عن دائرة الثقافة والإعلام، بحكومة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة)، أصدر الباحث محمد تنفو كتابا نقديا جديدا يحمل عنوان: «القصة القصيرة المغربية: المعايير الجمالية والمغامرة النصية». وقد قدم هذا الكتاب، الذي يتألف من 272 صفحة، قراءة في بعض التجارب القصصية بالمغرب، حاولت رصد بعض خصائص هذا الجنس الأدبي وسماته، والوقوف على التقاطعات التي يلتقي فيها القصاصون المغاربة، والتميزات التي تسم كل قاص على حدة. حاول هذا الكتاب أن يقف على المعايير الجمالية التي تستند إلى الإحساس والتذوق والتقويم، وتتوسل بالشعور والفكر والفلسفة وعلم النفس. ولامس أيضا المغامرة في الكتابة القصصية التي لا تقف على رجليها دون الاستعانة بالأساطير والرموز. تتبدى المعايير الجمالية التي تنضح بها القصة القصيرة المغربية في الاحتفاء بالماضي والذكريات والطفولة، والانتقال من الكتابة إلى الانكتاب، وتوسل التذكر والحلم، واعتماد شخصيات تليدة ومرجعيات قديمة وأماكن سطت عليها أيادي الزمان؛ والاحتفال بالمفارقة التي تسعف في تأجيج الصراع داخل المتن القصصي المغربي، صراع بين حاضر سوداوي وبين ماض جميل. كما تتمظهر المعايير عينها في استثمار كتابة مجموعة من العقد: عقدة إسماعيل، وعقدة أوديب، وعقدة حمو أو نمير، وعقدة شهرزاد. الأولى تراهن على قتل الابن رمز المستقبل قتلا رمزيا، والرفع من قيمة الأب بوصفه رمز الحكمة والسلطة والقمع؛ وتحتفي الثانية بالأم، وتعمل على إثبات عدم الخضوع لها والاكتفاء بحبها من خلال التعبير عن القدرة على الإنتاج؛ أما الثالثة، فتجسد صراع الإنسان ضد مشاعره التي يكنها للعشيقة، وحنينه إلى الأم الحب الأول؛ بينما تشتغل الرابعة على خلق مفارقة بين الشعر بوصفه رثاء على فقد الأم يقرب من الموت، والحكي باعتباره بعثا وانبعاثا يمنح جرعات من الحياة. لا تتبدى المعايير الجمالية في الاحتفاء بالعقد فحسب، بل تتجلى أيضا من خلال اهتمام بعض القصاصين بالسوداوية وتعرية الواقع الكالح والقاحل، وبالعجائبي الذي مكن من خلق عالم متميز يستفز القارئ ويقلقه ويحيره، ومن تحقيق وظائف نفعية ودلالية وتركيبية. أما المغامرة المنسقة والمنظمة الخاضعة لتخطيط مسبق، والجماعية القائمة على الوعي النظري بالجنس القصصي، والطامحة إلى تجاوز وتخطي المحطات التي بلغها المغامرون السابقون، فتتمثل في توسل اللغة بأبعادها الغنية ومستوياتها المتعددة، والاعتماد على الرموز الحبلى بالدلالات. المغامرة عينها عملت على ملامسة الدلالات الجزئية الثاوية وراء الرموز، وإجراء قراءة تسمح بملامسة الدلالات الكلية للرموز في أبعادها الاجتماعية المنسجمة انسجاما بديعا. كان ضروريا الاستعانة بالأحلام وبلغتها التي تسعف في الوقوف عند اللاوعي الجمعي، وبتوسل العوامل النفسية وبعمليات ذهنية معقدة بعيدة عن المنطق العلمي الموضوعي، وممسكة بخيوط اللعبة التي تخضع لمنطق الفكر الأسطوري. وسبق لمحمد تنفو أن أصدر أضمومتين قصصيتين: «كيف تسلل وحيد القرن؟»، و«درس سيبويه» عن دار فضاءات بالأردن، ودراسة أدبية تحمل عنوان: «حماقات السلمون: كتابة العصيان ولواء الجنون»، دار كيوان، سورية، 2010.