تعتبر السجون وحدات لإعادة تربية وتأهيل كل المخالفين والخارجين عن القانون، بهدف الحفاظ على التماسك الاجتماعي وكل ما من شأنه المساس بالحقوق الفردية والجماعية للأفراد والجماعات، وكذا مؤسسات الدولة. إن إحداث المؤسسات السجنية يقترن، بصفة مباشرة، بإعادة التأهيل وتسهيل الاندماج وسط المجتمع بعد انقضاء العقوبة الحبسية.. تأهيل يرتبط بضرورة توفير تكوينات علمية وحرفية متعددة التخصصات كفيلة بتلقين كل السجينات والسجناء وكذا إحداث المؤسسات الإصلاحية مهارات نظرية وتطبيقية تمكنهم من الاندماج المباشر في المجتمع مباشرة بعد انقضاء العقوبة الحبسية. إن المغرب، باعتباره دولة للحق والقانون، قد انخرط، منذ حصوله على الاستقلال، في دسترة مجموعة من الحقوق الفردية والجماعية، وذلك طبقا لما هو متعارف عليه في العهود والمواثيق الدولية، وبالتالي فالعقوبات السالبة للحرية هي وسائل تبنتها كل دول المعمورة، لا لشيء إلا من أجل فرض احترام التطبيق السليم للقانون، من جهة، وصونا للحقوق الفردية والجماعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. إن المؤسسات الإدارية، المخصصة لاستقبال المحكومين بالعقوبات السالبة للحرية، تتكون -حسب منطوق المادة 8 من القانون 98/-23 من: السجون المركزية، السجون الفلاحية، السجون المحلية، مراكز الإصلاح والتهذيب، أضف إلى ذلك أنه يمكننا، استنادا إلى الباب الأول من نفس القانون، أن نستخلص أن الأدوار الموكولة إلى هذه الأخيرة تتجلى أساسا في: - استقبال الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية سالبة للحرية؛ - مؤسسات تم إحداثها من أجل حراسة، وكذا ردع مقترفي الجرائم؛ - إعادة تأهيل السجناء والسجينات، بهدف ضمان اندماجهم في مجتمعاتهم كأشخاص عاديين... إلخ. لقد شهد العالم في السنين الأخيرة تضاعفا لمعدل الجريمة، الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى التطور الذي عرفته الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما نتج عنه تضاعف في عدد الاختلالات التي تنخر منظومة السجون في الدول النامية، كالمغرب، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - تفشي ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون، حيث إن عدد السجناء في المغرب يتجاوز القدرة الاستيعابية للسجون بنسبة 100 في المائة، إذ إن السجون تؤوي حاليا نحو 65 ألف سجين، فيما لا تتجاوز قدرتها الإيوائية حوالي 30 ألف نزيل؛ - استمرار نهج سياسة سوء المعاملة والانتهاكات البليغة لحقوق السجين؛ - انتهاك بعض موظفي السجون للقوانين المنظمة للمؤسسة السجنية؛ - الاتجار في الممنوعات داخل المؤسسات السجنية؛ - تآكل المباني السجنية، مما يسهم في ظهور أمراض فتاكة تمس بالسلامة الصحية لنزلاء المؤسسات السجنية؛ - الاختلاط بين السجناء رغم اختلاف درجات الجرائم التي اقترفوها، مما يساهم في مضاعفة ظاهرة العود إلى الجريمة لدى السجناء الأقل إجراما؛ - النقص في الوحدات الصحية النفسية والترفيهية داخل الوحدات السجنية، الشيء الذي طالما أثر على نفسية بعض النزلاء والنزيلات وخلق لديهم حالات من الاكتئاب أدت، في بعض الأحيان، إلى الانتحار؛ - غياب وحدات للتكوين والبحث العلمي تستجيب تكويناتها لمتطلبات سوق الشغل، مما يخلق حالة من التيه الفكري والمعرفي لدى ثلة من السجينات والسجناء المثقفين؛ - طول المدد الفاصلة بين الاعتقال والنطق بالحكم... إلخ. ولتسليط الضوء على مجموع الاختلالات التي تشوب الوحدات السجنية في المغرب، قامت لجنة برلمانية، مؤخرا، بإجراء زيارة ميدانية لسجن عكاشة، تكللت بإصدارها تقريرا تم استعراضه أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، الأمر الذي كشف عن واقع «صادم» لأوضاع النزلاء داخل سجن «عكاشة»، إذ تمت الإشارة إلى أن السجناء يعيشون في ظل شروط مخلة بالكرامة الإنسانية بسبب الاكتظاظ المهول الذي تعرفه تلك المؤسسة؛ هذا بالإضافة إلى التقرير الموضوعاتي الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي أكد نفس الصورة القاتمة للواقع السجني بالمغرب، حيث سجل استمرارا لسياسة سوء المعاملة والانتهاكات البليغة لحقوق السجين. إن وضعية السجون في بلادنا تنم عن وجود حالة من اللاتوازن أو من الارتباك التدبيري، الأمر الذي يتطلب تدخل كل الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين من أجل صياغة استراتيجية مندمجة وتشاركية لإصلاح منظومة السجون، وذلك لأن هذه الوحدات التي يغلب عليها الطابع التقليدي في التدبير قد أصبحت متجاوزة الآن، لا لشيء إلا لأن أنسنة الخدمات السجنية قد أصبحت ضرورة أكثر منها غاية في هذا العصر. لقد أصبح النمط البين-قطاعي التشاركي والمنفتح على كل مكونات المجتمع من بين أهم الأساليب الذكية التي اعتمدت عليها الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان من أجل النهوض بالوضعية الاعتبارية للسجينة والسجين، لا لشيء إلى لأن سياسة القرب السجني أصبحت لازمة لا يمكننا المحيد عنها إذا ما أردنا الرقي بمسلسل إصلاح المنظومة السجنية، وبالتالي فالحاجة ملحة إلى تضافر جهود كل المتدخلين المعنيين بإصلاح أوضاع السجون وحماية حقوق الإنسان، وفي مقدمتهم رئاسة الحكومة وكذا المدافعون عن المقاربة الاندماجية الشاملة من مكونات المجتمع المدني، من أجل التحرك بشكل عاجل لإيقاف هذا النزيف وتغيير الصورة القاتمة عن وضعية السجون في المغرب، والمساهمة في إعادة الوظيفة التأهيلية والإدماجية للسجون، وظيفة ستمكننا لا محالة -إن تم مد المؤسسات السجنية بكل الوسائل الضرورية المادية البشرية واللوجستية- من تجاوز الوضعية المتذبذبة لمنظومة السجون في بلادنا.