بعد انتهاء جولة خطب زعماء دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن أن نتناول موضوعين يخصاننا بصورة مميزة، الأول هو الشأن الفلسطيني، الذي فضلا عن كونه لم يسقط عن جدول العمل، تبوأ مكانا مركزيا في الكلام السياسي لأشخاص مثل فرانسوا هولاند، رئيس فرنسا، ومحمد مرسي، رئيس مصر (الذي نجح مرة أخرى في أن يخطب خطبة كاملة من غير أن يذكر اسم إسرائيل). لا يمكن إسقاط هذا الموضوع عن جدول العمل حتى حينما تشغل موضوعات أخرى العالم، فهو سيكون هناك وفي كل مكان إلى أن يُحل. وثانيا، التفسير المقبول الآن هو أن الولاياتالمتحدة تجري اتصالات غير رسمية مع إسرائيل، من جهة، ومع إيران، من جهة أخرى، عن التزام أن تمنع إيران من الحصول على السلاح الذري، وأن العمل العسكري -إذا ما تم- لن يقع قبل الصيف القريب. كان رئيس الولاياتالمتحدة براك أوباما، الذي تتنبأ له استطلاعات الرأي، بأنه سيستمر في عمله فترة ولاية أخرى، كان حازما جدا في التزام أمريكا بألا تُمكّن الإيرانيين من تعريض سلام إسرائيل وسلام العالم للخطر، أما نتنياهو فقدم إلى مشاهديه درسا في الفيزياء جعلهم يفهمون أن عنصر تخصيب اليورانيوم هو الأسهل علاجا، وأن هذا العلاج يجب أن يتم إذا لم يكن مناص من ذلك في مدة أشهر لا أسابيع. إذا كانت توجد محادثات مع إيران حقا من وراء ستار، فمن المنطقي أن نفترض أن يُعبر عن نتائجها بعد الانتخابات في أمريكا فقط؛ فأوباما ليس له اهتمام قبل الانتخابات بأن يظهر بمظهر من يستعد لحرب أخرى في الشرق الأوسط، ولا بمظهر المستعد لمصالحات وتنازلات لإيران. بعد الانتخابات سيكون هناك عرض مختلف. إن عناصر المصالحة (تحصل إيران على مساعدة لتطوير مشروعها الذري من أجل الطاقة والبحث، ويؤخذ منها اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة وأكثر ويُعاد على هيئة قضبان فقط ويُباح لها التخصيب بدرجة 3.5 في المائة) يتم التباحث فيها علنا منذ زمن بعيد، وقد لا يكون اتفاق كهذا غير ممكن في المستقبل القريب (لن تحبه حكومة إسرائيل، لكن سيصعب عليها جدا أن تخرج على أثره في عملية من طرف واحد). إذا لم يمكن، بعد انتخابات الولاياتالمتحدة أيضا، التوصل إلى اتفاقات مع الإدارة الإيرانية فمن المنطقي جدا أن نفترض أن يطلب أوباما أن ينتظر إلى الانتخابات القريبة للرئاسة في إيران في 14 يونيو 2013، وهي انتخابات ستنهي ولايتي محمود أحمدي نجاد. إنه يعلم جيدا بأن أحمدي نجاد ليس هو متخذ القرارات الإيراني الأعلى، وأن علي خامنئي هو الذي يقرر الأمور، ورغم ذلك لا شك في أن كلام رئيس إيران المتحدي في السنين الثماني الأخيرة قد فعل فعله. لا يمكن أن نعلم من سيكون الرئيس القادم في إيران. والغرب يعرف عددا من المرشحين المحتملينن لكن لا يعني هذا أن واحدا منهم سيتم انتخابه، فقد يكون من يشغل المنصب شخصا غير معروف لجهات من خارج إيران كما كان محمود أحمدي نجاد نفسه إلى أن تم انتخابه. إذا كان من يُنتخب سياسيا متطرفا مثله وإذا عارض كل تسوية مهمة مع الغرب، فسيثور البديل العسكري من جديد. وإذا انتُخب، في المقابل، شخص أشبه بالرئيس السابق محمد خاتمي (الذي دفع إلى الأمام بالمشروع الذري الإيراني لكن لم تصاحبه حماسة وريثه)، فمن المنطقي أن نفترض أن تُبذل محاولة مكثفة للتوصل معه إلى تسوية والامتناع عن مواجهة عنيفة. سيكون وضع إيران حتى يونيو القادم أصعب كثيرا، فقد انخفضت قيمة عملتها انخفاضا كبيرا، وستكون أشد عزلة، ومن الممكن جدا أن تكون حليفتها الأقرب، ألا وهي سوريا، تحت سلطة سنية لا تنسى لها تأييدها لبشار الأسد. إذا وجدت صلة بين تصويت الجماهير وبين نتائج الانتخابات (ورأينا أنها وجدت صلة ضعيفة شيئا ما في الثاني عشر من يونيو 2009 في الانتخابات السابقة)، فمن المنطقي أن نفترض ألا يكون الرئيس الذي سينتخب متابعا لنهج أحمدي نجاد، ومن المنطقي أن نفترض أن يحاول البحث عن طريقة تُخلص بلاده من العقوبات التي تزداد شدة ومن العزلة الدولية مع آثارها القاسية. حتى لو أطال الحديث عن حق إيران في أن تطور مشروعها الذري كما تفعل منذ خمسينيات القرن الماضي، فمن الممكن جدا أن يفضل التوصل إلى تسوية مع الدول الست التي تفاوض بلاده. وسينتج عن ذلك أن يُعرف هذه التسوية المحتملة بأنها لا تضر بحقوق إيران وتترك في يدها إمكانية الاستمرار في تطوير المشروع الذري بمساعدة الغرب هذه المرة. لن يحدث شيئان في إيران: لن يُنتخب رئيس يعلن وقف التطوير الذري، ولن يُنتخب فيها من يعلن تطوير سلاح ذري. لكن المسافة بين هذين الاحتمالين كبيرة بحيث تتيح التوصل إلى اتفاقات ترضي أولئك الذين يريدون بما أوتوا من قوة منع إيران من تطوير سلاح ذري. قد يتوصل رئيس معني بإنقاذ إيران وإنعاش اقتصادها ومكانتها الدولية، وإن لم يكن «معتدلا» على حسب تعريفنا، قد يتوصل سريعا إلى اتفاقات ويحاول إقناع خامنئي بأن الحديث عن إجراء يتساوق وسياسة «الهامة المرفوعة» في مواجهة الغرب مع عرض الاتفاقات على أنها انتصار إيراني. إن الانتخابات القادمة في إيران في مطلع الصيف التالي قد تكون المفترق الحاسم الأخير قبل قرارات مصيرية. انتظروا ال14 من يونيو. .خبير إعلامي