سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أطفال بدون هوية في أقسام التربية غير النظامية وقصص صادمة في أحياء البؤس بفاس يحتاجون إلى الدعم والرعاية والتنسيق بين السلطات لمحاربة خطر الهدر الاجتماعي
في مدرسة «عوينات الحجاج 2» بالحي الهامشي، الذي يحمل نفس الاسم بمدينة فاس، أطفال بدون هوية. مُدرستهم في التعليم غير النظامي، خديجة حيدر، تعمل كل ما بوسعها لإدماجهم في منظومة التعليم، وإبعادهم عن حياة الانحراف، لكنها ستكون عاجزة عن فعل أي شيء لصالحهم عندما سيعبرون مرحلة التعليم الابتدائي، ويقررون الانتقال إلى السنة الأولى من التعليم الإعدادي، أو السنة السابعة من التعليم الأساسي، وفق التقسيم الجديد لمستويات الدراسة في المغرب. تتوزع أقسام التربية غير النظامية في مدينة فاس على عدد من المدارس ب«المناطق الحساسة»، حسب تعبير المُدرسة خديجة حيدر، وتقصد بها مدارس التعليم الابتدائي، التي توجد في أحياء البؤس المحيطة بوسط العاصمة العلمية، كحي المصلى وبنسودة وصهب الورد... ويحتضن قسم التربية غير النظامية في قلب حي عوينات الحجاج ما يقرب من 23 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 9 سنوات و15 سنة، ويتقاسمون حكايات مؤلمة قذفتهم إلى الحياة، قصص صادمة أبقتهم بدون وثائق هوية، واضطرت إدارة المؤسسة، حسب مديرها، ادريس العراقي، إلى منحهم أرقام تسجيل دون اشتراط وثائق إدارية أخرى لتسهيل عملية إدماجهم. لكن مستقبلا مجهولا ينتظرهم في القريب العاجل، إذا لم تنسق السلطات الإدارية والقضائية والتربوية مجهوداتها للتخفيف من حدة صدمات هؤلاء الأطفال. في القسم يجلس الطفل محمد. يضحك قليلا، ويبتسم، لكنه يخفي آلامه. الفقر يبدو من ملامحه، طفولته صعبة، لكن ما ينتظره ربما أصعب، إذا لم يتدارك الخيرون في هذه المدينة أمره. لا زال يتذكر أمه. صدمته كانت كبيرة، لأنها تركته ولم تعد. الجارة التي احتضنته، وتدعى «فاطمة.ه»، قالت ل«المساء» إنها لا تعرف أي شيء عن جارتها التي تركت هذا الطفل، بعدما جاءت سيارة إسعاف خاصة لنقلها بشكل مستعجل إلى أحد مستشفيات المدينة، بعدما كشفت التحاليل أنها أصيبت بمرض خبيث ربما تكون قد توفيت على إثره بعدما تم نقلها من جديد إلى مستشفى ابن سينا بالرباط. عندما حاول الطفل ذو الخمس سنوات أن يركب مع أمه على متن سيارة الإسعاف، منع من ذلك. وبقي لوحده يواجه المجهول، قبل أن تقدم المسنة فاطمة على احتضانه. يبتسم محمد قليلا وينصرف لكي يواصل اللعب مع أقرانه، أما فاطمة التي احتضنته، فهي لا تعرف أي وجهة تقصد لكي تسوي له وضعيته الإدارية، وتمنحه اسما عائليا، وحتى لكي تجد له فضاء مناسبا يعيش فيه. أما المُدرسة خديجة، فإنها تتخوف من أن يذهب مجهودها سدى، ويغادر الطفل النجيب المدرسة في اتجاه الشارع، بعدما لن يتمكن من تعبئة ملفه التعليمي عند ضابط الحالة المدنية، وهو ينتقل من السنة السادسة من التعليم الأساسي إلى السنة السابعة من التعليم الإعدادي. وكل ما تعرفه فاطمة عن والدته أنها كانت تقطن وحيدة رفقة الطفل في غرفة فقيرة، عندما غادرت في اتجاه المجهول، ولم تترك أي وثائق تثبت هويتها. لم تترك أي شيء، تؤكد فاطمة. والطفل لا يحتاج فقط إلى الرعاية، إنه يحتاج إلى اسم، ووثائق، يقول مصطفى جبور، مدرس وناشط حقوقي بالمدينة. في مدرسة «عوينات الحجاج2» التقت «المساء» ب«نجاة.س»، امرأة أنجبت 9 أبناء من زوج تقول إنه لم يستطع أن يتحمل المسؤولية، ولم تسجل في سجلات الحالة المدنية سوى اثنين من أبنائها. 7 أبناء، منهم 5 أبناء، وأكبرهم يبلغ من العمر 15 سنة، في حين أن أصغرهم لا يتجاوز عمره سنة و5 أشهر، يواجهون المجهول بسبب إدمان الزوج على المخدرات. يبدو أن «نجاة»، التي اختارت أن تقطن في حي عوينات الحجاج الشعبي، فيما زوجها يقطن باب فتوح، لا تزال في مقتبل العمر، لكن الحياة حولتها إلى تجاعيد، وجسد صغير نحيل. والمؤلم في حكايتها أنها تجهل أي شيء عن الإجراءات الإدارية التي يجب أن تتبعها لتسجيل أبنائها السبعة في سجلات الحالة المدنية بعد فوات الأوان، وتضيف بأنها غارقة حتى القدمين في الجلوس في «الموقف»، في انتظار عمل تنظيف أو تصبين في بيوت وشقق الأغنياء، لإعالة هذه الأفواه الجائعة. ولم يحضر اللقاء مع «المساء» والد الطفل «نجيم» بسبب انشغاله بعمله ك«سيرور متجول» في شارع الحسن الثاني الرئيسي بالمدينة. لكن حضرت شقيقته، وحكت بأن ابن أخيها لم يسجل بعد في سجلات الحالة المدنية، بالرغم من أنه يطل على سن السابعة من العمر. ونفس الوضع الإداري يعيشه الطفل محمد، شقيقه من أمه، وهو الذي أنجبته من علاقة غير موثقة. والوضع ذاته، تضيف حنان والتي تشتغل نادلة في المقاهي أصبحت حاليا في عطالة ، يسري على شقيقتهما «سارة» ذات الثلاث سنوات في عمرها. لدينا حالتان أخريان، يقول محمد مندريس، أستاذ في المدرسة. الأمر يتعلق ب»عمر»، طفل في ال14 من العمر، ولد في إطار علاقة غير موثقة، وتخلت عنه والدته، فيما تكفلت سيدة باحتضانه، قبل أن تضعه في حضن سيدة أخرى مسنة تقطن لوحدها في بيت فقير لا يتوفر حتى على ربط بالكهرباء في هذا الحي الشعبي. في الصباح، تقول المدرسة خديجة، يعمل هذا الطفل ك «سودور»، وفي الفترة المسائية يحضر لكي يتابع الدراسة في قسم التربية غير النظامية. أما المسنة التي احتضنته، فإنها تعمل كمتسولة من أجل إعالته. لكنها، وأمام عجزها عن أداء فاتورة ربط المنزل بعداد الكهرباء، التمست من الطفل أن يتعلم حرفة وأن يحصل على قليل من المال لمساعدتها. أما والدته، فقد تزوجت من رجل آخر، وأنجبت منه أربعة أبناء. عندما مرضت المسنة التي تبنته، حاولت أن تربط الاتصال بهذه الأم، تحسبا لأي طارئ، لكن الأم طردت الابن، والمسنة. وتختلف حكاية الطفل محمد، البالغ من العمر حوالي 10 سنوات، عن قصة الطفل عمر. فقد تقبلت أسرة أمه الوضع بعدما أنجبته عن علاقة غير موثقة. واستقبلته في العائلة، واحتضنته، لكنه، مع ذلك، يتقاسم مع هؤلاء الأطفال وضعية أطفال بدون هوية، وبدون وثائق إدارية. والمشكل النفسي من جراء هذا الوضع يمكنه أن يكبر، وينفجر في أي لحظة، والهدر المدرسي الذي تسعى التربية غير النظامية إلى المساهمة في التخفيف منه، يمكنه أن يتنامى في أقرب منعرج.