يأتي، في هذا اليوم الجمعة، جمعة المسلمين وعيدهم، كتابُنا «الأماجد» وحتى من المراكز ومن الأعماق.. المناسبة: انعقاد المؤتمر الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب. هذا المؤتمر الذي ظن الكثيرون أنه لن ينعقد، ولكنْ وبعد لأيٍ وطولِ انتظار، وبعد تقديم رِجل وتأخير أخرى، قرر الكتاب والكتبة، أيضا، الاجتماع في الرباط، حيث سيرابطون هناك من أجل أن يقوّوا حبل الرباط، وفي نفس الوقت، يصلحوا حبل الود الذي كان يربطهم. ثم ما فتأ أن انفرط العقد وتشتت القوم وطار كل واحد في اتجاه، دائخا، لا يعرف للطريق بداية ولا نهاية.. نام الاتحاد نومة البيات الشتوي إلى أن قيل إنه مات. وصار الناس يرددون أن وجوده مثل عدمه. فما عادت الشروط الوطنية ولا الدولية تسمح بالاستمرار. في وقت جعل منه البعض مثل حانوتَ بقال... دار الزمن إلى درجة أنْ لا أحد غدا يذكر اتحادَ الكتاب إلا كماضٍ جميل لا يمكن استعادة أمجاده.. فحتى مجد الأمم يكون مرة واحدة ولا يتكرر. فمال بال حال جمعية؟.. فقد غابت الشروط الذاتية والموضوعية التي صنعت منه «أسدا» ومنارة للنضال والمقاومة. وهذا حال كل ما أصبح سلطة. كل من تسلط ترهّل. وكل ما ترهل ضاقت عروقه وانكمشت مبادراته.. وحين تضيق العروق يتباطأ جريان الدماء وتفسُد.. وهكذا أصبح اتحاد كتاب المغرب مجردَ صومعة بدون رهبان وبلا عبّاد ولا نسّاك: تزاحمت المصالح حتى هرب الإبداع وحضر الابتداع «وتحميم الفم وقول أنا حدّاد».. غاب التحفيز على الخلق والإبداع وتثوير الواقع والأفكار. وتغيرت الشعارات وصار راكب الحمار، كالحمار: لا يفقه في أسفار يحملها شيئا.. حين صارت «المنظمة» جمعية ذات نفع عامّ، هدأ الجو وصحا ولم تعد أي شحنة قادرة على بعث الحياة في الأطراف الميّتة، وصار الجسد يتقلص كأجساد كل الشيوخ. تداخل كل شيء وتدخل واحد في أي شيء. وضاع الجميع في صحراء كثيرة الرمال والعجاج.. وأصبح البحث عن النجاة بُغية وصارت الضلالة ظلا لما لا ظل له. وكبر من ركب وقال: أنا ربّكم الأعلى.. سأكون سفيركم في كل الدنيا وعند كل الملوك والسلاطين.. لا تحزنوا، فستعمّ البرَكاتُ الجميع!.. ضاع من ضاع في الصحراء. ومن بقيت فيه «روح» ركب البحر اللجيّ، كما صار كثيرون يشربون الأنخاب في صحة الاتحاد.. وقليلون حاولوا البناء.. الاتحاد في عنق الوجاجة، يعاني مخاض الولادة ولا ندري «أجملا سيلد أم فأرا» على غرار قولهم: «تمخّض الجبل فولد فأرا»... لقد أذن المؤذن أنْ «حُجوا».. فجاؤوا، «ركبانا وعلى كل ضامر».. من كل فج عميق. فهل أزفت ساعة الحقيقة، التي ستُخرج الاتحاد من عنق الزجاجة، أم إن الأيدي ستتشابك ويطير الزجاج ذاتَ اليمين والشمال مرفوقا بشعار: «ارحل».. الكتابة لا تحتاج إلى من يؤشّر عليها. في القديم لم تكن هناك اتحادات، لكْن كان هناك كتاب وشعراء. وحين كثُرت الاتحادات تكاثر المدّعون وقلّ المبدعون وتقافز الصغار، «ينطّون ويبطّون».. الليلة، الليلة.. الليلة يصبح للكتاب رئيسٌ في زمن سقوط الرؤساء... وتغير الأفكار وشيخوخة النظريات.