كانوا إما رؤساء دول وإما رؤساء حكومات أو مدراء كبارا في مؤسسات دولية رفيعة ووازنة. لكن منهم من نزل إلى أسفل سافلين ليذوق طعم الإهانة، رطوبة السجن وضربات مخالب الصحافة، فيما تحول بعضهم إلى لعنة عالمية متنقلة بسبب مواقفه السياسية العدوانية. المفارقة هي أن هذه الفئة من السياسيين تبقى بعد رحيلها أو استقالتها أو نهاية ولايتها محطَّ طلب من طرف المنتديات والمؤسسات أو المجمعات الاقتصادية العالمية، يتم الإصغاء في خشوع لنصائحها وتعليماتها وخطابها عند إلقائها محاضرات تصل كلفتها إلى مبالغ خيالية. ونجد ضمن كوكبة «المحظوظين» كلا من طوني بلير وبيل كلينتون وآل غور وميخائيل غورباتشوف وغيرهارد شرودر، والتحق بالنادي المغلق مؤخرا كل من دومينيك-ستروس كان ونيكولا ساركوزي. ولعل نظرة خاطفة إلى المبالغ التي يتقاضاه كلٍّ منهم تكفي للوقوف على حظوة هؤلاء «المحاضرين-الخبراء» من 5 نجوم؛ فالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يتربع على رأس قائمة المستحقات، إذ تلقى مبلغ 10,7 ملايين دولار مقابل 52 محاضرة ألقاها عام 2010، أي بمعدل 200.000 دولار عن المحاضرة الواحدة؛ أما طوني بلير فيتقاضى 250.000 جنيه إسترليني عن كل محاضرة من 90 دقيقة، فيما لا يتعدى المبلغ الذي يحصل عليه المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر عن كل محاضرة 50 ألف أورو، في حين يتقاضى ميخائيل غورباتشوف مبلغ 60 ألف أورو. وقد عثر نيكولا ساركوزي، بدوره، على ضالته في المحاضرات المربحة؛ فبدعوة من البنك البرازيليBTG Pactual، الذي يوجد مقره بنيويورك، ألقى رئيس فرنسا السابق أمام 400 من رجال الأبناك محاضرة على مدى 45 دقيقة عن أزمة الأورو مقابل 250.000 أورو. وبما أن هذه المحاضرات تدور في صالات مغلقة وبدون نقاش، فإن المحاضر يكتفي عادة بقراءة ترهات يصفق لها الحضور قبل الهجوم على كؤوس الشمبانيا والقرنيات petits fours. المأساة أن المغرب أصيب بعدوى محاضري 5 نجوم. وهكذا، ففي شهر شتنبر الماضي، احتضنت الجامعة الحرة بمراكش محاضرة لدومينيك ستروس كان، خلفت صدى إعلاميا كثيفا. وقد أعطيت التعليمات للطلبة والحضور بالترحيب بالضيف بحفاوة والامتناع عن مساءلته، خصوصا وأن بعضا من صحافة البيبول تحدث عن علاقة محتملة تربطه بالمغربية مريم العوفير. وجد بعض المحاضرين، إذن، في المغرب «دجاجة بكامونها» وفتحوا مفكراتهم لتسجيله كمحطة ضمن مشوار محاضراتهم وندواتهم. هكذا يرتقب أن تتقاطر مستقبلا حفنة من المحاضرين على المغرب لتنشيط أمسيات ل«هز خط» مستقبل الاقتصاد العالمي والإفتاء في موضوع الأزمة. ولا نعرف الرواتب، بالدوفيز، التي سيتقاضاها هؤلاء! بعد مراكش والدار البيضاء يعود ستروس كان إلى المغرب، لكن هذه المرة إلى مدينة الجديدة للمشاركة في لقاء الدورة 37 الذي تنظمه الجمعية العربية المشتركة بين 15 و18 نونبر. ويساهم الرئيس الأسبق لصندوق النقد الدولي في ندوة «الابتكار المالي: أي سبل لضمان التنمية المستدامة؟». وتشرف على هذه الندوة جمعية تجار ومهنيي أسواق رؤوس الأموال العالمية. كما يشارك في الندوة طوني بلير، الذي سبق أن ساهم في المنتدى الذي جمع مدراء كبار الأبناك في القارة الإفريقية بمدينة الجديدة عام 2011. ويساهم آل غور، نائب الرئيس كلينتون، في 21 مارس من السنة القادمة بالصخيرات في النسخة الأولى من منتدى «من أجل اقتصاد مغربي مستدام». المخجل أن وزراءنا لدى مغادرتهم مناصبهم أو إحالتهم على التقاعد، إما يتعاطون لتربية الدجاج أو يستغلون لكريمات أو يضاربون في العقار. وبما أنهم لا يتوفرون على أية مرجعية مهنية متينة فهم غير قادرين على وضع خبرتهم تحت تصرف الآخرين ولا حتى على كتابة مذكراتهم، وهو تقليد منعدم في ثقافتنا السياسية، فأية حصيلة يمكنهم أن يدافعوا عنها، هم الذين قضوا أو يقضون معظم أوقاتهم في «تحصال» عباد الله؟