في الوقت الذي تشدد الدراسات الحديثة على أهمية الختان، بوصفه صحيا وله فوائد جمة على صحة الرجل والمرأة عموما، ما تزال بعض الدول تشدد خناقها على الجالية المسلمة عموما والمغربية خصوصا، لمنعهم من ممارسة هذا الطقس الديني، الذي يعتبر ورقة مرور نحو الرجولة و«الدخول إلى الإسلامية»، كما ينعته الكثيرون، الشيء الذي حذا بالعديد من المغاربة، قبيل افتتاح الموسم الدراسي، إلى العودة إلى وطنهم المغرب من أجل إعذار أطفالهم، بعيدا عن أنظار السلطات الأوربية، التي منعت الختان بوصفه شعيرة دينية، بل ووضعته ضمن خانة جرائم الإيذاء الجسدي للأطفال، والتيُ يعاقَب مرتكبوها بالسجن. «المساء» التقت بمجموعة من الأمهات، للوقوف على الدواعي الدينية والاجتماعية وكذا الثقافية التي تقف وراء زيارتهم لوطنهم بعد انصراف رمضان، وحيث تشرف المدارس في أوربا على افتتاح عامها الدراسي، فكان الربورتاج التالي. تختلف أهداف الزيارة بالنسبة إلى المهاجرين المغاربة من مهاجر إلى آخر، فمنهم من يخصصون عطلهم الصيفية للارتباط أو لاقتناء مساكن، وآخرون وذيخصصها لإقامة حفل «العقيقة» أو إعذار أطفالهم، حيث يتعذر عليهم ذلك في بلاد الإقامة، ليضطرروا إلى العودة، ولو مكرهين، نظرا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، التي حرمت بعضهم من السفر وزيارة الوطن، وحتى من مصدر عيشه، والذي ترك لأجل الحصول عليه وطنه وأهله.. ويعود السبب إلى واقعة قضائية غيّرت القانون الألماني، بعدما قام والدان مسلمان أرادا ختان ابنهما، البالغ من العمر أربعة أعوام، بتقديم شكوى ضد الطبيب الذي قام بالختان، إثر تعرض ابنهما لنزيف ثانوي بعد العملية، ما دفع الأم إلى الاستنجاد بقسم المستعجلات لإنقاد طفلها، حيث ذكر الطبيب المعالج أن الأمر لم يكن بموافقة الطفل على العملية، فأبلغ الشرطة، لتتخذ القضية أبعادا عدة، بإثارتها جدلا دينيا وقانونيا، حقوقيا وصحيا، حيث توالت الآراء المؤيدة والمعارضة، والتي لم تعط الأولوية لحرية الوالدين الدينية أو حريتهما في تربية أطفالهما، بل رأت الأولوية في حق الطفل في السلامة الجسدية، على اعتبار أن الختان يُحدث تغييرا دائما غيرَ قابل للإصلاح، بحجة منح الطفل الحرية في اختيار انتمائه الديني وليس فرضه عليه من قِبل أبويه.. الخوف من السجن يوصف الختان، في المفهوم الثقافي المغربي، بكونه المَعبَر الضروريّ للطفل من عالمه، البرىء، إلى عالم الرجولة وما يفرض من واجبات، إلى جانب كونه شهادة انتماء إلى العقيدة الإسلامية، يوقعها الطفل فور إعذاره من لدن «الحجّام» أو الطبيب المختص. ومن ثمة يعد الختان مظهرا سلوكيا اجتماعيا، يتداخل فيه المقدس بالأسطوري، إذ يختلف من مدينة مغربية إلى أخرى. ترجع «سناء» سبب زيارتها المتأخرة للمغرب إلى رغبتها المُلحّة في إعذار طفليها، حيث قالت: «بعد أكثر من عشر سنوات من الغربة والصبر على أيامها الشديدة الكحلة، قررتُ العودة إلى المغرب لأيام معدودة، حيث أستنشق عبق الحرية والانطلاقة، وكأني كنت سجينة، ولست عاملة في المهجر، هذا الأخير الذي أعتبره مكانا لتحصيل لقمة عيش استعصت علي في وطني الأم، حيث كانت البطالة مستشرية، أما اليوم فالأمر سيان ولم يعد يختلف كثيرا عن نظيره في أوروبا، حيث نعاني مرارتها وما ينتج عن ذلك من صعوبة في العيش من جراء الأزمة الاقتصادية التي لم تستثني ويلاتها، فقيرا ولا غنيا». تتوقف للحظة وتعود بذاكرتها إلى الزمن الجميل، والابتسامة تعلو شفتيها وتسترسل في الحديث تذكرا منها لطقوس الاحتفال في مراكش وخاصة ما يتعلق بحفل الإعذار» لقد باغتني الزمن في غفلة من أمري ، حيث الصراع مع لقمة العيش في أوروبا تنسينا كمهاجرين كل التزاماتنا سواء تجاه أسرنا بالمغرب أو أطفالنا، حيث لدي طفلين، توأم في السادسة من عمرهما، ومن الضروري القيام بعملية ختانهما، فقررت العودة إلى المغرب، بالرغم من الإكراهات المادية وما يستلزم ذلك من تكاليف مرتبطة بأجواء طقوسية لابد من العمل بها. وتواصل بشغف حين تذكرها للتقاليد التي لا يستطيع جل المغاربة المهاجرين ممارستها ، خاصة ما تعلق منها بالختان، لتصنيفه من قبل الكثير من الدول الأوروبية ضمن الإيذاء الجسدي الذي يمكن أن يلحقه الآباء بأطفالهم ، ووضعت للحد من ذلك عقوبات زجرية، تزج بكل من خولت له نفسه تخطيها إلى السجن. وتعدد سناء تقاليد مدينتها الحمراء والمرتبطة أساسا بالختان، والمتمثلة في حرص المراكشيين على إعداد لباس المختون والذي يتكون من طربوش وجبادور وفوقية وسروال قندريسي وبلغة إلى جانب تحضير أصناف مختلفة من الحلويات التقليدية «اللا الطام» أو «غريبة البهلة»، وكذا ديك يتم ذبحه يوم الختان وطهيه بطريقة خاصة ومميزة، تمكن الطفل المختون من استرجاع ما ضاع من قواه جراء عملية الإعذار، وقبلها تذهب الأم وطفلها إلى الحمام، استعدادا منهما في اليوم الموالي، للتزين بالحناء في جو احتفالي، لا يخو من متعة الفرجة بترديد أهازيج شعبية وأذكار نبوية، بغية التهوين على الأم والتخفيف من حدة من خوفها على سلامة ابنها، الذي يحرص المراكشيون قبل عملية إعذاره على زيارته لأحد الأضرحة، ممتطيا صهوة جواده المزين بدوره بعناية، رفقة أبيه أو أحد المقربين إليه ومن التقاليد أيضا تضيف سناء التي يحرص عليها المراكشيون، أن تحمل امرأة غير متزوجة الطفل المختون فوق ظهرها، ليكون فال خير عليها وتتزوج. تقاليد وأخرى تنعتها سناء بالممتعة، والتي يصعب على المهاجرين الاستمتاع بها، شأن حفلات الزفاف التي أصبح بإمكان المغاربة إقامتها في بلاد المهجر، لكن الخثان بدون مبرر طبي مازال يدخل في باب الجريمة، التي يوقعها الآباء بأبنائهم وتجب معاقبتهم. وبدورها عادت سعيدة إلى أرض الوطن، بهدف إعذار أطفالها الثلاثة، بعدما جرم الأمر بالديار الألمانية التي ما تزال تشدد الخناق على المهاجرين المسلمين، وتمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، خاصة ما تعلق منها بالختان، بالرغم من صدور حكم، يعتبره الكثير من المهاجرين يهم كولونيا لوحدها، مما يحتم عليهم الحذر، خوفا من السلطات الألمانية، وما يمكن أن تلحقه بهم من عقوبات تشرد أطفالهم، وتجعلهم عرضة للضياع ، لذلك فضلت سعيدة العودة إلى أرض الوطن، أواخر شهر شتنبر من أجل إعذار أطفالها وتوضح وعيا منها بأهمية عملية الخثان بوصفها سنة نبوية، وكذا صحية على إثر تأكيد العديد من الدراسات على أهميتها في الوقاية من الأمراض الجنسية خاصة، لكن كان الأمر مثار جدل ديني وقانوني، جعل ممارسيه أمام إشكال قانوني ، برأ الطبيب من تهمة الخطأ الطبي، وحرم المسلمين خاصة من ممارستهم لحريتهم الدينية، معتبرة حفل الإعذار، مناسبة للقاء الأهل وممارسة التقاليد المغربية، التي تستحضر جزءا منها، وخاصة ما تعلق منها باللباس التقليدي الذي تحرص الأسر المغربية على اقتنائه للمختون، وكذا ركوبه صهوة الفرس والذي يغطى سراجه بقماش أحمر مزركش، و يتبعه الأهل والأقارب وحتى أبناء الحي مشاة على الأرجل إلى المسجد، حيث يقوم بزيارته ونيل البركة من إمامه، والذي تخصه أم المختون بهدايا عينية أو مادية ثم العودة إلى البيت للبدء بعملية الختان. وفي اليوم التالي للختان, تضيف سعيدة» يخرج الطفل إلى الحي يمتطي حصانه، وبجانبه رجل يمسك لجامه، يطاف به أحياء و الشوارع في موكب تتبعه فيه مجموعات شعبية، تدق الموسيقي و إلى جانبهم الأطفال الذين يرددون بعض الأهازيج المغربية احتفالا بالطفل، هذا الأخير الذي يكون في أبهى حلله، حيث يتم تزيينه و تجميله ليتميز عن غيره من الأطفال». أما فاطمة المقيمة بالديار الكندية، والتي لم تتمكن من العودة إلى البلد الأم، إلا بعد مرور تسع سنوات من الغربة، بدورها شدت الرحال إلى سلا من أجل ختان أطفالها الأربعة. وتقول عن طقوس مدينتها، لكونها سلاوية الأصل «تختلف عادات وتقاليد السلاويين عن غيرهم في المدن الأخرى، حيث تفتتح الأيام الاحتفالية، بذهاب الرجال والنساء للاستحمام في أحد حمامات المدينة العتيقة ليلة الحناء، ليليها تحضير أطباق متعددة من الحلوى التقليدية ك«الغريبة» والعصرية، إلى جانب إيقاذ الشموع، وارتداء الطفل لملابس «الطهارة»، أما الأم فتزين يديها ورجليها ويدي طفلها بالحناء ، ثم تضع في رجله اليمنى ما يسمى «الكموسة» والتي تحتوي على حبات من «الحرمل» و«الشبة»، بهدف حمايته من الحسد و «العين»، «حيث تتكفل الأم بشراء لوازم «الطهارة» من حلويات ولباس خاص بالطفل، والذي يتكون عادة من «الفرجية البيضاء» و«التشامير الأبيض» والطربوش والسروال القصير والطربوش الأخضر والجوارب البيضاء و«البلغة» الصفراء و«الجبادور الأخضر». جدل قانوني وديني أدان مجلس التنسيق لمسلمي ألمانيا بشدة قرار محكمة كولونيا، والذي وصفه في بيانه بأنه تعد شديد الخطورة على الحرية الدينية، حيث لا يأخذ بعين الاعتبار، التقاليد الدينية المتبعة عالميا، منذ آلاف السنين لدى الفتيان المسلمين واليهود», بينما تعامل هولم بوتزكه» أستاذ قانون العقوبات في جامعة باساو) مع عملية الختان من الناحية القانونية البحتة، حيث يحتاج الطبيب لاستخدام أداة حادة لسبب مقنع يفيد مثلا إنقاذ حياة المريض أو المحافظة على صحته، ضمانا لرفاهية المريض أو في حالة جراحات التجميل،بهدف الرفع من مكانته الاجتماعية، متسائلا عن الحق الذي يملكه الطبيب في تلبية رغبة الوالدين وإزالة قلفة الطفل؟ أما بالنسبة لحرية المعتقد الديني وحرية التربية الممنوحة للوالدين، فيرى بوتزكه أن حق السلامة الجسدية يضع لهاتين الحريتين قيودا. متسائلا عما إذا كان الرجال غير المختونين أفضل أو أقل من الرجال المختونين؟ وبخصوص الفائدة الطبية للختان فيرى أستاذ القانون الألماني، بأن ما تحدثه من ألم صدمة للطفل جراء العملية ليس ضروريا طبيا، فقط من أجل الانتماء إلى مجموعة معينة، ومتسائلا :لماذا لا يؤجل اليهود والمسلمون ختان الذكور إلى وقت لاحق؟ ولماذا لا يحولونه إلى طقس رمزي، كوخزة بالإبرة مثلا؟ الوقاية من الأمراض الجنسية قالت منظمة الصحة وبرنامج الأممالمتحدة لمكافحة الإيدز، إن إثبات فعالية الختان يشكل محطة بارزة في تاريخ الوقاية من فيروس الإيدز». وأشارت الجهتان إلى أن تأثير ذلك، سيكون أكبر، حيث إن تواتر الإصابة بفيروس الإيدز عبر علاقات جنسية بين رجل وامرأة كبير، بينما يقل عند الرجال الذين خضعوا للختان. إلى جانب العديد من الدراسات الحديثة، حيث أصدرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال خطوطا إرشادية جديدة، تقول إن الفوائد الصحية لختان الأطفال الذكور يفوق مخاطر هذه الجراحة، مشيرة إلى أن الختان يمكن أن يحد من خطر الإصابة بأمراض مجرى البول لدى الأطفال ويحد من خطر الإصابة بسرطان القضيب والأمراض التي تنقل من خلال الاتصال الجنسي، ومن بينها فيروس (إتش آي في) وفيروس الورم الحليمي (إتش بي في) الذي يسبب سرطان عنق الرحم وأنواع أخرى من السرطان إلى جانب فوائد أخرى، من قبيل الوقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب، التهابات المجاري البولية و الوقاية من سرطان القضيب. شغف بالطقوس والعادات المغربية جعل فيه مغاربة المهجر، سبيلا لتجنب العقوبات السجنية التي تفرضها البلدان المضيفة على من خولت له نفسه، ممارسة شعائره الدينية، وخاصة ما تعلق منها بالختان غير المرتبط بدوافع طبية ، وكذا عيد الأضحى، بحجة أن هذا الأخير فيه تعذيب للحيوان وعدم الرفق به، والأول انتهاكا لحقوق الطفل، التي يزعمون حمايتها، بمثل هذه المضايقات، التي يعاني منها المغاربة خصوصا -بوصفهم الجالية الأكثر تواجدا في أوروبا- بعد الأزمة الاقتصادية التي أثرت تداعياتها على المجتمع الأوروبي، الذي صار ينظر للمهاجر بكونه منافسا له على قوت يومه، بعدما كان في الوقت القريب، مساهما رئيسيا في الحركة الاقتصادية للقارة العجوز.
في ألمانيا.. الختان الطبي جائز والديني ممنوع أثار القرار المحكمي الذي أصدرته محكمة كولونيا بتجريم عملية ختان الذكور، جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والدينية والاجتماعية، إذ اعتبرت الختان الديني على أنه اعتداء على سلامة الجسم، فانقسمت الآراء بين مؤيدين لهذا القرار ومعارضين له، و شخصيا أرى أن الحسم في هذا الموضوع يستلزم وضع الأمور في إطارها الصحيح. فكما هو معلوم يقع ختان الذكور لسببين رئيسيين، إما لسبب طبي أو لسبب ديني: الختان الطبي متداول في ألمانيا وأمريكا ... وفي حالات معينة ينصح به الأطباء ولا أحد يعترض عليه؛ أما الختان الديني فقد أصبح في الآونة الأخيرة محط جدال واسع، لكن الختان هو شعيرة من شعائر الدين الإسلامي ومن خصائصه وهو أيضا رمز للإنتماء الديني، ومنع المسلمين أو اليهود من ممارسة هذه الشعيرة، هو في حقيقة الأمر مس بالحرية الدينية وتقييد لها ولهذا السبب تعمل الحكومة الاتحادية الألمانية على إيجاد حل قانوني سريع يضمن لكل من المسلمين واليهود الحق في إجراء عملية الختان الديني، وفقا لمعايير طبية عالية الجودة وهذا في منظوري الخاص حل جيد جدا ويرضي جميع الأطراف. ختيمة بوراس أوستمان أستاذة بجامعتي بوخوس وإسن بألمانيا إعداد - حسناء زوان