإشراكهم في دعم وإغناء الحركة السينمائية بالمغرب. للأسف، لا يزال أبناء المهجر المغاربة، وخصوصا الشباب المتألق في الفعل السينمائي الهولندي، بعيدين عن اهتمامات المسؤولين، ولم يُخلق إلى حد الآن حدث تواصلي يقحم مبدعي المهجر ويصالحهم مع ثقافة أبنائهم، وهذا مع حدث بكل أسف في مهرجان روتردام الذي لم ينتبه إلى أفلام الهجرة ولا إلى مبدعين مغاربة لهم حضورهم اليوم في الساحة والحركة الفنية الهولندية؛ فالنهوض بالسينما وجعلها وسيلة للإدماج والتفاعل يستدعي إشراكا مستمرا لأبناء المهجر الذين يحملون همّ الثقافة بكل أبعادها، ويحفز الشباب المهاجر على العطاء لتنمية الشعور بالوطن الأم والحفاظ على هويته. إن الشباب يحتاج إلى اهتمام بلده، خاصة إن كان بارزا في بلد المهجر دون أن يحظى بتقدير البلد الأم. إنها دعوة صادقة إلى الالتفاف حول كل ما يمكن أن يجعل التواصل مع ذوينا وانتماءاتنا العربية والأمازيغية مثمرا وإيجابيا في اتجاه البحث عن آفاق أخرى أرحب، تسهم في رسم ملامح صورة متكاملة للفن السابع في بلادنا. وقد يطرح هنا أكثر من سؤال عن سبب تغييب الفيلم الأمازيغي في هولندا، خاصة وأن أعلى نسبة للمهاجرين المقيمين تنتمي إلى مناطق الريف المغربي وبني يزناسن، بالإضافة إلى أمازيغ الأطلس وسوس. لازال التعامل مع الإعلام والتواصل موسوما بالتهليل والتصفيق لوجوه متداولة ومتكررة جدا وغير معنية أصلا بقضايا الهجرة، بينما ما يتوخاه أبناء الهجرة هو التفكير العميق والعمل الهادف إلى إرساء تقاليد راقية لهذا الفن الذي بدأ يعرف تراكما هاما ويخلق نجوما تشع هنا وهناك. من هنا لا بد أن نفكر في صيغة جديدة طبقا لما يمليه دفتر التحملات الجديد الذي تندرج فيه شروط تنظيم مهرجان سينمائي ما، ونفتح آفاقا في المهجر لإشراك جميع الفنانين والمبدعين وتجاوز مظاهر الاحتفالية والزبونية، وأن نتفادى احتكار المهام الذي يشبه أحيانا بعض الأفلام، حيث المنتج والمخرج وكاتب السيناريو والممثل يختزل في شخص واحد أو شخصين على الأكثر. نحن مطالبون بالتأسيس لعمل دؤوب يصنع الحدث ويفتح فرص التعبير أمام كل الفئات والتوجهات، نريد أن نلمس ديمقراطية ملموسة تجعل السينما حقا للجميع، وتخلص للتنوع الحضاري والثقافي الذي عاشه ويعيشه المغرب.