تحتفل الجالية الإسلامية في فرنسا، ومعها العديد من الدول الإسلامية، في السادس والعشرين من أكتوبر، بعيد الأضحى. والملاحظ أن عيد هذه السنة يحل في ظرفية تدمغها الأزمات والانتكاسات على الأصعدة الاقتصادي والسياسي والنفسي. عربيا، وفي سوريا تحديدا، يختلط للعام الثاني دم الأبرياء بدم الأضحية. وكما جرت العادة عند حلول هذه المناسبة، ستطل «الشارفة» بريجيت باردو على مانشيتات الصحافة الفرنسية أو تقف أمام الكاميرات لإرخاء العنان لشدقها المسموم ناعتة المسلمين ب«الوحوش» لأنهم «يقترفون المجازر في حق حيوانات بريئة»! وهي بذلك تسير على خطى الجبهة الوطنية العنصرية التي بنت شهرتها على شعائر عيد الأضحى وبعض الممارسات التي لجأ إليها قسرا المسلمون بنحرهم للأكباش في أحواض الحمّام بسبب قلة المجازر. نحن، إذن، أمام أزمة اقتصادية مضاعفة بهجمة إسلاموفوبية محكمة التنظيم وبثورة تكنولوجية أصابت في الصميم طقوس وشعائر النحيرة. هكذا عوض أن يقصد رب العائلة، مصحوبا بابنه الأكبر، السوق أو الضيعة لفحص الكبش ورفعه من ذيله بغية الوقوف على مدى سمنته ووزنه، أي معاينته حيا قبل اقتنائه، يشتري الكبش بتصفحه لكاتالوغ للأكباش يعرض على الأنترنيت! هكذا تعرض على الشبكة العنكبوتية ومشتقاتها خزانة صور بالنعاج والخرفان، يمكنك تصفحها على الآيفون أو الأيباد مُرفقة بأدق المعلومات عن الخروف ومواصفاته: وزنه، أصله، ثمنه، تاريخ ولادته... إلخ. نحن، إذن، أمام ظاهرة «أكباش افتراضية». غير أن الإشهار استحوذ على معظم الطقوس والمناسبات الدينية، من طقس رمضان إلى سفريات الحج مرورا بعيد الأضحى. بمعنى أن الماركيتينغ يخدم البيزنيس والعكس بالعكس. هكذا «لُطخت»، ومنذ أسابيع، المواقعُ الإلكترونية التي تُعنى بالشأن الإسلامي بصفحات إشهارية وإعلانية تُزايد على بعضها البعض في الأثمنة، الخدمات، الجودة. تقترح بعض المجازر في هذه الإعلانات «نحر الكبش مباشرة بعد صلاة العيد، إعداده وتسليمه إلى الزبون في ظرف قياسي، وذلك مقابل 199 أورو». وكما جرى الحديث عن «أكباش افتراضية» يتم تصفحها على الآيفون والأيباد، يصح الحديث هنا عن ظاهرة «أكباش لوكوست»، منخفضة الثمن، مثلها مثل بطاقات الطائرات التي تعرضها شركات طيران لوكوست. لكن، لمّا يدقق المستهلك في شروط البيع يكتشف أن الرسومات والخدمات ترفع من الأثمنة إلى درجة قد تقارب مبلغ ال300 أورو! فكلفة نحر الكبش وحدها تساوي 30 أورو؛ وعليه فإن أثمنة اللوكوست ليست سوى تمويه تلجأ إليه بعض المافيات التي تستحوذ على قطاع اللحم الحلال مستغلة تزايد الطلب عليه عند قرب العيد. على أيٍّ، فقد العيد من «أبّهة» أيام زمان لما كان الخروف يخلق شروط الفرحة والتلاحم العائلي. اليوم، تتجول شاحنات مثلجة لتسليم «سكيطات» «ناشفة» بلا طعم ولا مذاق مستوردة من أستراليا، إرلندا، وهي بلدان تعرف بلحمها «الباسل». أما طقوس «الكديد» و«لخليع» فهي قيد الانقراض في بلاد المهجر. وعلاوة على الارتفاع المهول في أثمنة الماشية، فإن شبكة الأغنام لهذا العام يتهددها فيروس فاتك يعرف بفيروس «شمالانبيرغ»، باسم المدينة الألمانية التي اكتشف بها هذا الفيروس في صيف 2011، وهو يهاجم بالدرجة الأولى الخرفان ثم البقر والضأن، وستكون له حتما انعكاسات على سوق الماشية. وقد أصاب الفيروس عدة دول أوربية منها بلجيكا، بريطانيا، هولندا، وطبعا فرنسا. لكن وإلى إشعار آخر لم يقلَّ الطلب ولا تمكن الخوف من المستهلكين، بل على العكس من ذلك، عرفت أثمنة اللحوم زيادة بقيمة عشرة سنتيمات في الكيلوغرام الواحد ليصل ثمنه إلى 9,80 أوروهات. وارتفاع الاُثمنة عادي بحكم تسابق المستهلكين على حجز الأكباش بشكل مبكر، وأيضا بسبب انخفاض إنتاج الماشية بنسبة 2,3 في المائة مقارنة بالعام الماضي. لذا فإن العديد من مسلمي المهجر، وبالرغم من الأزمة الاقتصادية والتحرشات المنتظمة وحداثة المراسيم الدينية، ليسوا على استعداد للتفريط في طقس الأضحية ولو بذبحهم ل«فروج»!