المغرب وإسبانيا يعززان تعاونهما بشأن الأمن والهجرة استعدادًا لكأس العالم 2030    توقيف أربعة أشخاص بشبهة حيازة المخدرات والمؤثرات العقلية بالخميسات    وزارة التجهيز والماء: الهزة الأرضية التي ضربت إقليم وزان لم تخلف أية أضرار في البنية التحتية الطرقية والمنشآت المائية    كادم: الزلزال الذي ضرب شمال المغرب "عادي وغير مقلق"    أشرف بنشرقي يقوم بلفتة مميزة اتجاه عبد الحق نوري    "التقدم والاشتراكية" ينبه لتصاعد الاحتقان الاجتماعي وينتقد التطبيع مع مظاهر الفساد وتضارب المصالح    نهائي مبكر بين ريال مدريد ومانشستر سيتي في ملحق دوري الأبطال    هيركوليس يعلن عودته لتشجيع فارس البوغاز من المدرجات    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 41 مرشحا للهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    ارتفاع أسعار السردين في المغرب قبيل شهر رمضان    السعودية تتصدر دول مجموعة العشرين في مؤشرات الأمان لعام 2023    صندوق النقد الدولي يتوقع نموا اقتصاديا بنسبة 3,9 في المائة سنة 2025 بالمغرب    ترامب يتوعد حركة حماس ب"الجحيم"    "هِمَمْ" تدين اعتقال الناشط المناهض للتطبيع رضوان القسطيط    حركة "التوحيد والإصلاح" تدعو إلى إغاثة غزة ورفض التهجير القسري ووقف التطبيع    المغرب غير معني بخطة ترامب لتوطين الغزيين بالمملكة    ترامب: "أوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما"    وزير الخارجية المصري لنظيره الأمريكي: العرب يرفضون خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة آخرين جراء تصادم طائرتين بأمريكا    المغرب-المملكة المتحدة: شراكة قوية بآفاق واعدة (سفير)    المغرب يواصل تقهقره في التصنيف العالمي لمؤشر مدركات الفساد ويحتل المرتبة 99 من أصل 180 دولة    ساكنة تماسينت بمساعدة الجالية تجمع 17 مليون لشراء سيارة إسعاف وسط تقاعس الجهات المسؤولة    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    رئيس أولمبيك آسفي ومدربه في لقاء مصالحة لإنهاء الخلافات    "صحة الشباب والمراهقين والبحث العلمي" موضوع ملتقى دولي بالرباط    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    تقارير.. زلزال وزان امتد تأثيره إلى جنوب إسبانيا والبرتغال    اعتقالات تطال المتورطين في ملف "كازينو السعدي" بمراكش    "التقدم والاشتراكية" يثير مخاوف بشأن القطيع الوطني ويدعو لاجتماع برلماني عاجل    سبعة مغاربة ضمن الفائزين بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    باحثون صينيون يكشفون عن آلية عمل نظام غذائي يحاكي الصيام لتعزيز المناعة المضادة للورم    "صولير إكسبو": 120 عارضًا و10 آلاف زائر لاستكشاف حلول الطاقات المتجددة    سبعة مغاربة ضمن الفائزين ب"جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" برسم دورة 2024-2025    هزة أرضية قرب القصر الكبير تصل درجتها 5.10 شعر بها المواطنون في عدد من المدن    لفتيت يجري محادثات مع وزير داخلية إسبانيا حول قضايا الإرهاب والإجرام    تتويج الرامي بجائزة "بول إيلوار"    "بوحمرون" يستنفر السلطات الصحية باقليم الدريوش    الشراكة الأخلاقية بين الوضعي والروحي في المغرب..    محمد زريدة يعزز صفوف الاتحاد الليبي    المستشفى الحسني يفرض الكمامة على المواطنين    وفاة الفنانة السورية الشابة إنجي مراد في ظروف مأساوية    فيلم "دوغ مان" يواصل تصدّر شباك التذاكر في الصالات الأميركية    البرتغالي "ألكسندر دوس سانتوس" مدربا جديدا للجيش الملكي    بكراوي يهدي "إستوريل" هدفين    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    دراسة: القهوة تقلل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا الرأي.. قاسم مشترك في انتهاكات حقوق الإنسان العربي
نشر في المساء يوم 26 - 11 - 2008

يحتفل العالم هذه الأيام بمرور ستين عاماً على صدور «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» (10 ديسمبر 1948)، وهو الوثيقة التي صاغتها لجنة من الشخصيات الدولية العامة، برئاسة قرينة الرئيس الأمريكي الأسبق والأشهر في القرن العشرين، وهي اليانور روزفيلت. والذي لا يعرفه كثيرون من قرائنا العرب، هو أن أهم شخصيتين في تلك اللجنة مع السيدة اليانور كانا عربيين، وهما القانوني المصري، ومندوب مصر في الأمم المتحدة الدكتور محمود عزمي، وأستاذ الفلسفة اللبناني ووزير خارجيتها فيما بعد د. شارل مالك.
تذكرت هذا التاريخ العربي المجيد في مجال حقوق الإنسان، أثناء مداولات لجنة مشابهة، كوّنتها الأمم المتحدة، برئاسة السيدة ماري روبنسون، رئيسة جمهورية أيرلندا السابقة، وأول مُفوضة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (1998-2003). وتشرفت حينما تم اختياري عضواً ضمن أعضائها العشرة، ممثلاً غير حكومي عن العالم العربي. وأنا الوحيد من أعضاء اللجنة الذي لم يكن رئيساً سابقاً للجمهورية أو للوزراء، أو حتى وزيراً سابقاً في بلاده، مثلما هو الحال مع بقية أعضاء «اللجنة السامية لحقوق الإنسان». كما تأثرت كثيراً لهذا الاختيار، الذي تزامن مع صدور حكم من محكمة جنح الخليفة بإدانتي وسجني سنتين وتغريمي عشرة آلاف جنيه بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر في الخارج أما دليل الإدانة، الذي استند إليه القاضي فهو مقال لي نُشر في صحيفة «الواشنطن بوست»، يوم 21 أغسطس 2007، أي قبل صدورالحكم بسجني بسنة. وكان عنوان المقال «قهر في مصر بلا حدود».
وقد بدأ المقال بسرد أشهر حالات «الاختفاء القسري»، حيث اختفى أشخاص من بيوتهم أو من الشارع لعدة أيام، تمتد لعدة أسابيع، ثم لعدة شهور، ثم لعدة سنوات. ولا يعلم ذووهم عنهم شيئاً، وما إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً. فإذا كانوا أحياء فلماذا لا تُفصح السلطات المسؤولة عن مكانهم، وأسباب حبسهم، ومتى تقدمهم لسلطات التحقيق أو المحاكمة، إذا كانوا قد اقترفوا أفعالاً أو جرائم، يُعاقب عليها القانون. وإذا لم يكن هناك ما يستوجب التحقيق أو المحاكمة، فلماذا لا تُفرج عنهم هذه السلطات. وذكرنا على سبيل المثال لا الحصر حالتي الصحفي المصري، رضا هلال، نائب رئيس تحرير الأهرام، والمُعارض الليبي ووزير الخارجية الأسبق منصور الكيخيا، الذي اختطف من أمام فندق سفير بالدقي. ولم ترد السلطات المصرية على ما سردناه من وقائع موثقة بالأمكنة والأزمنة. ولكنها اختارت أن توجه إليّ اتهامات متعددة، رفع أعضاء في الحزب الوطني بالجيزة، ومن أعضائه في مجلس الشورى، بشأنها ما وصل عدده إلى 21 قضية، منها تلك التي أشرنا إليها أعلاه.
لقد تذكرت هذا كله وأنا أشارك في إحدى جلسات اللجنة السامية لإحياء ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولسان حالي ينعي تدهور الأحوال في مصر خلال العقود الستة التالية لصدور الإعلان، والذي قد صدّقت عليه مصر رسمياً، وأصبح بذلك جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية الوطنية لمصر. ولكن القاضي بمحكمة جنح الخليفة، ربما لم يسمع بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وربما لم يدرس، أو درس ونسي ما درسه في مادة القانون الدولي بكلية الحقوق، وإلا لما أصدر ذلك الحكم، الذي يُعاقب إنساناً على «رأيه».
بعد اجتماعات اللجنة السامية لإحياء ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجنيف، توجهت إلى العاصمة القطرية الدوحة لإلقاء محاضرة عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي وللمشاركة في احتفالات العيد الخامس لإنشاء اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان. وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة، والرد على أسئلة المشاركين في الاحتفالية، والتي نقلتها «قناة الجزيرة مباشرة»، حتى انهالت عليّ الرسائل والتقارير من بلدان عربية، تحكي كل منها شكاوى ووقائع عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان:
من ذلك ما ورد من مواطنين سعوديين يحتجون على احتجاز عدد من نشطاء حقوق الإنسان، معظمهم أساتذة جامعيون، منهم د. محمد فهد القحطاني، ود. عبد الكريم يوسف الأخضر، وأيمن محمد الرشيد، ود. عبد الرحمن حامد االحامد، وعبد المحسن العايش، وعبد الله محمد الزهراني، وآخرون. ورغم مرور ما يقرب من سنة على اعتقالهم، لم توجه إليهم تهم، ولم يقدموا إلى المحاكمة، رغم إلحاحهم وإلحاح ذويهم على ذلك. وقد بدأ خمسون مثقفاً سعودياً إضراباً عن الطعام يوم الخميس 6/11، تضامناً مع المطالب العادلة لزملائهم المعتقلين. وسرعان ما انضم إليهم أكثر من مائة آخرين، وفي اليوم التالي وصل عدد المتضامنين السعوديين المُضربين إلى أكثر من خمسمائة... اعتصموا في بيوتهم، ولكنهم أعلنوا عن هذا التضامن بكل وسائل الإعلام الإلكترونية. وبدورها تجاوبت معهم المنظمات الحقوقية العالمية. وتقود الناشطة الحقوقية إيما بونينو، وكيلة مجلس الشيوخ الإيطالي، وعضو البرلمان الأوروبي حملة التضامن مع النشطاء السعوديين، والذين حرصوا بدورهم على تفادي أي مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة أو الأمن السعودي. ويبدو أن النشطاء السعوديين قد وقفوا هذه الوقفة التضامنية مع زيارة العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، لنيويورك لحضور دورة خاصة عن «التسامح الديني». وكتبت «النيويورك تايمز» (12/11/2008) تنتقد العاهل السعودي والممارسات الوهابية، التي لا تتسامح مع المذاهب والطوائف الأخرى، حتى الإسلامية منها، فضلاً عن عدم تسامحها مع حرية الرأي والتعبير للمدنيين، مثل د. متروك الفالح وزملائه، من دعاة الإصلاح السياسي والاجتماعي في المملكة.
وبعد الدوحة وجنيف توجهت إلى كوبنهاغن، لحضور احتفالية منحي جائزة الدانمارك للحرية، وهي جائزة حديثة نسبياً، تحاول بها الدانمارك، أن تُحاكي شقيقتيها الاسكندنافيتين، السويد والنرويج، اللتين تشتركان معاً في منح جوائز نوبل، منذ ما يقرب من مائة عام. وتُمنح جائزة الدانمارك للحرية لإحدى الشخصيات أو المؤسسات التي عُرف عنها التفاني من أجل الدفاع عن الحريات الأساسية، في مواجهة احتلال أجنبي غاشم أو مُستبد داخلي ظالم. ورغم أن هذه هي الجائزة الحادية والعشرين التي أحصل عليها في حياتي العامة، إلا أنها كانت بالنسبة إليّ الأكثر إثارة للحيرة والتردد. فمنذ ثلاث سنوات انفجرت أزمة بين الدانمارك ومعظم بلداننا العربية والإسلامية بسبب رسوم كاريكاتيرية نشرتها صحيفة «يولاندز بوسطن»، مُسئية للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ورفضت حكومة الدانمارك الاعتذار عنها، بحجة أن الحكومة نفسها لم تُسئ إلى الرسول، وأنها ليست مسؤولة عما تنشره الصحف، وأن على المتضرر أن يذهب إلى القضاء الدانماركي أو الدولي. ولأن الجائزة كانت غير حكومية، ومن جهات أهلية استنكرت هي نفسها ما كانت فعلته صحيفة يولاندز بوسطن، فقد قرّرت في النهاية قبول الجائزة، وانتهزت الفرصة في أربع مناسبات عامة تحدثت فيها من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لأشرح أسباب الغضب في الشارع المسلم، وأهمية الموازنة بين قيمة الحرية التي يُقدسها الدانماركيون والقيم الدينية والروحية التي يعتزّ بها المسلمون.
وأثناء وجودي في الدانمارك تواردت أخبار انتهاكات فادحة وفاضحة لحقوق الإنسان مجدداً في كل من مصر وسوريا، وكان مسرح الانتهاك في مصر هذه المرة هو قرية، ربما لم يسمع بها أحد إلا أهلها وجيرانهم، وهي قرية ميت أبو حريز، مركز كفر صقر بمحافظة الشرقية. فقد اختطفت أجهزة أمن الدولة أحد أبنائها، وهو مُدرس أزهري اسمه رضا عبد الرحمن، لأنه صاحب اجتهادات دينية يُفصح عنها كتابة، ويختلف معه فيها البعض من ذوي الصلة الوثيقة بالأجهزة الأمنية. ورغم أن واقعة الاختطاف أو القبض عليه تمت من بيته، وأمام أهله وأبناء قريته، إلا أن من فعلوا ذلك رفضوا الإفصاح عن مكان احتجازه، أو توجيه أي تهم له، أو إحالته إلى القضاء، رغم عدة بلاغات قدمها محامون بالنيابة عنه. وقد تصدى المركز المصري للدفاع عن الحريات، الشخصية لقضية رضا عبد الرحمن من البداية. ولكن بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع دون جدوى، بدأ المركز في نقل القضية إلى المحافل الدولية. وترددت أصداؤها في الدانمارك، ولندن، وجنيف، وواشنطن. وتضاعفت الاهتمامات الحقوقية بها حينما تعرضت عدة سيدات وبنات من أقرباء رضا عبد الرحمن للضرب والتنكيل على أيدي رجال الأمن، حال توجههن إلى دار القضاء العالي ليطلبن من النائب العام معرفة مصير رضا عبد الرحمن. وهو ما وثقته الصحفية ماجدة سالم وزميلها المصور ياسر عبد الله. وسرت إشاعات عن احتمال وفاة رضا عبد الرحمن تحت التعذيب، وهو ما لم ينفه أو يؤكده أي مسؤول مصري إلى تاريخه، أي أننا بصدد حالة مشابهة لحالتي الصحفي رضا هلال والمُعارض الليبي منصور الكيخيا.
ولا يختلف الوضع كثيراً في سوريا عنه في شقيقتيها مصر والسعودية. فقد لاحقتني في العواصم الأوروبية أيضاً حالة المهندس السوري علي مصطفى الدالاتي بالسجن ستة أشهر بواسطة القاضي العسكري بتهمة «النيل من هيبة الدولة، والانتساب إلى تنظيم محظور، هو «لجنة الحوار الوطني الديمقراطي»، في الزبداني من أرياف دمشق. وهكذا فإن المشترك بين انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان الثلاثة هي قضايا الرأي والضمير. ولأنني الوجه العربي الوحيد في اللجنة الدولية السامية للاحتفال بالذكرى الستينية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنني أتوسل إلى الحكومات العربية أن توقف التعذيب والسجن لأصحاب الرأي، وأن تُفرج عن المحبوس منهم، ولو لعدة شهور، ولو عملاً بالقول المأثور «إذا ابتليتم فاستتروا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.