عقد محسن وفطومة العزم على أن يحولا علاقة الصداقة المتينة بينهما والممتدة لما يزيد عن سنة كاملة إلى مشروع زواج، يكون ميثاق ترابط وتماسك شرعي بينهما، وبدا حلم الزواج للإثنين مشروعا ضخما يتطلب الإعداد الكافي والجيد، وعلى عكس محسن، لم تكن فطومة تستعجل الزواج خاصة أنها سبق لها أن عاشت تجربة زواج فاشلة، وتذكر صديقها باستمرار بالمثل المغربي القائل: «زواج ليلة تدبيرو عام» ولإنجاح زواجهما يتناول الاثنان إحدى وجباتهما اليومية معا بأحد المطاعم لمناقشة التهييء والترتيبات اللازمة للوصول إلى زفاف ناجح، ولإتمام المناقشة قررا أن يتناولا العشاء بأحد مطاعم قرية أورير بريف مدينة أكادير دون أن يعرفا أن قدر الله ينتظرهما في تلك الليلة وعكر صفو علاقة غرامية تخللتها العديد من الأحلام الجميلة. رغم العديد من الجلسات التي عقدها الاثنان فإنهما لم يتمكنا بعد من أن يناقشا بتفصيل بعض الجوانب المتعلقة بمشروع زواجهما المستقبلي، حيث أجلا عدة مرات الحسم في الحي الذي ينويان الاستقرار به في مدينة أكادير، ومبلغ المهر ونوع العلاقة التي ستربط الاثنين بأسرتيهما بعد الزواج، خاصة أن فطومة تحمل أسرة زوجها السابق مسؤولية فشل زواجها الأول، ولمناقشة كل هذه المواضيع وغيرها اتفقا على أن يتناولا معا العشاء بأحد مقاهي قرية أورير بضواحي مدينة أكادير، والتي يجيد طباخوها طهي الطاجين البلدي، وحوالي السابعة مساء كانت انطلاقة الاثنين نحو أورير على متن سيارة الشركة التي يشتغل فيها محسن، وكانت هذه السيارة تقطع الكيلومترات على أنغام مجموعة إزنزارن التي تفاعل معها سائقها وصديقته، لتتوقف فجأة على مشارف قصر السلطان السعودي مثلما توقف شريط مجموعة إزنزارن بعد نهايته، وتبين أن نقص البنزين هو سبب هذا التوقف المفاجىء، فنزل الاثنان وتناول محسن صفيحة وهم بصب الوقود بخزان السيارة لكنه لم يكد يتمم مهمته حتى فوجىء بشابين مدججين بالأسلحة البيضاء يخرجان من الغابة، انقض الأول على فطومة وجرها من شعرها وساقها نحو الغابة الموحشة غير آبه بصراخها وتوسلاتها، أما الثاني فقد انقض على محسن مهددا إياه بالتصفية الجسدية إن لم يمنحه ما بحوزته من نقود، لم يتردد محسن في منح المعتدي 600 درهم هي كل ما كانت تختزنه جيوبه، على أمل أن يطلق سراح فتاة أحلامه، لكن المعتدي فر هاربا بعد أن تسلم ذلك المبلغ، لم يجد محسن بعد ذلك من حل غير انتظار أن يحل الصباح ليسجل شكاية لدى الدرك الملكي بتغازوت. محاولة إنقاذ
أعد الدرك الملكي بقرية تغازوت العدة لإنقاذ المسكينة فطومة والقبض على المجرمين، واستنفر عناصره وجند المخبرين، خاصة أن الجريمة وقعت في مكان يدخل ضمن دائرة نفوذه، وبعد أن أنهى الدرك كل الإجراءات اللازمة بإنجاز تقرير حول معاينة المكان مسرح الجريمة واقتفاء الطريق التي يحتمل أن يسلكها المعتديان، تم تجنيد دورية حوالي الساعة الثانية صباحا قامت بحملة تمشيطية لمركز اورير، وبالقرب من أحد المقاهي لفت شاب بمعية شابة انتباه عناصر الدورية، لكن الشاب فر بمجرد مشاهدته لعناصر الدرك، فيما استنجدت بهم الفتاة التي أقرت بكونها بالفعل الفتاة الضحية موضوع بحثهم، وتم نقلها إلى مستشفى الحسن الثاني لعرضها على طبيب مختص وبعد الرجوع من المستشفى توقفت عناصر الدرك الملكي أمام قصر السلطان السعودي، وبإرشاد من الضحية تم التعرف على الممر الترابي الذي سلكه الجناة، وتبين أن الغابة بها أشجار قليلة وأشواك، ويوجد خلفها تجمع سكني للحي المعروف ب«إمي وانزا» ومنازل متفرقة على مشارف قرية أورير، وأخيرا دلتهما الضحية على المكان الذي أذاقها فيه المعتديان كل أشكال التعذيب الجنسي والعنف الجسدي واللفظي وبشكل همجي، وهو عبارة عن أماكن منعزلة عن المارة وليست بها إنارة عمومية وسط أشجار ومنازل ماتزال في طور البناء وقليل من المنازل التي بها سكان، ودلت الضحية أيضا عناصر الدرك الملكي على المنزل الذي بجانبه وقع عليها الاعتداء الجنسي، والذي خرج منه شخص، تقول فطومة، وسلط مصباحه على المعتدي الذي كان يمارس عليها الجنس وهي مجردة من ملابسها، فسبه المعتدي ثم أطفأ مصباحه اليدوي وانصرف ولم يأبه بدوره بتوسلاتها وطلبها الاستغاثة. وتم طرق المنزل المذكور، فخرج الشخص ذاته الحامل للمصباح وألقي القبض عليه، لتستمر حملة التمشيط بشوارع وأزقة أورير، والتي مكنت عناصر الدرك الملكي من التعرف على هوية المعتديين اللذين فرا إلى مدينة أنزا الخارجة عن نفوذ درك تغازوت، كما تلقت معلومة من مخبر تفيد بوجود أحد المعتديين أمام أحد المنازل بأورير مما سهل مأمورية إلقاء القبض عليه. تعذيب وحشي صرحت فطومة في محضر الاستماع إليها بأن المعتديين لم يأبها بصراخها ولا بتوسلاتها، وأنها كانا يعتديان عليها باللكم والضرب في كافة أنحاء جسدها كلما امتنعت عن السير، ولما وصلا إلى الغابة هاتفا شخصين آخرين، التحقا بهما محملين بالعديد من أنواع الخمور والمخدرات، بعدها انفرد بها أحدهم وبعد أن امتنعت عن مضاجعته أشبعها رفسا وضربا ثم جردها من ملابسها قبل مضاجعتها بطريقة شاذة ثلاث مرات، ثم جاء الدور على الثاني الذي ضاجعها من المكان الطبيعي مرتين، وكانت الاعتداءات الجنسية تتم بشكل وحشي وشاذ، أما المعتدي الثالث، والذي تم القبض عليه، فلم يعتدي عليها جنسيا بل هو من صاحبها إلى مركز أورير للتخلص منها وفر هاربا بعد مشاهدة دورية الدرك مع أنه في البداية كان يريد الانفراد بها لوحده، كما طلب نصيبه من النقود المسلوبة من محسن تصريحات المقبوض عليهما اعترف الشخص الذي اتهمته فطومة بعدم تقديم مساعدة لها بعد أن سلط عليها ضوء مصباحه اليدوي وهي تحت التعذيب ثم انصرف، بمشاهدته لأحد المعتدين يعتدي عليها جنسيا وحينما دخل المنزل سمع صراخ الفتاة وكذلك استغاثتها وعندما أراد الخروج من المنزل منعته والدته خوفا من أن يصاب بمكروه، وصعد هو وجميع أفراد الأسرة لسطح المنزل، مضيفا أن كل السكان كانوا في أسطح منازلهم ولا أحد منهم تجرأ على إنقاذ الفتاة، ولاحتى تبليغ السلطات لأن المعتدين معروفون وسط الساكنة بجبروتهم وطغيانهم والكل يخاف من انتقامهم، وهو أيضا يخشى الانتقام منه إن قام بالتبليغ عن هذه الجريمة، أما الشخص الثاني المقبوض عليه فصرح بأنه توجه لدى صديق له بحي «تماونزا» فوجد لديه فتاة تبكي، وعندما استفسر عن الأمر أخبره صديقه المذكور أنه وابن عمته هاجما سيارة واختطفا منها هذه الفتاة ومبلغ 600 درهم. مضيفا أن صديقه اعترف له بأنه أشبع غريزته الجنسية من الفتاة، كما أنه حاول تخليص الفتاة من المعتدي لكنه هدده بسكين فتراجع عن ذلك. إدانة المقبوض عليهما حرر الدرك الملكي بتغازوت برقية بحث في حق المعتديين الرئيسيين على فطومة وصديقها محسن، وفي انتظار إلقاء القبض عليهما تم تقديم المقبوض عليهما إلى ابتدائية أكادير التي أدانت أحدهما بستة أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها ألف درهم، وأدانت الثاني بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة قدرها ألف درهم بعد أن تابعتهما النيابة العامة بتهمة عدم التبليغ عن وقوع جناية.