ربطوا عندنا، خطأ، بين الأمر الملكي بحل مجلس النواب الأردني وتقديم موعد الانتخابات وبين جُهد المعارضة لإخراج «أم جميع المظاهرات» إلى الشوارع؛ فقد خططت لتجنيد 50 ألفا وتحذير السيد الأكبر من أن الخريف العربي يطرق أبواب القصر. وفي نهاية الأمر، حضر سبعة آلاف متظاهر أو ثمانية آلاف متظاهر فقط، بل لم يتجرؤوا حتى هم على التشهير بالرأس أو تهديده. وقد نبشت أيدٍ خفية وراء الستار واهتمت في المساجد بالتذكير بوجود مصلحة مشتركة بين مؤيدي نظام الحكم والمعسكر الغاضب: لا تنسوا لحظة أن الحفاظ على الأردن هو الأهم. كيفما نظرنا إلى المملكة الصغيرة وجدنا المشكلات تقفز: فلا مال لخطط تطوير ولا حلول للعمل. ولا يحلم أحد بأن يعِد الجيل الشاب بأن الغد سيكون أفضل. ومخيمات اللاجئين من سوريا، الذين استوعب الأردن أكثر من 120 ألفا منهم، هي قنبلة موقوتة. وبعد قليل سيأتي الغيث، وفي مخيم الزعتري المكتظ لا حماية من البرد والرطوبة. والمستشفيات مزدحمة جدا. ولا يجوز للاجئين أن يخرجوا من غير أن يحصلوا على «كفيل» يضمن للسلطات أن المكفول لا يُدبر لتنفيذ عمليات (أُرسل عملاء متخفون من المخابرات السورية لتجنيد متطوعين لتنفيذ عمليات تفجيرية في كل مكان ينجحون فيه بفعل ذلك في داخل الأردن). لكن الفساد في القيادة العليا هو المشكلة الأكثر اشتعالا؛ فأنت تسمع قصصا تجعل شعر الرأس يقف عن المال والسلطة، فقد نُحي -مثلا- رئيس الاستخبارات محمد الذهبي في عار كبير بعد أن لم يعد ممكنا الصمت عن استغلال مكانته لتعظيم الإيرادات الخاصة. وتتجول وسائل الإعلام ممتلئة البطن على وزراء ومستشارين كبار وأعضاء من مجلس النواب: فكل من يستطيع، يأخذ ويُعد لنفسه حاشية وثيرة قبل أن يُطرد إلى بيته. وأصبحنا في خضم كل ذلك هدفا سهلا: فبعد أسبوعين سيتذكرون بلا احتفال الذكرى السنوية الثامنة عشرة لإطلاق الحمام والبالونات في مراسيم التوقيع على اتفاقات السلام. أين الأحلام الكبيرة؟ نتلقى الضرب قويا على رؤوسنا، فالملك عبد الله لا يضيع فرصة لانتقاد رئيس الوزراء نتنياهو. لكن بعد قليل، وهذه هي البشرى الطيبة، سيأتي آخر الأمر سفير أردني جديد إلى إسرائيل. إن وليد عبيدات هو خبير في القانون، أصبح إرساله (حدده الملك وصادقت الحكومة على ذلك) إلى تل أبيب متأخرا سنة نوعا من ليِّ الأيدي؛ فالملك من جهة والمعارضة ضده والأمريكيون من وراء الستار وإسرائيل في موقع مراقبة. لم يحدث شيء كهذا في تاريخ الخدمة الدبلوماسية في المملكة: فالسلطة نشرت تعيينا واجتمعت القبيلة الكبيرة وأصدرت تهديدا للسفير لم يسبق له مثيل، فحواه أنه إذا قبلت الوظيفة فسنقطع العلاقة معك وننبذك. وحدثني مروان المعشر، السفير الأردني الأول عندنا، كيف خرج إلينا مع مشاعر مختلطة، فقد كانوا يضغطون عليه حتى آخر لحظة للتخلي عن التشريف. لكن في حالته زوده الملك بدعاء سفر حار. وفي حالة السفير الحالي عبيدات، يأتي مع ملاحظة تحذير في جيبه وشعور بالكآبة، وسيضطر إلى التفكير في كل كلمة وفي كل صورة وفي كل لقاء. ويقوم من ورائه منتقدا كبير القبيلة أحمد عبيدات، وهو رئيس حكومة سابق، استقر رأيه على أن يفحص قدر جلالة الملك. يقضي القانون بأن الانتخابات لمجلس النواب تُجرى بعد حل مجلس النواب ومجلس الأعيان ب85 يوما. وستقول الأيام فقط ما إذا كان الملك عبد الله مستعدا لقبول رئيس وزراء منتخب غير مُعين، وما إذا كان سيُدبر مجلس النواب أموره باستقلال أم إن الأجهزة ستتلاعب بالأمور. وقد أعلن الإسلاميون أنه ليست لديهم خطط للوصول إلى صناديق الاقتراع إلى أن يلغوا طريقة الاقتراع المزدوج، وهي التعويق الذي يسعى إلى مضاءلة وزنهم السياسي سلفا. كان أصح شيء، إذا جاز لنا أن نقدم النصيحة من بعيد، ربط «الإخوان» بمسار اتخاذ القرارات بأن يجلسوا في مجلس النواب ويحصلوا على وزيرين أو ثلاثة. فنحن نعلم من قبل بأن الإخوان إذا لم يكونوا ساكنين فليسوا صداعا، بل هم شقيقة مضايقة قد تستولي على السلطة في أكثر اللحظات غير المناسبة. عن «يديعوت»