الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تقرر التصعيد ردا على تنكر الحكومة ل"التزامات الحوار الاجتماعي"    الجزائر.. محامي صنصال يعلن مثوله أمام وكيل الجمهورية اليوم الإثنين    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر        العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    الأمن الإقليمي بسلا… توقيف شخصين للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    نقابة: مشروع قانون الإضراب تضييق خطير على الحريات وتقييد للحقوق النقابية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    المحكمة تقرر تأخير محاكمة حامي الدين في قضية آيت الجيد وتأمر باستدعاء الشاهد خمار الحديوي (صور)    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون        الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    مخاض ‬في ‬قطاع ‬الصحة..‬    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الريسوني: الشأن الديني يسير بطريقة استبدادية وفاضح تعويضات مزوار ينبغي ترقيته
قال ل«المساء»: المحيط الملكي غير بعيد عن «تماسيح» و«عفاريت» بنكيران
نشر في المساء يوم 22 - 10 - 2012

انتقد أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد، طريقة تدبير الشأن الديني الذي قال إنه ما زال يسير كما تسير الإقطاعيات
الخاصة بطريقة عتيقة متخلفة استبدادية، داعيا إلى دمقرطته كما هو الشأن بالنسبة إلى باقي القطاعات. وبخصوص رأيه في قولة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، «عفا الله عما سلف»، أكد الريسوني أنه يجب محاسبة كل المفسدين منذ عهد الاستقلال، الذين توجد أدلة تدينهم ماداموا أحياء.وأضاف أنه إذا كان رئيس الحكومة يقصد هؤلاء بقوله فإنه وقع في خطأ فقهي وقانوني يجب أن يتراجع عنه، موضحا أن الذين يمكن القول عنهم «عفا الله عما سلف»
هم الذين قضوا نحبهم. في هذا الحوار تحدث الريسوني عن رأيه في الحريات الفردية وحرية المعتقد وعن رأيه في الحكومة وجماعة العدل
والإحسان، كما تطرق إلى المحيط الملكي وعلاقته بالعفاريت والتماسيح.
- أثيرت مؤخرا قضية الإجهاض، حيث وجهت جهات تتبنى «الحريات الفردية» دعوة إلى منظمة تسمى «نساء على الأمواج» من أجل القيام بعمليات إجهاض في المغرب. ما موقفك من هذا الأمر؟
أولا، أود التأكيد على أن قضية الإجهاض من بين القضايا التي ترمي إلى تغيير البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي، إذ يستغل الإجهاض من أجل تحرير العلاقات الجنسية من كل القيود والضوابط الشرعية والقانونية. وثانيا، هناك تهويل كبير للموضوع، سواء من حيث الأرقام التي يصرح بها حول عدد حالات الإجهاض غير القانوني بالمغرب أو عدد الوفيات التي يتسبب فيها، والحقيقة أنه ليس هناك أي رقم رسمي يمكن الاعتماد عليه بسبب قلة الأرقام الرسمية الدقيقة فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية، والتي نادرا ما يعلن عنها، وحتى في الدول المسموح فيها بإجراء عمليات الإجهاض بشكل قانوني، لا تذكر عادة أرقام لضحاياه ولا يتحدث عن المعاناة الجسدية والنفسية التي تنتج عنه. ولكني مع ذلك أرى أنه ينبغي إعادة النظر في القانون المغربي من أجل التنصيص على الحالات التي يمكن فيها الإجهاض، والتي أصبحت موجودة بكثرة.
- هل هناك أمثلة للحالات التي يجوز فيها الإجهاض، من وجهة نظرك، كزنى المحارم مثلا؟
صحيح، يمكن الحديث عن زنى المحارم، وأخطر منه اغتصاب المحارم. غير أن هناك حالات أخرى تتعلق بالنساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب عموما، والفتيات المختلات عقليا ضحايا الاغتصاب، وهاته الحالات تستلزم أن تفرد لها فصول تأخذ خصوصيتها بعين الاعتبار، لكننا اليوم نحن أمام حملة هوجاء، غايتها فقط إقامة علاقات جنسية بلا حدود، وبذلك فهي تدعو إلى إجهاض بلا حدود ولا قيود.
- معركة الإجهاض، كما قلت، ليست سوى واحدة ضمن معارك متعددة ضمن إطار الحريات الفردية، وهناك من يتهمك بأنك تنتظر أن تتحدث الجمعيات الحقوقية عن هذه الحريات الفردية لتقوم بالتصدي لها.
يجب أن نطرح السؤال الأساسي: هل هناك حريات بلا حدود أم حريات بحدود؟ والجواب في نظري: ليست هناك حريات بلا حدود في أي مجال. يمكن أن يقال مثلا إن اللباس حرية شخصية، لكن هل هناك حرية كاملة للإنسان في أن يلبس أو لا يلبس، رجلا أو امرأة؟، هل يُسمح بهذا في أي قانون أو أي عرف اجتماعي؟ هذا غير موجود، مع العلم أنه حرية فردية مطلقة، فإذا خرج الإنسان إلى الشارع أو الإدارة ليقضي حاجته، وهو لا يرتدي لباسه، أو يرتدي فقط اللباس الداخلي، هل سيقبل أي مجتمع هذا الأمر؟. بالتأكيد لن يقبل، لأن لأي مجتمع قيمه وحدوده وقوانينه، ومراجعة هذه القوانين لا يكون بمثل هاته الحملات، التي تلجأ إلى خرق القوانين كما حدث مع سفينة الإجهاض، فهناك فرق بين المطالبة بتعديل القانون وبين خرقه، وهؤلاء خرقوا القانون مباشرة عبر الترويج لحملتهم والدعوة إلى ممارسة الإجهاض، وهم يعرفون أن كل هذا ممنوع قانونا. نفس الأمر يحصل مع الخمر حين يدعون إلى استهلاكه خارج القانون ويدافعون عن ذلك. إذن هناك مساع حثيثة لهدم القوانين وتحطيم أعراف المجتمع، وشخصيا لا حرج عندي في أن يمارس كل واحد حياته الشخصية كما يحب، ما دام لا يخرق القانون.
- بما في ذلك حرية المعتقد؟
بطبيعة الحال، وأنا هنا أتحدث من الناحية الشخصية، وما الذي يضيرني في أن يعتقد شخص ما يريد؟
- في نفس السياق، تعرف قضية التبشير في المغرب جدلا مرتبطا بحرية المعتقد، ولديك رأي خاص في هذا الموضوع.
ما أعرفه هو أن القانون الجنائي يمنع ويعاقب على التغرير بالقاصرين. وكما سبق أن قلت، لا مانع لدي بأن يقوم أناس مغاربة أو غير مغاربة بالدعوة إلى المسيحية أو إلى أي دين آخر، شريطة أن لا يغرروا بالقاصرين، ودون أن ينصبوا ويحتالوا على بعض الفقراء والمضطرين. وحتى الإنسان الذي يأكل ويشرب نهار رمضان، لا أتدخل فيه، ولا أبحث عنه، لأنه حتى لو كان مسلما مؤمنا برمضان، قد يأكل ويشرب، وقد يكون مريضا أو مسافرا. فإذا رأيت أحدا يأكل ويشرب نهار رمضان فهو بالنسبة إلي إما مسافر أو مريض أو امرأة حائض.
- حتى لو كان هذا الإفطار علنا في الشارع؟
نعم ولو كان في الشارع، لأن الشرع، بكل بساطة، سمح للمرضى بأن يفطروا في رمضان، وإذا رأيت مفطرا أقول هذا مريض وأمضي. إذن أنا لا أتدخل في هذا الشأن ولا أرى أن يتدخل القانون، وهذه أمور تترك للمجتمع وللشخص نفسه، وأحيانا أقاربه يتكفلون به إن لم يكن له عذر. وعموما من وجهة نظري أرى أنه من الأفضل أن لا تتدخل القوانين في الالتزامات الدينية والتعبدية، لكن هناك حدودا وآداب في كل مجتمع، وفي كل مجال من مجالاته. فهذا هو المبدأ الذي يمكن طرحه وبعد ذلك يتم تحديد المفاهيم ووضع القوانين والحدود.
- هناك مطالب من طرف عدد من الجمعيات والأحزاب السياسية بإلغاء عقوبة الإعدام، رغم أنها لم تنفذ في المغرب منذ سنة 1993. ما جدوى قوانين لا يتم تطبيقها في الواقع؟
في اعتقادي معركة عقوبة الإعدام من المعارك المفتعلة، فالواقع يقول إن هذه العقوبة ليس لها وجود يستحق هذه الضجة، وكان جديرا بنا جميعا أن نصرف أوقاتنا في البحث عن حلول لمشاكل الملايين من المعذبين والمعرضين فعليا للموت في هذا المجتمع. ودعنا نطرح السؤال التالي: كم من الناس يعانون من الحكم بعقوبة الإعدام؟ هم صفر أو قريب من الصفر؟ إذن هي معركة ضد الصفر، مع الإشارة إلى أنني كنت دائما مع أي عمل علمي، ولو قيل لنا تعالوا نراجع القانون المغربي، سواء في الإعدام أو في غيره، للبينا الدعوة. ومؤخرا انتقدت بشدة على جريدة «المساء» الفصل 263 من القانون الجنائي،الذي يهم إهانة موظف، وهو فصل استعماري استعلائي، فعلا تحس بأن الذي كتبه رجل استعماري ذو نفسية متعالية، ومثل هاته الفصول يجب إلغاؤها، ويمكن أن نجد في قضية الإعدام فصولا لا مانع من إلغائها.
- سياسيا، كيف تقيّم تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكومة حتى الآن؟
لا يسمح الوقت بتقييم حقيقي للحكومة، وهذا ليس تهربا من الإجابة، نظرا للعمر القصير للحكومة، فالحكومة تواجه حملات شرسة على جميع المستويات، وهو ما يحدث لها بعض الإرباك، ولكن مع ذلك هناك إنجازات يمكن أن تعطي ثمارها في الشهور والسنوات المقبلة. إذ تم في الأيام الأخيرة اعتماد دفاتر تحملات الإعلام العمومي، وكان من المفروض أن تعتمد قبل 7 أو 8 أشهر، ولأول مرة في تاريخ الحكومات هناك حكومة مضادة تشتغل، ونجحت على الأقل في فرملة وعرقلة بعض المشاريع الإصلاحية. وهناك حديث عن وجود مخطط تشريعي كبير، وحتى لو كان هناك أخذ ورد في بعض تفاصيله، فإنه لا شك سيكون إنجازا كبيرا لهاته الحكومة، بمعنى أن الحكومة ستجني ثمار عملها خلال 2014 أو 2015، إن هي بقيت إلى ذلك الحين.
- ذكرت الحملات المغرضة التي تتعرض لها الحكومة، هل بعض هاته الحملات يأتي من محيط الملك؟
الصحافة تتحدث عن المحيط الملكي وعن حكومة القصر الملكي، وهذا حديث موجود ولا ينفيه أحد، ولكن كما يقول رئيس الحكومة هناك «تماسيح وعفاريت»، وهذه الأمور لا يمكن قياسها وإدراك تفاصيلها. قد يكون هؤلاء أو غيرهم من الأسماء التي لا تذكر، ويمكن أن تكون هناك جهات أخرى من رجال الأعمال والمتنفذين المستفيدين من الوضع الحالي، فكل شخص يرى مصلحته مهددة يقاوم ويشن الحملات، والمحيط الملكي بطبيعة الحال ليس بعيدا عما يجري.
- يلاحظ البعض تراخي حزب العدالة والتنمية في تقديم بعض القوانين التي كان يسعى إليها أيام المعارضة بعدما صار الأمر بيده حاليا.
صراحة لا أعرف ما هي القوانين التي تخلى عنها حزب العدالة والتنمية، فما أعرفه أن هناك عملا كبيرا في عملية إنتاج القوانين، وخاصة القوانين التطبيقية للدستور، فهل أدى الأمر إلى تهميش قوانين أخرى؟ لا علم لي بذلك. كما أن حزب العدالة والتنمية ليست له الأغلبية، فهو ليس حزب العدالة والتنمية التركي. الحزب له حلفاء لا يوافقونه بالضرورة على ما يريد دائما، فهم يأتون بمشاريع أيضا، وأنا أتحدث عن الحكومة وليس عن فريق العدالة والتنمية في الحكومة، الذي لا يشكل سوى ثلثها، وهذا الفريق يجب أن نحاسبه فردا فردا، سواء على صعيد الحكومة أو البرلمان.
- بعد عودتك للاستقرار في المغرب، ما هي علاقتك بحركة التوحيد والإصلاح؟
أنا عضو في الحركة وفي مكتبها التنفيذي، وليس هناك زيادة ولا نقصان في هذا الواقع.
- هناك حديث عن إمكانية عودتك لقيادة الحركة، ونسب كلام بهذا الشأن لرئيسها الحالي محمد الحمداوي
من حيث المبدأ نحن لا نتحدث في موضوع رئاسة الحركة، لا عن الريسوني ولا عن الحمداوي، فمنهجنا في الحركة أنه لا يجوز الحديث في مثل هذا الأمر إلا يوم الجمع العام، لكن هذا الأمر لم يعد واردا، من وجهة نظري الشخصية.
- لماذا؟
أنا اخترت العمل في المسار العلمي وأعطيه الأولوية، وليس هناك سبب آخر.
- وماذا عن علاقتك بحزب العدالة والتنمية؟
لم تعد لي أي علاقة رسمية بحزب العدالة والتنمية. لقد كنت في وقت سابق عضوا في مجلسه الوطني، وقدمت استقالتي منه بحكم السفر والانشغالات لا أقل ولا أكثر.
- ثلث أعضاء الحكومة ينتمون إلى الحركة الإسلامية، لكن البعض يرى غياب الصبغة الإسلامية عن أعمال هؤلاء الوزراء، ويتساءل هؤلاء عما كانت تحضر له الحركة الإسلامية منذ 30 سنة.
هذا مشكل قديم لدى الحركة الإسلامية، وقد تحدثت عنه مرارا، وهو مرتبط بمفهوم العمل الإسلامي على مستوى الدولة ومفهوم تطبيق الشريعة، ومنذ 10 سنوات أو أكثر وأنا أعمل مرارا على تصحيح هذا المفهوم، وقد بدأ يصحح الآن نسبيا، فدخول هؤلاء الإخوة إلى الحكومة وقبلها إلى البرلمان والبلديات يترتب عنه واجبات بمقتضى الشريعة والقانون، وهي واجبات أكثر من أن تحصى أو تنجز دفعة واحدة، ولذلك لا بد لهؤلاء الإخوة أن يبدؤوا بالملفات الأكثر استعجالا واستفحالا مثل ملف الفساد، لأنه يساهم بنسبة كبيرة في البطالة والفقر وإهانة كرامة المواطنين، فهذا هو «قسم المستعجلات» إن شئنا القول، وليس تطبيق الشريعة هو إقامة خطبة الجمعة في كل وزارة، لذلك أعتبر دفاتر التحملات، مثلا، إنجازا وإصلاحا إسلاميا، لأنها ستضع حدا للصفقات الفاسدة والتلاعبات والمحسوبية والمتاجرة بالفن والإعلام. كما أن وزير التجهيز والنقل قام بخطوة نشر لائحة «الكريمات»، ونرجو أن يستمر فيما بدأه وألا يتوقف، لأنه يجب أن يمضي في ضبط وترشيد استعمال الملك العام من رمال ومعادن وحجارة وطرقات وبحار، وهي ثروات كبيرة نعرف أنها كانت عرضة للسلب والنهب والتسلط والاستبداد. هذه هي القضايا المستعجلة إسلاميا وإنسانيا ووطنيا.
- محاربة الفساد مطلب عام في المغرب، غير أن خطاب رئيس الحكومة، الذي يقال إنه أخرج عن سياقه، والذي قال فيه كلمته الشهيرة: «عفا الله عما سلف»، قد أحدث مجموعة من الردود المتباينة. ما هي الطريقة المناسبة، في نظرك، للتعامل مع هذه الملفات؟
أعتقد أنه يمكن الحديث عن السلب والنهب والفساد منذ الاستقلال، حيث عشنا فسادا سياسيا وماليا وغيره من أنواع الفساد، وشخصيا أقسم المفسدين فقهيا وقانونيا إلى قسمين: قسم قضى أهله نحبهم وذهبوا إلى ربهم، وهناك من تتم محاكمتهم ويؤدون عقوبة أفعالهم، وقد اندثرت وثائق الملفات وانقرض شهودها، وفي هذا الشق أتفق مع عبد الإله بنكيران، وأقول «عفا الله عما سلف» دنيويا. أما أخرويا فالله كفيل بهم، يعفو أو لا يعفو. أما القسم الثاني من المفسدين الذين مازالوا أحياء يرزقون، وربما مستمرين في ممارسة فسادهم، فإذا كانت هناك وثائق وشهود يدينونهم، فهؤلاء لا تساهل معهم أبدا، وإذا افترضنا أن رئيس الحكومة كان يقصد ب«عفا الله عما سلف» هؤلاء المفسدين المعروفين، فهذا خطأ فقهي وقانوني يجب أن يتراجع عنه. أما إذا كان يقصد الذين قضوا نحبهم أو يصعب الإثبات ضدهم فهذا مقبول.
- هو قال إنه لا يمكن الانشغال بالعودة إلى الوراء و«مطاردة الساحرات»، حتى بالنسبة إلى من هم أحياء
من غير الممكن أن نتابع قضايا افتراضية، فهناك من ينظر إلى كل وزير داخلية وكل عامل بأنه متهم حتى يثبت العكس، ولكن هذا غير صحيح قانونيا وقضائيا، فهل يجب أن نباشر التحقيق مع هؤلاء العمال الذين مروا أو الذين لا يزالون يسيرون، ومن يشتغل تحت إمرتهم وفتح جلسات استماع إلى ضحاياهم في الأحياء والدواوير؟ هذا غير ممكن، ولكن بالنسبة للقضايا البارزة، التي يتحدث عنها الموظفون، فهذا شأن آخر، مثل قضية التعويضات الخيالية لوزير المالية السابق والخازن العام للمملكة، والتي، للأسف، يحاكم فيها الموظف الذي فضح هذا الفساد، فهذا من باب إقامة المنكر وإزالة المعروف. فهذا الموظف لو كان هو من فضح الفساد، فمن المنطقي والطبيعي أن يكافأ ويرقّى، لا أن يتابع كمتهم. فمثل هاته الأمور، التي تتداول بين الناس وتروجها الصحافة، إذا كانت هي أيضا تدخل في إطار «عفا الله عما سلف» فهي خطأ فادح، وإقبارها والسكوت عنها نوع من الفساد. وشخصيا لم ألتق رئيس الحكومة ولا وزير العدل لأناقشهما في هذا الموضوع. ولكن من وجهة نظري، الملفات التي فاحت روائحها الكريهة يجب أن تأخذ طريقها إلى القضاء، ولو كان المتابع فيها قد اختلس ألف درهم، لأن الفساد لا يتجزأ، فإما أن نوقفه وإما أن نستسلم له ويواصل زحفه.
- ما الذي تغير في العلاقة بينكم وبين جماعة العدل والإحسان بعد دخول العدالة والتنمية إلى الحكومة؟
لم يتغير شيء في هذه العلاقة، لأن دخول الحزب ومعه الحركة إلى الحكومة، بحكم وجود وزراء هم أعضاء في المكتب التنفيذي للحركة، مثل مصطفى الخلفي وعبد الله بها، مسار كان يعرفه الإخوة في العدل والإحسان. لقد كنا نسير في الطريق نحو المشاركة والإصلاح من الداخل والعمل في إطار المؤسسات واحترام القوانين. إذن ليس هناك أي جديد في موقفنا ولا في موقف العدل والإحسان. هم كانوا ضد هذا المسار قبل أن يدخل إخواننا الحكومة ولا زالوا ضده. والآن من المفروض أن تكون الجماعة أقل انتقادا لأن هذا المسار، على الأقل، أعطى بعض المكتسبات والنتائج التي لا يمكن إنكارها...
- ربما هم لا يرون ذلك
الحقيقة واضحة على كل حال. كان من الممكن أن أنتقد هذا المسار في السابق أكثر مما أنتقده الآن، لأننا من قبل كنا داخل اللعبة ولا يسمح لنا بشيء، فحتى بعض البلديات منع الإخوان من تسييرها حتى لا يطلعوا على أمورها ويضعوا أيديهم على الوثائق والأرقام، لكن الآن رئاسة الحكومة بين يدي العدالة والتنمية، وكذلك عدد من الوزارات، مما يعني أن تقارير الدولة وقراراتها في عدد من القطاعات أصبحت بين أيدي هؤلاء. ثم هناك إصلاحات لا ينبغي الاختلاف حول وجودها، غير أن الاختلاف بيننا هو أننا نرى أن هذه خطوات في طريق الإصلاح، وجماعة العدل والإحسان ترى أنها خطوة إلى الوراء، لأنها عززت مكانة وشرعية المخزن في نظرها.
- توجهون باستمرار سهام النقد إلى المؤسسة الدينية الرسمية، حتى إنك قلت إن المذهب المالكي يذبح من الوريد إلى الوريد في المغرب. أليس لكم السلطة الآن لإصلاح هذا المجال؟
المجال الديني في المغرب يُسَير كما تُسير الإقطاعيات الخاصة، فوزارة الأوقاف لا علاقة لها بالحكومة، وربما وزارة الداخلية أكثر اندماجا في الحكومة من وزارة الأوقاف.
- ولكنها تقع كباقي الوزارات تحت سلطة رئيس الحكومة.
هذا كلام. أنا أتحدث عن الواقع الفعلي، فوزارة الأوقاف لم تكن لها علاقة بالحكومة يوما من الأيام، سوى أنه يخصص لها جزء من الميزانية، ويجلس وزير الأوقاف في اجتماعاتها كمراقب، فالحكومة لا تتدخل في أي شأن من شؤون الوزارة، وهذا أمر معروف، بدعوى أن شؤونها تابعة لإمارة المؤمنين. ولكن هذه الصلاحيات تؤول عمليا إلى الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى والمجلس العلمي الإقليمي والكاتب العام لوزارة الأوقاف والمندوبين والنظار... وفي النهاية يكون تدبير الشأن الديني بيد إداريين يتحكمون فيه وفي أمواله وفي توجهاته، ويتحكمون حتى في العلماء. هذا هو الوضع البئيس الذي يعرفه هذا القطاع.
لقد حصلت تطورات على الصعيد الدنيوي لمؤسسات الدولة، أي على المستوى التشريعي والسياسي، لكن على الصعيد الديني هناك منع لأي تطور. فمغرب ما بعد الاستقلال لم يكن فيه شيء بالانتخاب: الملك بالوراثة والباقي بالتعيين. أما الآن، فقد صارت هناك انتخابات على عدة مستويات، لكن الشأن الديني لا زال على ما كان عليه منذ قرون، بل أكثر من ذلك، فلكي يعين شخص ما عضوا في المجلس العلمي لا بد أن يمر على «الديستي» و«لادجيد» وما إلى ذلك. وفي النهاية تصبح الملاحظة التي يكتبها ضباط في الاستخبارات هي الحاسمة، وليس العلم والقدرة والكفاءة. لذلك أنا أطالب، وبعبارة مختصرة واضحة يفهمها الجميع، ب«دمقرطة» الشأن الديني، فهو ليس أقل استحقاقا للديمقراطية والشفافية والثقة من المجالات الأخرى. الشأن الديني لا يزال يسير بالطريقة العتيقة المتخلفة الاستبدادية، مما يفسد العلم والعلماء، ويفسد الدين في النهاية.
- وجه يوسف القرضاوي دعوة إلى ثلاثة ملايين حاج للدعاء على إيران بالهلاك بسبب دعمها للنظام السوري، مما رآه البعض فتنة ما كان ينبغي إيقاظها. ما موقفك من هاته الدعوة؟
أنا لست مع تضخيم هذا الأمر واعتباره فتنة. أية فتنة فيه؟ الدعاء على الظلمة والقتلة ليس فتنة، وأنا قرأت كلامه مختصرا، وهو دعا إلى الدعاء على القتلة والمشاركين والمساندين لهم، وحين كنت في السعودية منذ بدء المعارك في سوريا والمساجد تدعو على هؤلاء بشكل يومي أحيانا، والدعاء سلاح المستضعفين والمظلومين، وكما جاء في القرآن عن أحد الأنبياء: «فدعا ربه أني مغلوب فانتصر»، ونحن نقول: ربي إن هذا الشعب السوري مظلوم ومقهور ومطرود ومقتول منذ 40 سنة، كل من رفع رأسه يقتل أو يعذب أو يختفي، فكيف لا ندعو على هؤلاء ومن يسلحهم ويقف إلى جانبهم، علما أن من أسباب الأزمة الاقتصادية في إيران تمويل نظامها للنظام السوري.



حاوره - خديجة عليموسى
عبد الصمد الصالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.