-كيف تلقيت خبر انتخاب حميد شباط على رأس حزب الاستقلال؟ عمليا، هذا هو أول مؤتمر يعقده حزب الاستقلال بعد الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011، وهو الدستور الذي خصّص الكثير من مقتضياته لمسألة دمقرطة آليات اشتغال التنظيمات الحزبية، كما أن مؤتمر حزب الاستقلال انعقد بعد اعتماد قانون تنظيميّ جديد للأحزاب السياسية.. إذا تركنا جانبا هذا المعطى المعياري، فإن الحراك السياسي الذي عاشه المغرب سنة 2011 ودفع المؤسسة الملكية إلى تدشين ورش الاصلاحات السياسية كان يُحتّم على الفاعلين الحزبيين أن يسايروا هذا الحراك.. لذلك فأنا أعتقد أنّ هذا المعطى السياسي، إضافة إلى المعطى المعياري السابق، كانا ينبئان أن مؤتمر حزب الاستقلال سيجري بطريقة مختلفة عما اعتاده الاستقلاليون في السابق. علينا أن نضيف إلى هذين المعيارين أن المؤتمر الذي أتى بحميد شباط أمينا عامّا لحزب الاستقلال كان من الضروريّ أن ينافس حزب العدالة والتنمية في ما يتعلق بتكريس بعض تقاليد الديمقراطية في التدبير، خاصة أن كل الملاحظين كانوا يؤكدون أن الحزب الوحيد الذي كرّس هذه التقاليد الديمقراطية هو حزب العدالة والتنمية.. إضافة إلى هذا وذاك، فإن أعلى السلطات في المغرب كانت تريد أن تبعث رسائل واضحة في ما يتعلق بطبيعة علاقتها مع أقدم حزب في المغرب، بعدما كان يروج أن الأمين العامّ لحزب الاستقلال لا بد أن يحظى بمباركة المؤسسة الملكية. لكن هذه المؤسسة أكدت أنها تسعى إلى احترام خيارات قواعد الأحزاب وإعطاء معنى لورش الاصلاحات الذي انخرط فيه المغرب. - هناك من يعتبرون أن حزب الاستقلال مع الأمين العام الجديد سيتلف هويته الخاصة والمميزة له عن باقي الأحزاب؟ الإشكال الذي كان يطرح في المغرب، دائما، هو ذلك المرتبط بطبيعة العلاقة بين الهوية الإيديولوجية للحزب والدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه. مبدئيا، ينبغي أن تكون الهوية الإديولوجية ثابتة في علم السياسة، في حين أن الدور السياسي يكون متغيرا. فقد يكون الحزب اليوم في المعارضة وغدا في الأغلبية.. عادة ما نتحدث عن حزب الاستقلال بوصفه حزبا محافظا، لكنّ العديد من قيادييه يرفضون هذا التوصيف ويقولون إن الحزب ليس حزبا محافظا بل حزبا إصلاحيا، ودليل ذلك هو تحالفاته التي كانت تبرم مع القوى الإصلاحية، مثل تحالفات الكتلة الديمقراطية لسنة 1992، والتي جمعت حزب الاستقلال مع أحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.. لذلك فحزب الاستقلال يعتبر أنه حزب يطالب بالإصلاح وليس حزبا محافظا. لكنْ، بصرف النظر عن هذه الهوية، والتي يمكن اعتبارها هوية منفتحة من خلال تعامل حزب الاستقلال ببراغماتية مع الحياة السياسية منذ الاستقلال، فإن ما هو أكيد هو أن الحزب ظل يلعب دور الحزب الناظم للتوازنات، الحزب الذي يتحدد دوره في الحفاظ على الاستقرار وخدمة الثوابت الكبرى للدولة، وهذا الدور لعبه حزب الاستقلال، سواء باصطفافه مع أحزاب المعارضة أو بمشاركته في الحكومة. - هل سيقوى حميد شباط على إدارة هذه التوازنات؟ لا ينبغي أن نعتقد أن توجهات الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال يمكن أن تقطع مع كل الخيارات ولا أن تعمل على تعديل البنية السوسيولوجية داخل الحزب، فتأثير العائلات الكبرى سيظل قائما في توجيه خيارات الحزب. -يعني أنه ليس هناك سبب لحدوث انشقاق داخل حزب الاستقلال؟ حدوث انشقاق داخل حزب الاستقلال أمرٌ مستبعَد، رغم وصول شباط إلى منصب الأمين العام.. علينا أن نستحضر المعطيات التي تفسر سلوك شباط، المعطى الأول هو أنه كان يقود التنظيم النقابيّ للحزب «الاتحاد العام للشغالين بالمغرب»، وأكيد أن الزعامة النقابية تحتّم اللجوء إلى خطابات ونضالات تختلف عن تلك التي تقتضيها زعامة حزب سياسي، لذلك فمن المنتظر أن نرى تطورا في خطابات الأمين العام الجديد، مع القطع مع جزء من سلوكاته السابقة كزعيم نقابي.. المعطى الثاني، هو أن الإستراتيجية الانتخابية لحميد شباط دفعته إلى انتهاج ذلك الخطاب، الذي اعتُبر شعبويا في مواجهة منافسه عبد الواحد الفاسي، الذي كان يبدو أنه مدعوم من آل الفاسي.. والمعطى الثالث هو أن شباط يدرك، جيدا، أن من ساهموا في وصوله إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال هم العائلات الكبرى، مثل عائلة حمدي ولد الرشيد وعائلة قيوح.. إضافة إلى أنّ محسوبين على تيار آل الفاسي صوّتوا لصالحه، مثل كريم غلاب وياسمينة بادو، لذلك فإن حزب الاستقلال سيستمر في لعب الدور الذي كان يلعبه في السابق، مع الأخذ بعين الاعتبار المستجدات السياسية الراهنة. - ساندت قيادة الشبيبة الاستقلالية حميد شباط في سباقه نحو الأمانة العامة للحزب. هل يعني أنها كانت مدفوعة برياح «الربيع العربي»، التي جعلت الشباب في طليعة المتدافعين للإطاحة بكل «الأسر الحاكمة» أم إن عوامل أخرى هي التي تحكمت في اختيار الشبيبة الاستقلالية؟ للجواب عن هذا السؤال ينبغي تسليط الضوء على الصراع بين مشروعيتين داخل حزب الاستقلال: مشروعية تاريخية مرتبطة أساسا بعائلة الزعيم المؤسس للحزب، علال الفاسي، حيث كانت كل المسؤوليات داخل الحزب تنطلق من هذه العائلة، أي من أبناء وأصهار علال الفاسي. ولم تكن القواعد المرتبطة عاطفيا بحزب الاستقلال ترى أي عيب في ذلك، فمرجعية علال الفاسي هي مرجعيتهم. لكنْ عندما وجد الحزبُ نفسَه في المعارضة، كان مضطرا إلى صياغة خطاب مناضل لتبرير موقعه إلى جانب القوى الإصلاحية.. وكان هذا الخطاب الجديد موجّهاً للشباب، الذين التحقوا بالحزب وكانوا لا يؤمنون بالمشروعية التاريخية، وهذا لا يعني أنهم كانوا مرتبطين بالمشروعية الديمقراطية، ولكنْ بمشروعية القرب -كما وردت في الرسالة الملكية إلى الأمين العام الجديد- وهذا ما جسّده شباط في علاقته مع الشبيبة، وقد لاحظنا كيف أنه في لحظة من اللحظات رفض أن يصبح أحد أبناء عباس الفاسي على رأس الشبيبة الاستقلالية.. وأسس عبد القادر الكيحل، الكاتب الوطني للشبيبة الاستقلالية، بدوره لمشروعيته على رأس الشبيبة باعتماد سياسة القرب.. وقد كان هناك التقاء موضوعيّ بين توجُّه داخل الشبيبة أراد أن يتحرر من سلطة العائلة والقطع مع رمزيتها، وبين حميد شباط، الذي أراد تحرير الحزب من هذه المشروعية التاريخية.. يجب رغم كل هذا أن نستحضر المؤثرات الخارجية التي التقت مع التحولات التي شهدها الحزب وقطاعاته الموازية، وانتهت بإزاحة سلطة الفاسية. لكنّ سلطة العائلة -العائلات ستظل مؤثرة داخل حزب الاستقلال ولا ينبغي أن نقول إن ما حدث هو انتصار للديمقراطية.. الديمقراطية لها مقوماتها التي ليست هي انتخاب أمين عامّ.. الذي انتصر الآن داخل حزب الاستقلال هو نضال القرب. -كيف ترى تحالفات حزب الاستقلال مستقبلا، خصوصا مع الموت العمليّ للكتلة الديمقراطية؟ يمكن اعتبار حزب الاستقلال أكثرَ الأحزاب براغماتية، لذلك لا يمكن فهم تحالفاته على ضوء معايير ومحددات متعلقة بخياراته الإيديولوجية.. هناك براغماتية في التحالفات يقتضيها دوره كحزب ناظم للتوازنات. مبدئيا، يُفضّل حزب الاستقلال التحالف مع القوى الإصلاحية لدفع تهمة كونه حزبا محافظا.. - كما لا يمنعه من التحالف مع حزب إسلامي، مثل ما هو واقع الآن مع العدالة والتنمية؟ لا يعتبر حزب الاستقلال أن هناك تناقضا بين توجهه الإصلاحيّ ومرجعيته الإسلامية.. أكيد أن الإحالة على هذه المرجعية ليست جديدة على حزب الاستقلال، بل هي مسألة مرتبطة بنشأة الحزب، لكن توظيف هذه المرجعية كان، دائما، مراقَباً متحكّما فيه من طرف قادة الحزب، مما ظل يبعدهم، إلى حد ما، من تصنيفه في خانة الأحزاب الإسلامية. - إذن، يبقى تحالُفُ حزب الاستقلال في إطار تكتل حزبي مع العدالة والتنمية واردا مستقبلا؟ عندما أتحدث عن النزعة البراغماتية الواضحة داخل حزب الاستقلال، فإن القول بالتحالف مع العدالة والتنمية يبقى واردا. الآن، عمليا، هناك تحالف بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية على مستوى الحكومة، ثم إن تمطيط مجال الانتماء الإيديولوجي لحزب الاستقلال يجعله قادرا على التحالف مع العدالة والتنمية أكثر من غيره. - وهو ما لا يمكن وقوعه بالنسبة للاتحاد الاشتراكي الحليف التاريخي لحزب الاستقلال، مثلا؟.. ظل الاتحاديون أوفياء لموقف عدم التعامل مع من يسمونهم القوى الظلامية.. ورغم أن بنكيران عرض على الاتحاد الاشتراكي الدخول إلى حكومته، وكان يراهن كثيرا على الاتحاديين، فإن قادة الحزب رفضوا ذلك.