يوم 20 يوليوز 2009، سُجلت في أجندة الرئيس على الساعة الواحدة والنصف زوالا رسالة من شخص يدعى: ف.ك، فعندما يسجل في أجندة الرئيس: «موعد شخصي»، فإن بريد التوكيد يشير إلى ما يلي: «وصول عبر الحديقة»، وهو اهتمام خاص يُعطى للضيوف الذين يستقبلهم الرئيس في كامل السرية. الأرشيفات الرئاسية لا تكذب حسب القضاة، هذا الشخص الذي قدم زوالا ويحمل حرفي فاء وكاف، لا يمكن أن يكون سوى «فيليب كوروا»، المدعي العام الذي جاء يزور الرئيس متسترا، في الوقت الذي كانت فيه قضية بتانكور تضرب أطنابها. إذن أي معنى يمكن أن نعطيه لهذه الزيارة المتسترة إلى الإليزيه؟ قضاة التحقيق، سيسيل رامونتسو وفاليري نويل وجان ميشال جانتي، الذين يبتون في التجاوزات التي ذهبت ضحيتها ليليان بتانكور، يمتلكون مسبقا التسجيلات السرية التي أنجزت ما بين ماي 2009 وماي 2010 في منزل المليارديرة بواسطة كبير خدامها. وعند المقارنة بين العناصر التي حصلوا عليها والارتكاز على التواريخ المهمة في قضية بتانكور، يعتقد القضاة الثلاثة بأنهم اهتدوا إلى تفسير سر زيارة كوروا إلى الإليزيه. إنه تسلسل مثير في الأحداث يفضي إلى إحراج الرئيس الفرنسي السابق كثيرا. في يوم 15 يوليوز 2009، أخبرت فرانسواز ميير، بنت ليليان بتانكور - لما شعرت بأن الدعوى التي وضعتها يوم 19 نونبر 2007 بنانتير قد أخذت تتعثر- أخبرت الكاتب فرانسوا ماري بانيي صديق والدتها الحميم بأنها ستمثل أمام المحكمة التأديبية. خمسة أيام بعد ذلك، أي يوم 20 يوليوز 2009، التقى كوروا بالرئيس ساركوزي. في اليوم الموالي أعلن باتريس دو ميستر للمليارديرة ليليان بتانكور، التي يدير ثروتها، بأنه حسب باتريك واتر، «مخبره» في الإليزيه، فإن محكمة نانتير مقبلة على طي الدعوى الرئيسية التي تقدمت بها ابنتها، والتي تشكو فيها الشطط في استغلال مواقف الضعف. وهذا بالذات ما فعله الوكيل العام كوروا بمجرد دخوله إلى المحكمة يوم 22 شتنبر2009.فكيف إذن يمكن للإليزيه أن يكون على علم دقيق ومسبق بنوايا الوكيل العام؟ بالنسبة إلى القضاة الثلاثة، فإن الزيارة، التي قام بها كوروا إلى قصر الإليزيه يوم 20 يوليوز، تأخذ كل المعاني التي ينبغي أن تعطى لها. قبل ذلك بشهور، وبالتحديد في 7 فبراير 2008، استُقبلت بتانكور في الإيليزيه حيث ذكّرت رئيس الجمهورية بأنها ساهمت ماديا وبكيفية علنية في تمويل حزبه.في نفس اليوم، كان ساركوزي على موعد عشاء مع فيليب كوروا على الساعة الثامنة والنصف مساء. ويومي 14 و25 من شهر شتنبر 2008 شرعت الفرقة المالية تأخذ بعض الشهادات المهمة في إطار التحقيق التمهيدي، الذي كانت تشرف عليه محمكمة نانتير. ثلاثة أيام بعد ذلك، أي في يوم 27 شتنبر 2008، التقى كوروا بالرئيس كما تشهد على ذلك إرسالية عثر عليها في مكتب الرئيس السابق، تقول: «موعد شخصي مع ف. ك بين الساعة الثانية عشرة والنصف والواحدة» السؤال المطروح من طرف القضاة لفيليب كوروا كان كالتالي: - هل أطلعتَ الرئيس ساركوزي على العناصر الأولى للتحقيق التمهيدي؟ فأجاب غاضبا بالنفي القاطع. غير أن القضاة ألحوا كثيرا في السؤال، سيما أنهم كانوا قد وضعوا أيديهم على جداول سجلت فيها بكيفية بارزة تواريخ مهمة لسير المسطرة. وهكذا في يوم 9 يونيو 2009، أشعر فيليب كوروا المصالح الضريبية لHauts-de seine بشكوكه حول احتمال تورط ليليان بتانكور في ممارسة غش ضريبي. في يوم 16 يناير 2009 وُجدت إشارة في أجندة ساركوزي تفيد ما يلي: «موعد شخصي بين الساعة السادسة والنصف مساء والسابعة». في مذكرة أخرى للرئيس نجد كذلك اسم الحاضر دائما فيليب كوروا. سؤال القضاة: هل أحطت الرئيس بالتحقيق المفتوح حول الغش الضريبي؟ أجاب كوروا كما في المرة الأولى بنفي قاطع. بعد أيام قلائل، أي في 20 يونيو 2009، توصل كوروا بخطاب من محامي فرانسوا ماري بارنيي وفي طياته كثير من الوثائق. وفي 22 يونيو ذهب المدعي العام مرة أخرى إلى الإليزيه كما تشهد على ذلك إرسالية وُجدت في المكتب الحالي للرئيس السابق بزنقة ميرومسميل وردت فيه هذه الإشارة: «موعد شخصي مع ف . كوروا من الثانية عشرة والنصف إلى الواحدة» سؤال القضاة: - هل كان هذا اللقاء مخصصا لأجل إحاطته علما بفحوى الوثائق المسلمة من طرف مستشاري فرانسوا ماري بانيي؟ الجواب: نفي آخر قاطع. حل يوم 3 شتنبر 2009، اليوم الذي قبلت فيه المحكمة دعوى فرانسواز ميير. مباشرة بعد ذلك وقع ارتجاج في مدينة نانتيير، حيث بادر المدعي العام إلى الاستئناف.تسعة عشر يوما بعد ذلك، توقف البحث التمهيدي. وفي يوم 29 شتنبر هرع فيليب كوروا مرة أخرى إلى قصر الإليزيه. تساءل القضاة: هل كان ذلك استدعاء أم موعد؟ مصادفة أخرى في غاية الإثارة: في يوم 10 يوليوز 2010 سلمت فرانسواز ميير التسجيلات السرية التي أنجزها كبير الخدم إلى الفرقة المالية.يومان بعد ذلك، أي في 12 يوليوز 2010، استُقبِل فيليب كوروا في الإيليزيه كما تثبت ذلك الإرسالية التي تشير: لقاء شخصي بين الرئيس ساركوزي وفيليب كوروا من الساعة الرابعة مساء إلى الرابعة والنصف. دافع المتهم عن نفسه قائلا: بطبيعة الحال، أنا لم أخبر الرئيس ساركوزي بهذه التسجيلات. في 11 شتنبر 2010 حصل لقاء آخر بين الرجلين تميز بدخول الزائر هذه المرة من باب الحديقة. في 15 شتنبر 2010، سافر المدعي العام السابق إلى سويسرا حيث يوجد مفتاح التمويل غير الشرعي لقضية بتانكور. وقد زعم أنه رجع منها بدون معلومات تذكر، الشيء الذي أثار تعجب القضاة. من جهة أخرى، استطاع قضاة مدينة بوردو أن يسلطوا الضوء على شبكة واسعة متخصصة في تمويل سري قد يكون الرئيس ساركوزي استفاد منه.فحسب المعلومات التي استقوها من سويسرا، فإن إريك وورث، أمين صندوق حزب الرئيس وقتئذ، وباتريس دو ميستر، اتفقا فيما بينهما على ترحيل أموال من سويسرا إلى فرنسا في سرية تامة. والمثير هنا هو أن ساركوزي انتقل إلى منزل عائلة بتانكور مرة واحدة على الأقل، وذلك يوم 24 فبراير 2007 . وهنالك أيضا تلك الجملة التي استنسخها فرانسوا بانيي، محامي ليليان، من مذكرتها الشخصية تقول: «قال لي دو ميستر إن ساركوزي طلب مني مزيدا من المال فوافقت. إذن، فالقضاة يمتلكون التواريخ والمبالغ والكيفية، لهذا ذهبوا إلى حد الضغط على كوروا حين قالوا له: - هل باستطاعتكم تقديم بعض الإفادات التي يمكن أن تشرح لنا كيف للسيد ميستر أن يسافر إلى سويسرا (دجنبر 2008 ) ويسحب مبلغ مليوني أورو خمسة عشر يوما بعد لقائه بساركوزي؟ أجاب المدعي العام السابق: - إنها أشياء أجهل عنها كل شيء. وعلاوة على التحقيقات المفتوحة حول التمويل السري، فإن قضاة بوردو، الذين يبتون اليوم في المسطرة التي اتبعت في قضية بتانكور، يراهنون على أن ساركوزي حين وصل إلى السلطة واطلع على ما تعيشه أسرة بتانكور من تمزقات داخلية، أراد أن يراقب القضية، بل ربما أراد أن يخنق التحريات التي انطلقت عقب تقدم السيدة ميير بشكوى حول الشطط في استغلال الضعف، خوفا من فضح أشياء كثيرة مشبوهة قد لا تحمد عقباها. فمع حليف مقرب منذ سنة 2000 مثل كوروا، الذي عين وكيلا في محكمة نانتير سنة 2007، والذي كان يطمح إلى أن يعين رئيسا للنيابة العامة في باريس، كان ساركوزي يعول على شخص طيع ووفي إلى النخاع. وأما كزافيي موسكا، الكاتب العام لقصر الإليزيه ما بين 2011 و2012، فقد أكد أمام الشرطة تلك الأطماع والطموحات التي كان كوروا يغذيها في نفسه. وبخصوص هذه النقطة يسأل القضاة كوروا وهم يواجهونه بتصريحات الكاتب العام للإليزيه: - يقول السيد موسكا إنه التقى بك في الإليزيه في خريف 2011، وأنك طلبت موعدا مع الرئيس من أجل الدفاع عن ترشيحك لمركز المدعي العام بمحكمة باريس، لماذا هذا الموعد في الإليزيه بالذات؟ أجاب كوريا بفتور: - إن كزافيي موسكا مخطئ على طول الخط لأن هذا المنصب كان قد شُغل في تلك الآونة. ثم أضاف مرة أخرى خلال استنطاقه: - لا تسعوا إلى تأويل المواعيد التي جمعتني بالرئيس. غير أن قضاة مدينة بوردو تراودهم رغم ذلك فكرة استدعاء الرئيس السابق ساركوزي للاستماع إليه بخصوص هذا الملف. وأضاف أيضا: علاقتي بالرئيس ساركوزي لا دخل لها بأي قضية كنت أبت فيها. يمكن أن يسجل ذلك المحضر كسابقة في التاريخ. فطوال يوم بأكمله، وقف فليب كوروا، وهو واحد من أشهر قضاة فرنسا، يجيب عن أسئلة ملحة تارة ومهينة تارة أخرى، كان يلقيها عليه قاضيان من زملائه القدامى.إذ أرغمه قضاة التحقيق لمدينة بوردو على تقديم شروحات حول مراحل المسطرة التي اتُبعت في قضية بتانكور وحول علاقاته بالرئيس السابق ساركوزي. كما استنطق الرجل كذلك بصفة شاهد يوم 2 أكتوبر من طرف سيسيل راموناتسو وفاليري نويل، اللتين تبتان مع جان ميشال جانتي في قضية الشطط في استغلال الضعف الذي ذهبت ضحيته ليليان بتانكور. وقد أُجبر المدعي العام السابق لمدينة نانتير ما بين 2007 و2012على تقديم توضيحات أمام المحكمة، الشيء الذي لم يرقه وأشعره بالمهانة. فبعد أن اشتكى من الطريقة المذلة التي عومل بها عند استدعائه إلى المحكمة بواسطة عون قضائي عوض إخباره مباشرة، صرح كوروا قائلا: -أنا لست هنا لكي أبرر موقف النيابة العامة لنانتير في كل القرارات التي كنت أتخذها يوما بيوم. غير أن هذا كان بالفعل هو المقصود من مثوله أمام القضاة.فكوروا المدعي العام بمحكمة باريس كان عليه أن يعطي تفسيرات حول علاقته بالرئيس ساركوزي، لذلك قال: «أنا أعرف الرئيس ساركوزي منذ اثنتي عشرة سنة، وقد تعرفت عليه بكيفية شخصية بواسطة أصدقاء مشتركين. كما أني ألتقي به كل سنة مرتين أو ثلاثا للتباحث حول قضايا عامة ومؤسساتية.إنها لقاءات شخصية، ولن أدعي بأن بيني وبينه علاقة صداقة، وإنما أقول: كانت تربط بيننا علاقة شخصية. فالصداقة برأيي، هي تلك التي توافق تعريف أرسطو، أي روحين منصهرتين في جسد واحد، وهذا بالطبع ما لم يكن ينطبق على علاقتي بالرئيس ساركوزي». سأل القضاة الرجل كذلك عن علاقاته بباتريك وارت وجان بيير بيكا مستشاري ساركوزي في القضاء ما بين 2007 و2012، إذ لاحظوا بأن العديد من الأحداث والأشياء المتعلقة بقضية بتانكور تتطابق مع بعض ما دار في الاتصالات أو اللقاءات التي جمعت بينه وبين وارت وبيكا وتييري هرزوك، محامي الرئيس ساركوزي. قال المدعي العام السابق نافيا: - لم يسبق لي أبدا أن تطرقت إلى قضية بتانكور في لقاءاتي مع الرئيس ساركوزي أو مع الأشخاص المذكورين. ثم ذهب إلى حد التشكيك مرات عديدة في حقيقة لقاءاته مع الرئيس، بالرغم من أنها مسجلة بوضوح في الأجندة الرئاسية بهذه الإشارة: ف.ك فقال مدافعا عن نفسه: لست أدري هل أنا حقا هو ذلك الشخص التي يرمز إليه حرفا الفاء والكاف.من يدري؟ قد يكون هنالك أشخاص آخرون تبتدئ أسماؤهم بهذين الحرفين. واصل الرجل تبرؤه من التهم المنسوبة إليه عبر اللجوء إلى جمل مقلوبة المعاني وهو يشعر بالإهانة الشديدة جراء المثول أمام زملاء له سابقين: لا يليق بكم أن تتصوروا السيدين ساركوزي ووارت يسألاني عن قضايا كانت لي كامل الصلاحيات للبت فيها وحدي. كما لا يليق بكم أكثر أن تتصوروني آخذ التعليمات منهما. إن تصورا مثل هذا شيء يجرح كرامتي. فعلاقتي بالرئيس ساركوزي لم يكن لها أي دخل في القضايا التي كنت أعالجها أيها السادة. ثم تابع دفاعه وأطلق هذه الجملة فجأة: - سأكون أكثر وضوحا ودقة. السيد ساركوزي لم يتحدث معي أبدا حول تمويل حملته الانتخابية، وأنا من جهتي لم أثر معه أبدا هذا الموضوع. بيد أن القضاة يعتقدون أن طريقة معالجة المدعي العام السابق لقضية بتانكور وقع فيها تطور ملحوظ ابتداء من اللحظة التي بدأت فيها تهدد بتلطيخ سمعة الرئيس. وهكذا حملوا عليه بقسوة لما أثاروا معه أشياء مشبوهة حصلت في مراحل محددة من سير المسطرة في شهر يونيو 2009، فقالوا له بهذا الخصوص: - في هذه الفترة، يبدو أنك كنت تتصرف في القضية حسب هواك. ثم ضيقوا عليه الخناق لما اتهموه بالتلكؤ والفتور في معالجة القضية ابتداء من شهر يونيو 2010 (فترة اكتشاف التسجيلات السرية التي أنجزت في منزل بتانكور). بعد ذلك سلكوا طريق التمويل السياسي اللاشرعي، فأفضوا إلى نقطة سحب ملايين عديدة من الأورو من جنيف بواسطة باتريس دو ميستر، مدير ثروة بتانكور: - نحن نتعجب كيف أن تسليم هذه المبالغ الهامة للسيدة بتانكور من طرف الموثق السيد روني مركيت، وبطلب من مدير ثروتها السيد باتريس دو ميستر، لم يظهر لها أثر في التحريات التي قمت بها في جنيف؟ كيف نفسر نسيانك أوإخفاءك كل هذه المعطيات؟ أجاب المدعي العام السابق: - أتعجب بدوري لما تقولونه، لأني أعتقد بأنه إذا كانت هنالك في مسار القضية فترة تميزت بالسرعة، فهي الفترة التي قمت فيها أنا بتلك التحريات. وتتالت أسئلة القضاة، سؤالا تلو آخر، فكان من بينها هذا الذي يطفح بكثير من المعاني: - هنالك لقاء آخر سري على ما يبدو في شتنبر 2010 بينك وبين الرئيس؟ ثم أعقبه هذا: - كيف نفسر أن المدعي العام لنانتير ينتقل بنفسه إلى جنيف في إطار قضية تهم في الظاهر، في هذه الفترة على كل حال، أشخاصا بعينهم؟ ولماذا هذا الموعد مع ساركوزي قبل سفرك إلى جنيف؟ فأجاب المدعي العام السابق: - سافرت بنفسي إلى سويسرا لأني أعرف القاضي السويسري وهذا ما اعتقدت أنه سيسرع الوتيرة. بعد ذلك انحصر الاستنطاق في مسألة توشيح المدعي العام السابق يوم 24 أبريل 2009 بوسام الاستحقاق الوطني: - من سلمك هذا الوشاح؟ - الرئيس ساركوزي بنفسه. في ذلك اليوم قدمه الرئيس السابق ساركوزي على أنه «صديق»، وقال فيه لمن حوله: يعاب علينا أننا نتعارف، ولكن ذلك لم يمنعه من القيام بعمله كما لم يمنعني أنا من القيام بعملي. توجه المدعي العام السابق في هذا الخصوص إلى القضاة، فقال موضحا: - لست القاضي السامي الوحيد الذي وشحه الرئيس، أتذكر أنه وشح قضاة سامين آخرين، وكذا زميلة من بين قضاة التحقيق. عن «لوموند»