يخلد اليوم الوطني للتعاونيات لهذه السنة في ظل اعتبار 2012 السنة الدولية للتعاونيات، كما يتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس مكتب تنمية التعاون. وهذه مناسبة للتعرف على التعاونيات. التعاونية هي جماعة مستقلة من الأشخاص يتَّحدون اختياريا لتلبية احتياجاتهم، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطلعاتهم المشتركة من خلال الملكية الجماعية لمشروع تتوافر فيه الإدارة التشاركية والرقابة الديمقراطية. وعليه، فغاية التعاونية خدمة أعضائها، ولم تؤسس أصلا إلا لذلك. وهذه الغاية لن تحقق إلا بأساليب تحترم شروطا نجمعها في أبعاد ثلاثة متكاملة، وهي البعد التربوي، والعلمي التكويني، والفني: البعد التربوي تستند التعاونيات إلى قيم ومبادئ تعتبر خطوطا مُرشِدة يمكن، عن طريقها، وضع القيم موضع التطبيق، بالتشبع بها واحترامها وتطبيقها. وهذا يحتاج إلى نزهاء وقياديين رواد. تقوم التعاونيات على قيم الاعتماد على النفس، والمسؤولية الفردية والجماعية، والديمقراطية، والمساواة والعدالة والإنصاف والتضامن. وإن إيمان أعضاء التعاونيات بالقيم الأخلاقية، من أمانة وصراحة ومسؤولية اجتماعية، واهتمام بالآخرين، مستمد من الأصول الإنسانية التي قامت عليها التعاونية، وتتمثل هذه القيم في سبعة مبادئ هي: 1 - العضوية الاختيارية المفتوحة: التعاونيات منظمات اختيارية مبنية على التطوع، مفتوحة أمام جميع الأشخاص القادرين على وضع إمكانياتهم في خدمة الجماعة، وتحمل المسؤوليات كأعضاء دون أي ميز؛ 2 - الرقابة الديمقراطية للأعضاء: يراقب التعاونية بطريقة ديمقراطية أعضاؤها، وهم الذين يساهمون بحيوية في وضع السياسات واتخاذ القرارات. وفي الوقت نفسه، هم المسؤولون المنتخبون داخلها، ويتمتعون أمام الجمعية العامة بحقوق متساوية في التصويت بطريقة ديمقراطية؛ 3 - المشاركة الاقتصادية للأعضاء: يساهم الأعضاء، كل حسب استطاعته، في رأس مال التعاونية، ويعتبر جزء منه ملكية مشتركة. ومن الفوائض المحصلة يُخصِّصُ الأعضاء احتياطات، يكون قسم منها غير قابل للتوزيع لتنمية تعاونيتهم، وقسم يجعل كعائد للأعضاء حسب معاملاتهم، وآخر يبقى لتدعيم أنشطة يوافق عليها الأعضاء ويدعمونها؛ 4 - الاستقلالية الذاتية: التعاونيات منظمات تضامنية مستقلة، من سماتها العون الذاتي ورقابة الأعضاء لتسييرها، ويمكنها عقد اتفاقيات مع منظمات أخرى، بما فيها الحكومات والمنظمات المالية. ولا يحق لهذه العلاقات أن تشل استقلالية التعاونيات، كما لا يحق لها أن تعيق الخصوصيات الديمقراطية للأعضاء؛ 5 - التربية والتعليم: تتولى التعاونيات تعليم وتربية أعضائها، والمسؤولين المنتخبين والأطر المسيِّرة، وكذا المستخدمين، لكي يساهموا بفعالية في تنمية تعاونيتهم؛ كما تقوم التعاونية بإحاطة الرأي العام بمزايا التعاون وفوائدِه وأهميته، وخصوصا فئة الشباب وقادة الرأي؛ 6 - التعاون بين التعاونيات: تخدم التعاونيات أعضاءها بأكبر قدر ممكن من الفعالية، دعما للحركة التعاونية، عن طريق نشاط هياكلها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؛ 7 - الاهتمام بشؤون المجتمع: تساهم التعاونيات في التنمية المستدامة لجماعاتها في إطار توجيهات يتفق عليها الأعضاء. ولما تنتهك قيم التعاونية، يغيب الإحساس بالمسؤولية وتتعرض التعاونية للتسيب والفوضى، ويتعذر تسييرها وتدبير شؤون أعضائها. البعد العلمي ترتكز التعاونيات على نظريات ومبادئ وأفكار إدارية خاصة بها، يجب تلقينها ومعرفتها وفهمها. وهذا الدور منوط بالمدارس والمعاهد والجامعات. ومن ثم، فلن أطيل في رصد كل تفاصيل هذه النظريات، بل سأكتفي بتقديم الركائز الأربعة الكبرى التي تعد القلب النابض للجانب التكويني الأساسي للتعاونية، وهو الضابط الذي نميز به المقاولة التعاونية عن غيرها من المقاولات. والركائز الأربع هي كالآتي: 1 - العضو مالك - مستعمِل: وهي صفة ازدواجية لا تجدها إلا في التعاونية التي تعد ملكية جماعية لأعضائها، يستعملون خدماتها ويستفيدون منها، بحيث يعتبر المتعاون داخلها حاملا ومحمولا. وعليه، فإن الفائض يوزع حسب العمليات المتداولة بين العضو وتعاونيته لا حسب المساهمة في رأس المال؛ 2 - المراقبة الديمقراطية: تراعي الجمعية العامة في اتخاذ قراراتها قاعدة «عضو يساوي صوت»، وهي مسطرة تسلكها المقاولة التعاونية دون الأشكال الأخرى للمقاولات، حيث يعتبر الأعضاء سواسية أمام قرارات هذه الهيئة بغض النظر عن مساهمتهم في رأس المال، كيفما كانت طبيعتها؛ 3 - رأس المال: يتميز رأس مال التعاونية بصفات ثلاث: - اسمية الحصة الاجتماعية، ولا يقبل رأس المال أي مضاربات؛ - محدودية الفائدة الناتجة عن رأس المال، لأن التعاونية لا تسعى أساسا إلى تحصيل الربح بطريقة أو أخرى، ولا تضارب في حصصها، بل تهدف نحو التقييم الصحيح والعادل لرأس المال؛ - فتح رأس المال: حيث تُفتحُ المساهمة الطوعية أمام الأعضاء، ويُصبح رأس المال قابلا للتغيير الدائم. 4 - تكوين الأعضاء: تهتم التعاونية بتربية وتكوين أعضائها احتراما لمبدئها الأساسي الخامس، عكس الأشكال الأخرى للمقاولات. وللأسف الشديد، يظل الفكر التعاوني غائبا عن البرامج التعليمية. وهذه الوضعية تجعل التعاونيات تتخبط في الارتجال وسوء التدبير، وتشكل خطرا على مستقبل القطاع. البعد الفني تعتمد التعاونيات على قدرات فردية وجماعية، وعلى تطبيق الأفكار والنظريات والمبادئ الإدارية الخاصة، بطريقة ذكية ولبقة، غايتها التوفيق بين مصالح التعاونية ومصالح الأعضاء. وهذا يحتاج إلى الخبرة والتجربة والممارسة التي لا بد لمجلس الإدارة أو للمدير أن يمتلكها. إذا كان الأساس الذي بنيت عليه التعاونية هو خدمة أعضائها، فطبيعي أن يسهر المتعاونون على إرساء ذلك، إلا أن الإشكالية المطروحة في هذا الصدد هي: ما السبيل إلى التوفيق بين مصالح التعاونية، أي تنميتها، ومصالح الأعضاء، أي خدمتهم؟ للإجابة يجب أن تسلك التعاونية، كوحدة متناسقة، مسارا متوازنا لتطورها، لا إفراط فيه ولا تفريط. وهذا هو عين الفنية التي تتطلبها التعاونية، وإلا ستفشل في تحقيق هدفها الأساس الذي هو خدمة الأعضاء، وآنذاك ستندثر لا محالة. وفي المقابل، إذا انحصر هدف التعاونية في خدمة الأعضاء، فستصبح في مأزق اقتصادي ومالي. ومن هنا يجب حل هذه المعادلة، وذلك من خلال التوازن الواجبة إقامته عبر السعر الداخلي. وتحديد هذا السعر ضروري لإدارة التعاونية، وبالأخص الجانب المالي، أي قدرتها على: - إفراز رأس المال الجاري الذي يسهل العمليات اليومية؛ - تمويل التنمية الذاتية. وهكذا يقوم كل من المجلس الإداري والمديرية العامة للتعاونية خلال كل سنة باقتراح أسلوب على الجمعية العامة، هدفه التوفيق بين مطلبين متناقضين: المطلب الأول، ضمان المردودية وتنمية التعاونية سعيا إلى الحصول على فائض، من خلال: - تحديد سقف للسعر الداخلي، يعادل ما هو متداول في السوق أو أدنى من ذلك؛ - أو رصد الفائض المحتمل وفق برمجة توزيعه على المدى البعيد؛ - أو تخصيص جزء من هذا المردود الاجتماعي 1و الفائض وتوجيهه للاستثمار. إلا أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى عدم تعبئة الأعضاء لاستيعاب المشروع التعاوني. وعليه، فإن جل المتعاونين لن يجدوا استفادة من هذه العملية، وسيلجؤون إلى حلول بديلة لدى السوق، خارج التعاونية. المطلب الثاني، إثراء الامتياز التعاوني للأعضاء عبر: - الاستفادة، عند كل صفقة، من ثمن أحسن مما يوفره السوق؛ - إثراء هذه الفائدة من خلال توزيع جزء من الفائض أو جله على الأعضاء، نهاية كل سنة مالية. وقد يؤدي هذا الإجراء إلى إضعاف الحالة المالية للتعاونية، الشيء الذي يرمي إلى تجفيف وسائل التمويل الذاتي، علما بأن تنمية التعاونية رهين بالفائض المحصل. لا يوجد، إذن، أي اختيار أنجع في هذا الشأن، فكل المعطيات مبنية على البحث عن نوع العلاقة الواجب انتقاؤها بين الأعضاء والتعاونية، وكذا شروط السوق والتنافسية ونوعية المحيط بصفة عامة. في بعض الحالات، يكون من الأرجح إعطاء الأولوية للسياسات الهادفة إلى تعميق علاقة الممارسة بين الأعضاء والتعاونية ليكونوا أوفياء لها، وهذا يقتضي العمل بمبدأ الامتياز التعاوني الأوفر على المدى القصير، وذلك بتحديد أسعار مغرية بالنسبة إلى الأعضاء. في حالات أخرى، قد لا تطرح هذه العلاقة أي إشكال في حد ذاتها، عندما يحس الأعضاء بقوة الانتماء إلى التعاونية، ويمكنهم ذلك من تقدير مستلزمات الاستثمار الواجب القيام به على المديين المتوسط والبعيد، الأمر الذي يدفعهم إلى قبول تقليص نسبي ومرحلي لامتيازاتهم التعاونية، وذلك من أجل تسهيل عملية الاستثمار الذاتي للمقاولة وحتى مواجهة الأزمات. وتبقى التجربة والممارسة الكفاءات الكفيلة بحل هذه المعادلة، ولا شك أن غيابهما يؤثر سلبا على السير الطبيعي لنمو التعاونيات. وخلاصة القول أن التربية وتوطين العلوم واكتساب الخبرات، وكذا مصاحبة المتعاونين، مع توفير بيئة ملائمة، تعد كلها مفتاحا لتنمية القطاع التعاوني في المغرب. مستشار ومكون دولي في تسيير وتنظيم التعاونيات