ليس القصد من هذا المقال أن نتدخل في عمل هو من الصلاحيات القانونية والشخصية لوزير التربية الوطنية، ولكن القصد الأول هو أن نسائل وضعا إداريا غير طبيعي في سنة قطاعية غير اعتيادية، فرغم مرور أكثر من نصف سنة على تعيين السيد الوفا وزيرا للقطاع، لا يزال الرجل يعمل بدون ديوان، في قطاع ضخم، بموارده البشرية ورهاناته المصيرية، قطاع يشهد فترة تحول كبرى، تتطلب فريق عمل حقيقيا يتجاوز القدرات الطبيعية لشخص واحد مهما كانت همته وطاقته، وهذا الوضع غير الطبيعي، له تفسيرات كثيرة، يتقاطع فيها الشخصي بالحزبي، والسياسي بالنقابي، فمجموعة «المعارك» التي انخرط فيها السيد الوزير، كمعارك الدكاترة والمبرزين والتعليم الخصوصي، ومجموعة القرارات التي تم اتخاذها في ظرف قياسي، كإلغاء ثانويات التميز، وتجميد العمل ببيداغوجيا الإدماج وغيرها، لم يكن بالإمكان تدبيرها بالطريقة الحالية، والتي لا تخلو من «جرأة وصرامة» في غياب فريق عمل حقيقي، منقطع عن العمل التدبيري اليومي ومتفرغ للتفكير «وإصدار الفتاوى» المناسبة لكل معركة أو محطة أو ملف.. هذا الوضع يحيل عفويا على افتراض ما يلي: إما أن هناك ديوانا «سريا» يجتمع بشكل مستمر في مقر حزبي أو مقر نقابي أو «شقة ديوانية»، يتدارس ويدرس الملفات، ويصدر توصياته للرجل.. وإما أن هناك خط اتصال مباشر بين الرجل وشخصيات بعينها لها اطلاع واسع على خبايا القطاع ولا تفضل الظهور للعلن لهذا السبب أو ذاك.. أو الإثنين معا. حتى هنا تبقى المسألة في حدود «الاختيارات» الشخصية التي يصعب على المهتم بالشأن التربوي ببلادنا أن يتدخل فيها في غياب حجج وقرائن دامغة.. لكن ما يهمنا أكثر هو أن هذا «الاستثناء الإداري» يطرح علامات استفهام حول الطريقة التي سيتجاوب بها الوزير مع مضامين الخطاب الملكي الأخير، في قطاع لايزال يحظى بأولوية وطنية، فالإصرار على «إخفاء» الديوان الوزاري يبعث رسائل سلبية عن حكومة اختارت المقاربة التشاركية كاستراتيجية للتدبير الحكومي والقطاعي.. واختارت الشفافية كأسلوب لتدبير الملفات الاختلافية، وإلا ما الحاجة إلى وجود وزير إن كان عمل إدارة الوزير سيقتصر على التدبير اليومي، فملف مثل التعليم الخصوصي، هو ملف بدون شك ذو أهمية كبرى، لأن فيه بعثا لروح جديدة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يعهد إلى المقاولات التربوية مجموعة من الواجبات هي من صميم مفهوم الشراكة، وهو أيضا إعادة اعتبار للمدرسة العمومية، لكنه يبقى بالنظر إلى مضامين الخطاب الملكي الأخير، وبالنظر أيضا إلى طبيعة المرحلة الانتقالية لما بعد البرنامج الاستعجالي، مجرد ملف يدخل ضمن التدبير اليومي ولا علاقة له بالملفات الاستراتيجية والانتظارات المتمثلة في الحاجة إلى وضع معالم سياسة تعليمية للسنوات المقبلة. ملفات كبيرة وضخمة تنتظر الفهم الجيد والتمييز الرصين والقرار الحكيم والشجاع، كما تنتظر التشاور الموسع مع مختلف المتدخلين والشركاء، منها ملفات سترهن مستقبل تعليمنا لسنوات، كملف المجلس الأعلى للتعليم، وملف وضع قانون أساسي جديد ينسجم والوجه الجديد الذي ظهرت به منظومة التكوين مع إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وما يفترضه هذا الملف من تشاور وإشراك وتقاسم، خصوصا في الملفات الخاصة بفئات تنتظر الإنصاف لسنوات، كفئة المبرزين، وإشراك كل الفاعلين في تقويم البرنامج الاستعجالي، ثم صياغة تصور خاص بالقطاع في المخطط الذي تبنته الحكومة الحالية، والذي أسمته «مخطط التنمية الاستراتيجية 2013- 2016 .. إن اهتمام الجميع منصب، اليوم، أساسا على المشاريع التي ستتجاوب بها الوزارة مع المرحلة الحالية، صحيح أن لكل وزير أولوياته ومنظوره الخاص لتدبير القطاع، سواء على المستوى الاستراتيجي أو اليومي، لكن تغليب مصلحة هذا البلد تقتضي وضع المسافة مع الحساسيات الحزبية والمواقف الآنية، وفسح المجال للمبادرة وحفزها أمام أطر الوزارة من جهة، والانفتاح المستمر على شركاء القطاع من جهة أخرى، فالقطاع أكبر بكثير من قدرات حكومة مهما كانت درجة شعبيتها، وأكبر بكثير من قدرات حزب مهما كان تاريخه، وأكبر بكثير من قدرات شخص مهما كانت درجة صفاء سريرته.. فعندما ربط الخطاب الملكي الأخير مستقبل التعليم بمستقبل هذه الأمة وتأكيده على النزاهة الفكرية، إنما فعل للتأكيد على أن القطاع في حاجة للجميع، وأنه أكبر من الاستقطابات الحزبية و السياسية.. وهذا أمر لم يتحقق بالشكل الكامل على مدى اثنتي عشرة سنة من عمر الميثاق الوطني للتربية والتكوين.. فهل يتحقق على يد الوزير الحالي؟