تحكي ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بنعلي، لأول مرة، روايتها لما يعرف ب«ثورة الياسمين». في هذه الحلقة، تروي الطرابلسي تفاصيل يومها الأخير في تونس. تعود إلى الأحداث التي ميزت 14 يناير 2011. ترفض أن يقال إن زوجها هرب من مواجهة شعبه.كما تنفي الإشاعات التي تحدثت عن تهريبها أطنانا من الذهب من البنك المركزي التونسي وملايين الدولارات، وتكشف الذهول الذي أصاب بنعلي بعد تأكد إبعاده من تونس وتفاديها بمعية أسرتها متابعة القنوات التلفزيونية هربا من سيول الاتهامات والشهادات المزورة والحكايات المغلوطة والتصريحات المشينة التي انهمرت عليهم من كل حدب وصوب. لقد صرنا، في رمشة عين، مسؤولين عن كل ما شهدته تونس من اختلالات واضطرابات بعد بنعلي، وكانت شبهة العلاقة معنا الذريعة المثالية لتهميش وإقصاء أفضل العناصر في البلاد وأكثر مواطنيها مواطنة. في الواقع، كانت تلك خلاصة مسلسل حقيقي نسجت أحداثه بإحكام من أجل إشغال بال التونسيين، وثنيهم عن الاهتمام بالمشاكل الحقيقية التي يتوجب عليهم التصدي لها، والبحث عن حلول ناجعة لها. لم يكن هذا الهوس بعائلتنا في واقع الأمر مصادفة. لقد استعمل كأداة لإسقاط النظام، ولعب دورا في الحيلولة دون اضطلاع الشعب التونسي بما حدث حقيقة. ولا يزال هذا الهوس بعائلتنا يعمي الأبصار عن مستقبل تونس. ولا نشك مطلقا في عزم المجموعة الحاكمة حاليا في تونس على الاستمرار في توظيف هذا الرأسمال، أو هذه البضاعة، من أجل صرف الأعين عن الصعوبات والمشاكل التي ستعترض طريقها مستقبلا. ولبلوغ هذا الغرض، يمكن لهذه المجموعة أن تعتمد على صحافة بعينها دأبت على نشر الاتهامات والإشاعات التي افتراها الصحافي الفرنسي نيكولا بو ضدي منذ الغيبوبة المزعومة للرئيس بنعلي إلى ادعاء محاولتي الانتحار، مرورا بشائعة طلاقنا. كتاب «الوصية على عرش قرطاج» أذكى حمية معارضي بنعلي، ولم يحفل بأي معطى يؤكد أنه كتب حبا في تونس. هل كان ذلك الصحافي، وهو ينزل بغرفة فاخرة في فندق من خمسة نجوم، وسط العاصمة تونس، مجبرا على التأكيد بأني كنت امرأة سيئة السمعة لكي يناضل من أجل حقوق الإنسان في تونس؟ هل كان يظن أنه يقاتل نظاما عبر المس بسمعة السيدة الأولى؟ لا أبالي بالإشاعات عاد جميع أعداء النظام، وعلى الأقل معظمهم، إلى تونس غداة رحيلنا، وكأني بهم كانوا يعلمون ما يدبر من مؤامرة ضد الرئيس ويعرفون جدولتها الزمنية بدقة. فقد التحقوا بداعمهم الأكبر ومحتضنهم، كمال لطايف، حيث عملوا بمعيته على إذكاء الأكاذيب والافتراءات التي تستهدف عائلتنا. لم يجد هذا الرجل أدنى حرج في التصريح للقناة التونسية «نسمة» بأنه لن يتوقف عن «محاربة آل الطرابلسي»، وهو ما يعني، بعبارة أخرى، الاستمرار في تنفيذ خطة شيطنة أسرة وما تلا ذلك من أحداث. انساقت وسائل الإعلام الأجنبية وراء هذا التيار ونشرت الإشاعات. أصبحنا وحوشا. وما عاد أحد يجرؤ على المطالبة بفتح تحقيق جاد في تلك الافتراءات والإشاعات، وكشف حقيقة تلك الأخبار المتضمنة اتهامات دونما قرائن دامغة. ويبدو أن مدبري الانقلاب علموا أن أفضل وسيلة لاستغلال وسائل الإعلام وتوظيفها لصالحهم تكمن في تقديم أسرتي في صورة السبب الرئيس لجميع الشرور التي تعاني منها تونس. وهذا ما حدث فعلا. لكن كيف سيذكر التاريخ هؤلاء الرجال الذين اشتغلوا كخفافيش الظلام وخونة بلا مجد؟ حقيقة، لقد نالوا من نظام بنعلي، لكن الأسوأ هو ما سيفعلونه بتونس والأكثر سوءا الثمن الذي ستؤديه البلاد بعد تسليم زمام أمرها لقادتها الجدد. وسواء مُنحت الحق في الحديث عن الأساليب التي استعملت لإسقاط حكومة بنعلي، وسواء تقبلت أو لم أتقبل «ثورة» قامت على أساس تعذيب أسرة وشيطنة امرأة، فإني سأواصل الإيمان بأن ما وقع لا يشرف البلاد وليس ثورة. أتفهم إحساس التونسيين، اليوم، بالعار حين تصل إلى أسماعهم مقالات صحافي مرتش وغير نزيه تتطرق إلى حياتي الخاصة وقائمة المأكولات التي أتناولها في عشائي وعدد أزواج أحذيتي. أؤمن بأن تونس تستحق تعاملا إعلاميا أكثر إنصافا ويليق بماضيها المجيد. لا أنوي التصدي لجميع الإشاعات التي استهدفتني وأسرتي. لا أريد أيضا أن أظهر نفسي في صورة الضحية، أو أقدم صورة مثالية عني. أعتقد أن أحسن طريقة لكشف الحقيقة ورواية الأحداث، كما وقعت، تنطلق بالأساس، من سرد سيرتي الذاتية من لحظة ولادتي إلى اللحظة التي صرت فيها السيدة الأولى في تونس. أما بخصوص ما قيل عن زوجي وأسرته وممارسته للسلطة وتدبيره شؤون الدولة، فإني أعتقد أنه سيتصدى لها شخصيا، وسيخرج يوما ما للحديث عنها. سينور التونسيون وسيمنحون معطيات عن وجوه النظام السابق، وحقيقة الحكام الجدد الذين يتوفر بنعلي على جميع ملفاتهم. ما ندمت عليه زعموا أني أتدخل في صلاحيات الرئيس وأؤثر على قرارات زوجي، ونسوا أن الجنرال بنعلي، المعروف بقوة شخصيته، لم يكن ليسمح مطلقا لأي شخص بالتطفل على صلاحياته والتدخل في شؤونه، ولو كان هذا الشخص زوجته. كيف لي أن أقرر في شؤون الدولة ولم أكن أستطيع أن أرتدي ما يروق لي من الملابس ولا الخروج متى شئت، فكيف لي أن أقرر في شؤون الدولة؟ كنت زوجة طليقة، وكنت سعيدة بذلك، كما يشهد بذلك المقربون مني. الواقع أني لم أكن مؤهلة لتقديم أي إضافة للحياة السياسية التونسية، ومن العبث أن يزعموا أن لي دورا في بعض المناورات التي عرفتها السياسة التونسية في الثلث الأخير من ولاية بنعلي، خصوصا ما تعلق بإقالة رئيس مدير عام شركة ما أو كاتب دولة أو حتى الضغط على الأساتذة والمدرسين لكي أضمن نجاح بناتي في دراساتهن. في هذه الحال، لماذا لم أتدخل لصالح إحدى بنات أخواتي، ابنة أختي المتوفية منيرة، التي لم تحصل على شهادة الباكلوريا إلا بعد ثلاث محاولات؟ كلما أردت الرد على هذه الافتراءات، يتصدى لي مستشارو زوجي ويقنعوني بلا جدوى الرد على هذه المزاعم. كانوا يرددون: «صمي آذانك عن هذه الأكاذيب ولا تعيريها اهتماما». أكثر من ذلك، فقد تلقيت النصيحة ذاتها من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. والدليل على ذلك أنه لم يتردد في الاتصال بنا حين علم برغبتنا في رفع دعوى قضائية ضد نيكولا بو حين أصدر كتابه: «الوصية على عرش قرطاج». اتصل ساركوزي وقتها ببنعلي وأقنعه بالعدول عن فكرة مقاضاة بو. والغريب أن نيكولا ساركوزي يعتبر أكثر رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة لجوءا إلى القضاء ضد خصومه. زعموا أيضا أني أقوم بما هو أخطر من التأثير على قرارات الرئيس بنعلي والتدخل في شؤون الدولة. إذ اتهموني بالرغبة في التحكم في الميدان السياسي في البلاد، استدلوا على ذلك بكثرة تدخلاتي وظهوري في المناسبات الرسمية. ومن هذا المنطلق، أقر بشرعية طرح السؤال التالي: كيف ينفي من يرأس التدشينات ويلقي الخطب في المناسبات الرسمية سعيه إلى الاضطلاع بدور سياسي؟ يمكنني أن أجيب على هذا السؤال بكل سهولة مؤكدة عدم وجود أي موانع تحرم حرم رئيس الدولة من المشاركة في الحياة العامة لبلادها. أكثر من ذلك، أذكر الجميع بأني لم أظهر قط في أي مناسبة رسمية طيلة السنين الثلاثة عشرة الأولى من تولي زين العابدين بنعلي حكم تونس. أقر بأني فطنت، في وقت لاحق بعد اختراقي جدار الحياة العامة، أن المحافظين بمختلف مشاربهم لن يدخروا جهدا ولن يتوانوا أبدا عن محاربة امرأة حداثية بكل ما أوتوا من قوة. أدركت أيضا أن حملتهم ضد امرأة من الشعب ارتقت إلى قمة هرم السلطة ستكون أكثر شدة، لأن كوني ابنة الشعب يمس عجرفتهم وتكبرهم. أدركت اليوم أني أخطأت حين قبلت إلقاء كلمات وخطب في أنشطة ومناسبات رسمية. كان حريا بي أن أمتنع عن ذلك. أعلم اليوم أنه كان يلزمني أن أطرح تساؤلات عن الأسباب التي تجعل البعض يدفع في اتجاه رفع وتيرة خرجاتي الرسمية في السنة التي سبقت رحيلنا. لا شك أن هذا الدفع كان جزءا من مخططهم للإطاحة ببنعلي من كرسي رئاسة تونس... تزامنا مع ترويج إشاعات مغرضة عن أسرتي، زعم خصوم النظام أن بنعلي لم يعد قادرا على الحكم ولم يعد مؤهلا لقيادة تونس وادعوا إصابته بسرطان البروستات. الواقع أن زوجي لم يصب قط بهذا المرض. صحيح أنه يتناول، على غرار آلاف الأشخاص عبر العالم أدوية لضبط نبض قلبه، لكن لم يعان البتة مما ادعاه خصومه. كان المخطط نفسه يقضي بأن ترسخ مقولة الرئيس مريض لدى عموم الشعب التونسي، وبعدها تأتي مرحلة البحث عن خليفته المحتمل. إذ لكل رئيس خليفة وبنعلي ليس استثناء لهذه القاعدة. علم الخصوم أيضا أن ضربتهم ستكون قاضية إذا استطاعوا أن يؤكدوا أن بنعلي يعد خليفته من بين أقاربه. زعموا أول الأمر أن الخليفة المنتظر لن يكون سوى قريبه كمال مرجان، قبل أن يدعوا أن زوجته هي من سيخلفه. لهذه الأسباب، أعترف، اليوم، بأني نادمة على مشاركاتي في الحياة السياسية، رغم أني لم أفعل ذلك عن اختيار ولا حتى عن إرادة. لكني فخورة بما أنجزته في المجال الجمعوي والقطاع المدني، خصوصا في قضايا المرأة. سيذكر التاريخ يوما ما قمت به لصالح التونسيات، وسيخلد لا محالة ما أنجزته لصالح نساء المنطقة العربية برمتها، ولا سيما عبر العمل الذي تحقق لي من خلال منظمة المرأة العربية. عدونا الدود لم يتوقف كمال لطايف يوما عن محاربتي، ولم يفتر عن حبك المؤامرات تلو المؤامرات من أجل إخراجي من حياة بنعلي. لم يتوقف عن ملاحقتي إلى أن حدث الأسوأ في 14 يناير 2011. تعرفت على لطايف بعيد لقائي بنعلي. قيل لي يومها إنه صديق مقرب من بنعلي، وإنه يكن حبا كبيرا للرئيس ملك عليه قلبه، تماما مثل عاطفة النساء. انتقلنا ذات يوم إلى شقته بحي المنزه بغية مصالحته مع زوجته. فقد تشاجر معها مباشرة بعد عودتها، من شهر العسل، وكان بنعلي يرغب في لعب دور الوساطة بينهما وإعادة الأمور إلى سابق عهدها بين الزوجين المتخاصمين. استغل بنعلي تلك الزيارة ليقدمني إلى صديقه. بقيت في الشقة نصف ساعة ثم تركتهما لوحدهما في حديث ثنائي رأسا لرأس. لا يمكن لأحد أن يعير اهتماما لهذا الرجل الثرثار عديم الثقافة. لكنه نجح في فرض اسمه كالرجل الثاني في عهد نظام 7 نونبر وظل يرافق الرئيس كظله أينما حل وارتحل إلى أن حانت ساعة فراقهما في سنة 1992. ورغم أنه لم يكن يتمتع بالكفاءة الضرورية لممارسة السياسة، فإنه عمل على تكوين شبكة علاقات عنكبوتية في الأوساط النافذة في البلاد، خصوصا في ميداني المالية والسياسة معتمدا في ذلك على علاقاته الوطيدة مع كبار رجال السياسة. توسعت شبكته لتشمل وزراء سابقين تحملوا المسؤولية في عهد نظام بورقيبة، من أمثال الباجي القايد السبسي، ووجوه من المعارضة واستطاع اقتحام السفارات الأجنبية المعتمدة في تونس وأوساط المال والأعمال إلى أن أصبح رجلا قوي الحضور في كواليس صنع القرار السياسي في تونس. كان يحرص على أن يظل بنعلي في حاجة دائمة إلى خدماته. كان يطمح إلى أن يصبح ساعده الأيمن وأمين سره ومستودع ثقته. ولهذا السبب، رأى في علاقتي ببنعلي وزواجنا عرقلة له وحائلا دون تحقيق طموحاته. وبما أنه خشي من أن يؤدي وجودي بجانب بنعلي إلى الحد من صلاحياته ويضيق دائرة تدخلاته، فإنه قرر إخراجي من حياتي بنعلي وطالب جميع أتباعه بعدم ادخار أي جهد يفضي إلى هذا الهدف. أحيانا يراودني إحساس بأن الكراهية الكبيرة التي يكنها لي لطايف ترجع إلى الحب الجارف التي يكنه لبنعلي. وعلى هذا الأساس، تصبح جريمتي أني سلبته الرجل الذي أحبه. لكن، بأي نوع من الحب يتعلق الأمر؟ أهو انتهازي أم مرضي؟ لم أستطع قط تحديد طبيعة هذا الإحساس الجارف، الذي انقلب التعبير عنه إلى رغبة في الانتقام ولو أضر ذلك بمصلحة البلاد كلها. لقد أودى به البغض الشديد الذي أبان عنه تجاه شخصي إلى إخراجه من دائرة المقربين من الرئيس في 1992. في تلك السنة، أقدم على سب الرئيس فأمر الأخير بسجنه بضعة أيام. وعكس ما يردده اليوم، فإني لم أعلم قط ساعتها بنبأ اعتقاله. والغريب أنه أفرج عنه ولم يمسسه أحد بسوء ولم تمتد الأيادي لأسرته. فقد قرر بنعلي، بشهامة، ألا يسلب من إخوته وأخواته الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها ولم يمس أعمالهم بسوء، ولم يكن يتردد في مد يد العون إليهم إذا اقتضت الضرورة ذلك. كما أن شركات لطايف كانت تحظى بأغلبية الصفقات العمومية في مجال البناء في تونس ها. استبد اليأس بكمال لطايف بعد إبعاده عن القصر الرئاسي والدائرة المقربة من الرئيس. وهكذا، حاولت بشتى الطرق إقناع الرئيس بجدوى إعادته إلى القصر. عمل على التقرب مجددا من الرئيس: بعث إليه برسائل ساخنة وقام بخرجات صحافية عديدة للتعبير عن حبه للرئيس وافتخاره بصداقتهما. استمر على هذا المنوال ولو يوقف محاولاته هذه إلا بعد أن استسلم لليأس وأيقن أنه لن يعود البتة إلى القصر الرئاسي ما دام بنعلي يجلس على كرسي الحكم في تونس. وضع حدا لجميع محاولاته الرامية إلى العودة إلى الدائرة الرئاسية قبل نحو سنتين من تاريخ رحيلنا عن تونس. يكفي الإنصات إلى أجهزة «الكاسيت» الت ي عثر عليها بعد 14 يناير 2011، والمبثوثة سرا من قبل مواقع مختلفة على شبكة الانترنت، لسماع لطايف وهو يعبر بثقة زائدة عن علاقته الوطيدة وارتباطه الشديد بالرئيس وعقيلته ويبدي أمله في العودة إلى مكانه السابق ضمن المقربين من الرئيس. وعندما أيقن لطايف أن بنعلي لن يتخلى عني وأنا أم لثلاثة من أولاده، قرر أن يصفينا. وهكذا، استمال جميع الوزراء الغاضبين وحساد الرئيس ومعارضيه، وجعلهم أصدقاءه المقربين. انتقل بعد ذلك إلى ترديد العبارة التالية في جميع لقاءاته وتأكيدها في حله وترحاله: «لقد بلغ السيل الزبى، ما عدنا نطيق صبرا على آل الطرابلسي»، حتى إنه لم يتردد على قول هذا الكلام لأقارب بنعلي، ومن بينهم علي السرياتي، رئيس الحرس الرئاسي، وصهره مروان مبروك. أغدق الأموال على الصحافيين وكان مصدر كل المعلومات والأنباء الرامية إلى إبعادنا عن تونس وأصبح بذلك العنصر الرئيس في المجموعة المتوافقة على الإطاحة بنظام بنعلي. استمر في تدبير المؤامرات تلو المؤامرات ضد بنعلي إلى غاية عشية 14 يناير. وقد اكتشفنا لاحقا أنه كان يستعد لطعن الرئيس من الخلف ويقدم نفسه في صورة الناصح الأمين، إذ كان من وراء اقتراح اسم أحمد فريع لتولي منصب وزير الداخلية في 13 يناير 2011. وغداة رحيلنا عن تونس، قام بخرجات إعلامية قال فيها: «أنا من صنع بنعلي في 7 نونبر، وأنا من أطاح به». وبعد وقت وجيز، شوهد كمال لطايف في الموكب الذي ضم الوجوه السياسية الجديدة في تونس. أكثر من ذلك، فقد أملى على الباجي القايد السبسي، الوزير الأول في الحكومة التونسية المؤقتة التي تولت تدبير شؤون البلاد بعيد رحيلنا، الطريقة التي ينبغي أن يوزع بها المسؤوليات على الموالين له والأسلوب الذي سيعتمد في اعتقال وزراء النظام السابق واستهداف أسرتي.
بنعلي أحسن معاملة بورقيبة للتاريخ، أسجل أن بنعلي كان يكن تقديرا واحتراما تامين لبورقيبة. أعتقد أنه سيظل يحس، طيلة حياته، بتأنيب ضمير، لإقدامه على تنحيته عن السلطة، رغم أن الوضعية كانت تستلزم ذلك. كان يعترف دائما، وأمام الجميع، دونما نقص، بكبر هامة هذا الرجل الذي حرر البلاد وأرسى قواعد تونس المستقلة. بعد أن نحاه عن الحكم، كان يواظب على زيارته بانتظام. لم ينس يوما أن يحمل إليه «ياغورت»، الحامل علامة «صنع بفرنسا»، الذي كان يحبه كثيرا، والأقمصة المصنعة في سويسرا التي لم يكن يطيق لباس سواها من الثياب. اهتدى بنعلي أيضا لطريقة مكن بها الزوجة السابقة لبورقيبة، وإن حصلت على طلاقها من الرئيس السابق لتونس، من الاحتفاظ بجواز سفرها الدبلوماسي. وحتى عندما هب إليه الواشون يخبرونه بشأن الأراضي التي وزعتها السيدة الأولى في تونس سابقا على أسرتها وآل بني عمار وحجم أموالهم المودعة في البنوك السويسرية ودول أخرى نهرهم بنعلي. بلغني أن بنعلي رد عليهم بحزم قائلا: «لقد طويت صفحة النظام السابق. لا يهم سوى ما يحدث في الوقت الراهن وليس ما حدث من قبل. كل من يرتكب جرما في مرحلة ما بعد 7 نونبر سينال جزاءه، لكني لن أنتقم من الذين حكموا قبلي». وعلى هذا الأساس، لم يتعرض أي فرد من عائلة بورقيبة ولا حتى أفراد أسرة طليقته لأي متابعة ولم ينتبهم خوف على حريتهم ولم تسلب منهم ممتلكاتهم سواء في الداخل أو في الخارج ولم تمس شركاتهم الكبرى بأي سوء.