ظل البطل العالمي والأولمبي السابق سعيد عويطة يثير الجدل، سواء وهو عداء أو وهو مدير تقني أو بعدما أصبح محللا ل«الجزيرة الرياضية». عندما نجح عويطة في الفوز بذهبية ال5000 متر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في التأكيد، في خطاب رسمي له، على أن العالم يعرف المغرب بعويطة أكثر مما يعرفه بملكه. نقش عويطة اسمه في قلوب المغاربة، بل ونال لقب «الأسطورة» وهو يراكم الألقاب ويطيح بالكثير من الأرقام القياسيةالعالمية. في «كرسي الاعتراف»، يحكي عويطة ل«المساء» عن طفولته وعن الكيفية التي أصبح بفضلها عداء لا يشق له غبار، قبل أن يقرر الاعتزال؛ كما يحكي عن الكثير من المعارك التي خاضها فوق المضامير وخارجها، وعن علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني وبوزراء الشباب والرياضة الذين عاصرهم، ويسرد أيضا قصة ارتباطه ب«الجزيرة الرياضية»، والكثير من الخبايا التي يكشفها لأول مرة. - حظيت في الكثير من المرات باستقبال الملك الراحل الحسن الثاني؛ هل تتذكر أول مرة استقبلك فيها؟ بعد مشاركتي في بطولة العالم لألعاب القوى، التي جرت بهلسنكي سنة 1983، وفوزي ببرونزية ال1500 متر، حيث أصبحت أول عداء مغربي وعربي يتوج في بطولة العالم، بما أن دورة هلسنكي كانت أول بطولة عالم ينظمها الاتحاد الدولي لألعاب القوى، حظيت باستقبال من طرف الملك الراحل الحسن الثاني على هامش نهائي كأس العرش لكرة القدم، بين فريقي الرجاء البيضاوي وجمعية الحليب، وقد كان استقبالا أقل ما يقال عنه أنه رائع؛ كما استقبلني بعد فوزي بميداليتين ذهبيتين في دورة الألعاب المتوسطية التي جرت بالدار البيضاء، وأيضا قبل المشاركة في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، حيث تمنى لي حظا سعيدا؛ وأتذكر أنني وعدته، لدى استقباله لي بمدينة فاس رفقة باقي أفراد الوفد المغربي، بأن أحرز ميدالية ذهبية. - وبعد الفوز في دورة لوس أنجلوس، حظيت باستقبال حاشد رفقة نوال المتوكل.. عقب الفوز بذهبية ال5 آلاف متر، في أولمبياد لوس أنجلوس، خصني الملك الراحل الحسن الثاني رفقة نوال المتوكل، التي أحرزت ذهبية في مسافة ال400 متر حواجز، باستقبال ملكي أسطوري، إذ حضر لاستقبالنا بالدار البيضاء ولي العهد آنذاك الأمير سيدي محمد، والأميرة للا مريم، وحشد جماهيري كبير.. لقد كان استقبالا يشبه ذلك الذي خصصته الولاياتالمتحدةالأمريكية لنيل أرمسترونغ بعد عودته من القمر. - هل تذكر ما قاله لك الملك الراحل الحسن الثاني بعد عودتك من أولمبياد لوس أنجلوس؟ لقد هنأني وأشاد بي، ثم سألني عما سأفعله بعد التتويج الأولمبي، فقدمت إليه برنامجي الذي كان دائما على علم به، وأبديت له رغبتي في أن أحطم أرقاما قياسية عالمية ما بين سنتي 1985 و1987، وقد حطمت فعلا الرقمين العالميين في مسافتي 1500 متر و5 آلاف متر سنة 1985، وتلقيت تهانيه التي كنت أتوصل بها بشكل دائم؛ أما سنة 1986 فقد جعلتها سنة للخلود إلى الراحة، دون أن يمنعني ذلك من الفوز بالجائزة الكبرى، بينما ستكون سنة 1987 -كما أخبرت الملك الراحل بذلك، سنة لتحطيم أرقام قياسية عالمية أخرى والفوز ببطولة العالم في روما وبالألعاب المتوسطية في اللاذقية؛ وقد حطمت فعلا الرقم القياسي لمسافة ال5 آلاف متر، إذ نزلت عن حاجز ال13 دقيقة، كما حطمت الرقم القياسي العالمي لمسافة المايل المزدوج. - ما الذي كان يشد انتباهك إلى الملك الراحل؟ كان يعجبني فيه أنه كان على علم بأشياء كثيرة، لم يكن يتحدث إلي تقنيا بشكل دقيق، لكنه كان يعرف الخطوط العريضة التي تلزم العداء ليكون قويا، سواء في ما يتعلق بالتخطيط أو ما يلزمه أثناء التداريب.. لقد كان واعيا بما يجري في ألعاب القوى، سواء في ما يخص التداريب أو فترة الراحة اللازمة للعداء أو برمجة السباقات، بل إنه كان يقول لي أشياء مهمة من قبيل ألا أشارك في سباقات كثيرة، حتى لا يؤثر ذلك على جودة السباقات، وقد كانت ملاحظاته منطقية، وتكشف حجم تتبعه رغم انشغالاته الكثيرة. - هل تتذكر إحدى ملاحظات الحسن الثاني؟ في إحدى المرات كان يتحدث إليّ عن حاجتي إلى التدليك، ثم نصحني بأن أتوجه أثناء تحضيراتي إلى الشاطئ، وأن أبقي رجليّ في ماء البحر، وقد كانت نصيحة جيدة، لأن ماء البحر المالح يقوي الرجل. - كيف كانت تجري لقاءاتك مع الملك الراحل؟ في بعض الأحيان كان يشرفني باستقباله ونكون بمفردنا، وأحيانا كان يكون مرفوقا بأحد المسؤولين، وأحيانا أخرى كانت تلك اللقاءات تأتي في إطار استقبالات عامة. - هل سبق للحسن الثاني أن فاجأك؟ قبل بطولة العالم التي جرت بروما سنة 1987، أصبت في رجلي، وتحديدا في عضلات الفخذ التي تأثرت بفعل الرطوبة العالية، وحين بلغ الملك الراحل أن تلك الإصابة قد تحرمني من المشاركة في بطولة العالم بروما، اتصل بي وقال لي إنه سيضع رهن إشارتي أفضل مدلك في أوربا، وإن الأخير سيرافقني حتى أستعيد عافيتي وأتمكن من المشاركة، وقد حل المدلك بالمغرب وتكفل الحسن الثاني بكل مصاريفه وبقي معي لفترة امتدت نحو 15 يوما أو ثلاثة أسابيع، وتمكنت من المشاركة في بطولة العالم وفزت بذهبية ال5 آلاف متر.. اهتمام ملك البلاد ومعرفته بأدق تفاصيل إصابتي كان، بالنسبة إلي، مفاجأة كبيرة. - هل سبق لك أن حصلت على أية هدية من الحسن الثاني؟ لم يسبق لي أن طلبت الحصول على أية هدايا من الملك الراحل، ولو فعلت لكنت حصلت على ما أريده، لكنني لا أمد يدي، ولم يسبق لي أن طلبت منه أي شيء. لكن في ما يتعلق بمصلحة البلاد، أتذكر أنني اقترحت عليه مشروع مركب رياضي بعين الذياب لتكوين الرياضيين؛ وقد قدمت ذلك الاقتراح عن طريق مقربين منه، ولم أبحث بعد ذلك في الموضوع، ولم أعرف إلى أين وصل، وهل الذين طرحتُه عليهم أبلغوه به أم لا. - لكنك نلت هبة عبارة عن منزل بعين الذياب بعد فوزك بذهبية ال5 آلاف متر في لوس أنجلوس؟ بالنسبة إلى ذلك المنزل الذي كانت مساحته صغيرة، فأنا إلى يومنا هذا لا أعرف الجهة التي سلمتنا إياه، ذلك أن طرفا كان يقول لنا إنه هبة من الحسن الثاني، وطرفا آخر كان يقول إنه مكافأة لنا من وزارة الشباب والرياضة، وجهة ثالثة كانت تقول إنه وضع رهن إشارتنا من طرف صندوق الإيداع والتدبير، علما بأن مكافأة إحراز ميدالية ذهبية في الأولمبياد لم تكن قيمتها آنذاك تتجاوز تسعة ملايين سنتيم، وربما كانت الجهة التي منحتنا المنزل أنا ونوال المتوكل، بقيمة هذا المبلغ، قد فكرت في أن تساهم في بناء مستقبلنا من خلال وضع منزل صغير رهن إشارتنا بدلا من المبلغ المالي، وهو في النهاية كان مكافأة لي عن عمل قمت به، ولم يكن صدقة.