سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شيات: شراكة المغرب مع الخليج ذات بعد حضاري قبل أهميتها الاقتصادية أكد أن الزيارة الملكية إلى الخليج تدل على أن المغرب يسعى إلى تنويع الشركاء حتى لا يقع رهينا لسياسة الاتحاد الأوروبي
في هذا الحوار، يؤكد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الزيارة التي يقوم بها الملك إلى منطقة الخليج، تدل على الأهمية التي أصبح يحظى بها الشركاء الخليجيون بالنسبة للمغرب، في ظل حرص هؤلاء على استقرار المغرب السياسي والاقتصادي، مؤكدا أن التوجه الجديد للمغرب نحو هذه المنطقة، يبين حرصه على تنويع شركائه الخارجيين، مع حرصه على الحفاظ على استقلالية قراره السياسي والاقتصادي. - ما هي دلالات الزيارة الملكية إلى دول الخليج العربي في هذا التوقيت بالضبط؟ توجد أهداف وغايات كثيرة من وراء الزيارة الملكية لبعض دول الخليج العربي؛ أولا الزيارة تأتي في ظل «ندرة» للزيارات الرسمية التي قام بها الملك لدول أجنبية منذ توليه العرش، ولهذا دلالة رمزية على أهمية الشركاء الخليجيين، ثانيا هي دلالة على استمرارية السياسة الخارجية المغربية تجاه هذا الفضاء الذي يعتبر منفذا ومتنفسا استراتيجيا للمغرب، فالمغرب وجد في حلفائه التقليديين في الخليج، اعتبارا لطبيعة المنظومة الدولية إبان الحرب الباردة، واعتبارا لروابط أخرى يتداخل فيها الاجتماعي بالتاريخي وغيره من العوامل الأخرى، (وجد) حليفا يعتمد عليه خاصة في الجانب الاقتصادي، الذي قد يرتبط بالمنظومة الاجتماعية للمغرب التي كان يتهددها عدم الاستقرار أحيانا. لقد كانت الملكيات والإمارات الخليجية على ارتباط وحرص على أن يبقى المغرب كدولة حليفة للمنظومة الليبرالية إبان الحرب الباردة، وأن تبقى الملكية قوية كنظام سياسي داخلي. الزيارة الحالية تنضبط لهذا النسق، حتى إنه يمكن قراءة تقديم مستشاري الملك على الوزراء، كمحاولة لتقديم الدولة التقليدية التي تحظى بثقة الخليجيين، على الدولة الحديثة التي انبثقت من الحراك السياسي الذي أعقب الربيع العربي، لكنها أيضا تأتي في ظل أوضاع إقليمية ودولية خاصة؛ فالأوضاع إقليميا بالمنطقة العربية تعرف عموما تحولات عميقة في نسيج الترابطات المحلية والمحاور التقليدية، بدأت تتآكل لصالح محاور وترابطات جديدة. ودوليا لم تعد القوى الدولية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، تنظر إلى طبيعة الأنظمة وعلاقتها بالمصالح، لقد أصبحت تتبنى خطابا ديمقراطيا كونيا يشمل كل الحركات والتوجهات السياسية، وستصبح المنطقة ككل مفتوحة على تحولات سياسية عميقة حتمت على هذه الدول التكاثف لتحقيق قدر من الاستقرار السياسي والاجتماعي، والمغرب طبعا نجح في تجاوز عقبات كثيرة ويمكن أن يصدر نموذجه، بكثير من التحوير، إلى دول الخليج. هناك أيضا الوضع الاقتصادي العالمي الذي يعرف أزمة يمكن أن تكون بداية لإعادة توزيع الأدوار الاقتصادية لصالح قوى جديدة، ويمكن أن تخفف من تبعية بعض الأنظمة النامية التي تستطيع أن تتحكم في اقتصادياتها، وتستطيع أن تحمي تنوع شركائها. الخلاصة أن الزيارة لها دلالات عديدة وغايات اقتصادية وسياسية، في ظل الرغبة المتبادلة لتعزيز العلاقات في كل هذه المستويات مع الاقتراح الذي قدم للمغرب بالانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج في ماي من سنة 2011. - هل تشكل هذه الزيارة تحولا في الرهانات الخارجية للمملكة، بعيدا عن الشريك الاستراتيجي الاتحاد الأوروبي ؟ هي دلالة على الاستمرارية وليست دلالة على قطيعة، طبعا اليوم في ظل التحولات الكبيرة التي تعرفها المنطقة والعالم يمكن أن ينطلق المغرب في سياسة تنويع الشركاء حتى لا يبقى الاتحاد الأوربي الشريك الأساسي له، ويبقى بذلك رهينا لسياساته الاقتصادية ورهاناته الاستراتيجية، لكن لا ترقى العلاقات مع دول الخليج إلى هذا المستوى، ولا يمكن في نفس الوقت المراهنة عليها لتكون في هذا المستوى لعوامل كثيرة منها البعد السياسي لهذه العلاقات. أعتقد أن المغرب مطالب بتعزيز البعد الهوياتي في توجهات سياسته الخارجية، وهو بعد يشمل الجانب الحضاري له كالعالم العربي، بما فيه دول الخليج أو الفضاء المغاربي، والذي يعتبر فضاء حيويا على مستويات عديدة استراتيجية وجيو- استراتيجية، فلا يمكننا أن نغير الجغرافيا، ولا يمكن أن نغير الهوية والحضارة والتاريخ؛ الاتحاد الأوربي بحكم عوامل جغرافية وتاريخية وعامل التحضر والقوة، استطاع أن يجعل من فضاءات حساسة بالنسبة له فضاءات تابعة استراتيجيا، لكنه لا يتعامل مع هذه الدول بل يجعلها أدوات في تصوره الاستراتيجي. الفرق في السياسات ذات البعد الحضاري، أنها سياسات تضامنية وتنموية يمكن أن تتطور إلى سياسة تكامل واندماج، والدول العربية سبق لها أن وقعت اتفاقية لتنمية وتيسير التبادل التجاري سنة 1982، وهناك برنامج تنفيذي لها دخل حيز التنفيذ، كما أعتقد أن سياسة المغرب في انسياقه السابق في اتجاه الكتل والقوى العظمى جانبت الصواب، وهو ملزم اليوم بتحسين موقعه الاقتصادي في التنافسية الدولية، ولا يمكن ذلك إلا في إطار كتل متجانسة ومنطقية، ولعل الفضاء الخليجي جزء من هذا المسار. لقد كان هناك اتجاه يتوجس من الانضمام لمجلس التعاون لدول الخليج، لكنني كنت ولازلت مع تعزيز هذا المسار والعمل على تحقيقه، وذلك لا يتعارض مع سياسة المغرب المغاربية لبناء فضاء اندماجي إقليمي، لكن الشروط المتوفرة على المستوى الأول أحسن من نظيرتها في الفضاء المغاربي، ناهيك عن أنه من المفترض أن يكون المساران متكاملين وليس متنافرين. إذن أثناء الحديث عن تحول السياسة المغربية، يجب الانتباه إلى كون المغرب لا يتعامل مع نفس المستوى، وقد يبادر في الفضاء الحضاري العربي، لكنه يبقى مجرد منفذ لسياسات وجزء من استراتيجيات القوى والكتل العظمى في مستوى آخر. - سبق لدعوة مجلس التعاون الخليجي أن أثارت مخاوف بشأن الإصلاحات داخل المملكة، ألا زالت هذه التخوفات قائمة بعد تراجع حدة الحراك الشعبي في المغرب؟ يصعب الربط بين الإصلاح الذي يعرفه المغرب، والمسار التعاوني الذي ينسجه مع دول الخليج؛ أولا ليست هذه الدول الوحيدة التي لها علاقات جيدة مع المغرب، ولا يمكن لهذه العلاقات أن تكون على حساب استقلالية القرار المغربي. هناك رهانات كثيرة كما سبق أن قلت، ولنأخذ مثلا المجال السياسي، فالحراك الداخلي الصرف في الدول العربية لا يبقى بنفس درجة «النقاء» عندما تدخل رهانات القوى الإقليمية والدولية، وهي قوى لا يمكن إلا أن تحاول أن تسير الأمور في صالحها على المستويين المتوسط والبعيد. في الشرق الأوسط الحالي، هناك تهديدات تقليدية كما هو الحال مع إسرائيل، لكن هناك تهديدات جديدة، متمثلة أساسا اليوم في إيران والمد الشيعي، والذي أصبح يقض مضجع دول الخليج، وأدخلها في سباق للتسلح لمواجهة الخطر المرتقب، وإيران لم تعط أي إشارة إيجابية تجاه هذه الدول، بل لا زالت تحرك ملف البحرين الذي أصبح ساحة مواجهة علنية بين المملكة العربية السعودية وإيران، والعراق أصبح تحت جناح إيران، واليوم الصراع على أشده في سوريا، هذا ناهيك عن التداول الدولي لهذه الأزمة والأزمات التي ستعرفها المنطقة ككل قريبا. لابد إذن من تنسيق، والدور المغربي في هذا المستوى مضمون، باعتباره كان قد ساهم في أمن دول الخليج سابقا، والرهانات كثيرة ومتنوعة، قد تكون سياسية أو اقتصادية بحمولات اجتماعية أو غيرها. - ما هي الانعكاسات المرتقبة للزيارة الملكية في المستقبل المنظور على الوضع الداخلي للمغرب؟ الدول لا يجب أن تعتمد لاستقرارها ونموها إلا على قدراتها الذاتية، والسياسة الخارجية لا يمكن أن تكون مصدرا للاستقرار الداخلي، على الأقل لوحدها، لذلك يمكن أن يكون للرساميل الخليجية المباشرة، أو تلك التي هي على شكل سندات، مفعول وأثر على المنظومة الاقتصادية المغربية، وأكيد أن لذلك أثرا أيضا على المستوى الاجتماعي، لكن يجب تسطير سياسات دائمة وعلاقات مستقرة قوامها التعادلية والاحترام. يجب كذلك أن نتحدث عن الدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب كنموذج داخلي لدول الخليج. نموذج سني متوازن، ونسيج اجتماعي منفتح، يسير نحو تكريس الديمقراطية والوفاء للقيم التقليدية المغربية والإسلامية. - هل يمكن أن تشكل الشراكة المغربية-الخليجية فضاء بديلا للمغرب عن الاتحاد المغاربي؟ يبقى من الصعب في العلاقات الدولية عموما، والسياسات الخارجية بالتحديد، أن يتم تغيير التحالفات والترابطات بين عشية وضحاها، هذا أمر ليس رهينا بإرادة الدول بل بالنسق الإقليمي والدولي، والمغرب يمكن أن يكون شريكا جيدا لدول مجلس التعاون لدول الخليج لكن لن يكون باستطاعته الانفلات بسهولة من الارتهان للاتحاد الأوربي، وأعتقد أنه ليس من مصلحته فك هذا الترابط على المدى المتوسط أيضا. سيبقى الاتحاد الأوربي شريكا أساسيا ومتفردا للمغرب لسنوات طويلة قادمة، لكن هذا لا يعني ألا يكون للمغرب متنفس حضاري يتمثل في الجوار المغاربي والعربي والإسلامي والإفريقي.