يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - في تقديرك، تردد المهدي بنبركة على تشيكوسلوفاكيا لنقل مساعدات المعسكر الشرقي (السوفياتي) المالية إلى حركة التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا، في إطار مهمته داخل منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، هو الذي جعل خصومه يتهمونه بالعمالة لتشيكوسلوفاكيا؟ عن طريق المهدي، كانت الأموال تمر من «صندوق الدعم» لمساعدة حركة التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا، وهي مبالغ كانت تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات وليس بال1500 فرنك التي تم الحديث عنها.. كان المهدي هو المسؤول عن إيصال تلك المساعدات إلى المعنيين بها. وعندما كان يزور العاصمة التشيكوسلوفاكية، براغ، كان يلتقي بالمسؤولين الحكوميين والمسؤول عن الحزب ورئيس الدولة، وليس المسؤول عن المخابرات. - قبل واقعة الاختطاف بأشهر، التقى المهدي بالمناضل الأممي تشي غيفارا في الجزائر؛ ما الذي دار بينهما؟ لم نتوفر على صور توثق لهذا اللقاء الذي كان سريا ولا لمضمون النقاش الذي دار بين المهدي وتشي غيفارا، وكل ما علمناه بشأنه أنه كان لقاء تنسيق حول عمل غيفارا في إفريقيا ودور المهدي كمسؤول في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، وتحضير مؤتمر القارات الثلاث. - هل التقيت بأحمد بنبلة الذي كان حينها رئيسا للجزائر؟ نعم، كان لي لقاء مع بنبلة. - ما الذي قاله لك عن المهدي؟ لقد كانت للمهدي علاقات متميزة جدا ببعض رؤساء الدول، أذكر منهم جمال عبد الناصر وفيديل كاسترو وأحمد بنبلة، هذا الأخير كان يعتبر المهدي رفيقا له وكان يعتمده مستشارا له وكان يسميه سفيره الشخصي. ونفس الشيء بالنسبة إلى جمال عبد الناصر الذي كان المهدي يجالسه كلما حل بمصر من أجل استشارته في عدد من الأمور؛ ففي سنة 1963، عندما كانت هناك حملة اعتقالات في المغرب، كان المهدي صلة وصل بين جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري. - من الناحية القانونية، متى سيحدث التقادم الذي يصبح متاحا بمقتضاه رفع السرية عن الوثائق المتعلقة باختطاف واغتيال والدك المهدي بنبركة؟ في فرنسا، لا توجد هناك مدة لذلك. نزع السرية عن الوثائق هو قرار سياسي. - لماذا تم الكشف عن جزء من الوثائق؟ لأنه كان هناك ضغط سياسي من طرفنا كأسرة، كما من طرف الرأي العام والمجتمع المدني الفرنسي. لكن الوثائق التي تم الكشف عنها كانت المعلومات المضمنة فيها، مع الأسف، منتظرة. - كيف.. منتظرة؟ بمعنى أنه لما ذهب قاضي التحقيق سنة 1982 إلى مقر المخابرات الفرنسية، بأمر من رئيس الوزراء الفرنسي بيير موروا، ليتسلم ملف المهدي بنبركة، حدث الخلل الأول، حيث لم تسمح المخابرات الفرنسية للقاضي بالاطلاع سوى على ثلثي الملفات التي سلمته إياها، والتي كان يضعها القاضي في خزانته الحديدية، فيما فرض على الثلث المتبقي من الملفات طابع السرية. ولم يكشف عن ذلك الجزء من الملفات -منذ 1982 - إلا بحلول سنة 2005. وخلال هذه الفترة، تعاقب على فرنسا كل من فرانسوا ميتران وجاك شيراك، حكومات يمينية وأخرى يسارية؛ ومع أن ميتران كان من المنددين بدور نظام الرئيس دوغول خلال الحملة الانتخابية لسنة 1965، فإن وزراءه، الذين كانوا أعضاء في لجنة الكشف عن حقيقة بنبركة، لم يفعلوا ما كان منتظرا منهم؛ وبقدرما كنا متفائلين بمجيء حكومة ميتران، خاب أملنا بعدما استمرت هذه الحكومة في التعامل مع ملف القضية بمنطق «مصلحة الدولة». وقد اكتشفنا بعد الاطلاع على هذه الملفات، التي ظللنا طيلة تلك المدة نعتقد أنها تتضمن حقائق مهمة تهمّ قضية المهدي، أنه لا أهمية لها، وعلى العكس من ذلك فإن استعمال مبرر «مصلحة الدولة» ظل لمدة 20 سنة يخلق عراقيل في وجه الوصول إلى الحقيقة بالرغم من المجهود اليومي الذي كنا نبذله. ومؤخرا، توصل قاضي التحقيق الفرنسي إلى أنه مازالت بحوزة المخابرات الفرنسية ملفات تتعلق بالمهدي بنبركة، وأن ما تسلمه في 1982 لم يكن هو كل ما تتوفر عليه المخابرات، وقام منذ حوالي سنتين بتفتيشٍ لمقر المخابرات وجمع ما تبقى من ملفات، وقد كان بصحبته رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بسر الدفاع، وهي اللجنة التي أحدثها ليونيل جوسبان، في الفترة التي كان فيها رئيسا للوزراء، وهي لجنة استشارية تنظر في طلبات أي قاض يريد رفع السرية عن ملف من الملفات، وتقدم تقريرها إلى الوزير المعني، الذي يفرض السرية على تلك الملفات، وهو الذي يتخذ القرار النهائي في رفع السرية عنها من عدمه. - هل حدث هذا في 2010؟ نعم، في 2010. وقد جمع القاضي الملفات التي كانت موجودة، وكان بصحبته رئيس اللجنة الاستشارية الذي أخذ من الملفات 120 ورقة اعتبرها تهم قضية المهدي بنبركة. وبتاريخ 20 أكتوبر 2010، قررت اللجنة الاستشارية الإفراج عن 119 ورقة، باستثناء ورقة واحدة اعتبرت اللجنة أن جزءا منها يجب أن يبقى تحت غطاء السرية. بالنسبة إلينا، كان هذا أمرا إيجابيا، لكن القرار النهائي ظل بيد وزير الدفاع حينها، هنري موران؛ وقد نشر خبر مفاده أن الوزير، بعد اطلاعه على رأي اللجنة الاستشارية، أصدر قرارا برفع السرية عن الملف؛ وكان نشر الخبر في أواخر أكتوبر 2010؛ وفي أواخر نونبر من نفس السنة استدعانا القاضي للاطلاع على وثائق المخابرات الفرنسية، فكانت صدمتنا كبيرة وغضبنا عارما حين وجدنا أنه من أصل 119 ورقة لم يرفع وزير العدل السرية إلا عن بعض الفقرات، بينما الباقي تم إخفاؤه ب«الكربون» الأسود، وكانت هذه أول مرة يتموقع وزير العدل ضد قرار اللجنة الاستشارية المكلفة بسر الدفاع. وقد بدأنا، منذ عامين، مرحلة جديدة لرفع السرية عن المقاطع التي رفض الوزير رفع السرية عنها وتجدد أملنا مع مجيء حكومة فرانسوا هولاند الجديدة.