حسن بنشليخة اختتم مهرجان سينما المرأة في سلا دورته السادسة تحت الأبصار الكسيرة والاستياء والسخرية من النقاد والصحافيين ومتتبعي الشأن السينمائي في المغرب.. ويتضح، جليا، من خلال تسليم الجوائز ليلة اختتام المهرجان أنها نتيجة ألوان من الضغط المزدوج لدعم مرجعيات المركزية ومكافأة «المقاولين» الذين يسهرون على مصالح الدول الأجنبية، قبل الوطنية، وضمان مصالح «المؤسسة الرسمية» وإرضاء الأصدقاء والأقرباء وعقد الصفقات المربِحة في المستقبل القريب.. كانت أولُ مفاجأة بمثابة قرع لطبل أجوف، حيث نوّهت لجنة التحكيم تنويها خاصا بالفيلم المصري السخيف لمخرجه عمرو موسى، والمعنون «أسماء»، خوفا من انتفاض المصريين الحاضرين ومن تبادل الأعيرة النارية والانتقام بسحب القوت على «المؤلّفة بطونُهم»، الذين يحرصون على المصالح الشخصية والمنافع المادية.. وتفاديا للإعصار الذي قد يعصف بهم خارج مصر والى الأبد.. وفيلم «أسماء» عبث حقيقيّ وفضيحة متكاملة على صعيد السيناريو والأداء والصورة والإنارة.. وليست فيه أي قيمة فنية أو فكرية تستحق القراءة أو الكتابة ولا تصلح الأوراق التي حرر عليها إلا للإلقاء في سلة القاذورات.. لكنْ، على ما يبدو، كان كل شيء مبرمَجا ومدروسا، لأن المهم هو المصالح وتحقيق الربح المادي والشهرة الرخيصة قبل الرفع من قيمة الفن.. ووصلت والمفاجأة الثانية درجة الاستسلام، وتمثلت في مناصفة جائزة التحكيم لكل من فيلمَيْ «فيوليتا» الشيلي و»أندرومان» المغربي، والذي أشدنا به في الماضي، لكنه لا يرقى إلى مستوى «فيوليتا» أو بعض الأفلام الأخرى التي عُرِضت في المسابقة الرسمية، ومنها تحديدا فيلم «أطفال سراييفو»، الحاصل على جائزة أحسن فيلم من قسم «نظرة ما» من مهرجان كان الفرنسي هذه السنة.. ولم تجد لجنة التحكيم أفضل وأكثر الأفلام تردّيا من الفيلم الياباني «هانيزو» لتمنحه الجائزة الكبرى، والذي تخللته العديد من الأخطاء الفنية وضعف الأداء والسيناريو «المترهّل». أما جائزة أحسن سيناريو فكانت من نصيب الفيلم الروسي «بورتريه للشفق»، وهو فيلم بورنوغرافيّ بمادة نتنة تفوح رائحتها العفنة من بعيد ولا يوثق إلا للسعار الجنسي.. وأودعت لجنة التحكيم مبادئها في مستودع الأمانات لتمنح جائزة أحسن دور رجالي لأردأ دور للمراهق السويسري مارتن كومبستن، التي لا يستحقها أحد أكثر من الممثل المغربي محمد خيي عن دوره الرائد والرئيسي في فيلم «أندرومان».. وتبقى الجائزة الوحيدة المستحَقة هي التي حصلت عليها الممثلة الهولندية كاريس فان هوتن، عن أدائها المذهل والمتميز والجريء في فيلم «أنغريد جونكر». والغريب في الأمر أن يصرّ الساهرون على هذا المهرجان على جلب جوقة من المُطبّلين والمُزمّرين في محاولة لإقناعنا ب»دوليته»، في الوقت الذي قاطعه بالكامل ولم يحضر إليه بتاتا مخرج واحد أو ممثل واحد أو حتى الطفل السويسري لتسلم الجوائز.. كل ما وقع أن المهرجان استعطف، في المقابل، ممثلي السفارات الأجنبية في المغرب بحضور حفل الأفلام الحائزة على الجوائز لتسلمها نيابة عن أصحابها للخروج من عنق الزجاجة.. وأكبر فضيحة كانت تلك التي تغيبت فيها ممثلة السفارة الشيلية (يا للإهانة) لتسلم الجائزة التي بقيت ساكنة في مكانها، مثلما بقيت دار لقمان على حالها.. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن المهرجان، الذي يفتخر بالدفاع عن حقوق المرأة ويعتبر نفسَه فرصة نادرة للدفاع عن قضاياها ومساعدتها على تحررها من القيود والأغلال.. هو نفسه الذي طلب من لجنة التحكيم، المكونة من النساء، أن تتنحى جانبا من الساحة والجلوس على الكراسي لمصلحة الرجال، الذين تكفلوا بتسليم الجوائز.. وهذا ما وقع بالفعل، حيث إن الذين سلموا الجوائز كانوا، من أولهم إلى آخرهم، رجالَ سلطة ورجال إدارات ورجالا لا علاقة لهم بالفن.. والآن، هل يحق لنا التساؤل: من يتحمل مسؤولية وصول الأمر إلى هذا الحد السخيف؟..