عويل، نواح، توسل، بكاء... سيوف، سكاكين، قنينات خمر، هراوات... مصابون يلملمون جراحهم، وآخرون يتحسرون على سرقة أمتعتهم: هواتفهم، حقائبهم اليدوية وحتى ألبستهم الخاصة... هي مشاهد من أحداث نهاية الأسبوع بالجديدة، التي تابعتها «المساء» في ليلتين بيضاوين داميتين، قضتهما متنقلة بين مقر ديمومة الشرطة وقسم مستعجلات المستشفى الإقليمي محمد الخامس وكذا عدد من الأحياء الشعبية في المدينة. ليلة الجمعة / السبت التي انطلقت منذ الساعات الأولى من صباح يوم السبت إلى غاية حدود الساعة الخامسة صباحا، عاينت خلالها «المساء» مشاهد متنوعة من الإصابات وحالات السرقة والاعتداءات بالسكاكين والسيوف والهراوات وقنينات الزجاج المكسرة... اعتداءات بالجملة انطلق مسلسل الليلة مع مشهد اعتقال رجال أمن شابين كانا يحملان بحوزتهما سيفين، في إطار الحملة التي تشنها مصالح الأمن على راكبي الدراجات النارية الذين يتجولون بدون وثائق الدراجات أو بدون الخوذات الواقية أو تحوم حول راكبيها شكوك، حيث تقوم عناصر الأمن بعملية الجس الاعتيادي التي أكد لنا مسؤول أمني أنها لا تخلو من مفاجآت . على بعد أمتار من مقر الديمومة، شاب منحرف بملابس رثة وفي حالة غير طبيعية يشهر سكينا بالقرب من بعض مطاعم الوجبات السريعة المقابلة للمسرح البلدي، يلوح به في كل الاتجاهات ويهدد كل من يقترب منه، حاول شرطي المرور التوسل إليه بطريقة لبقة بعد إخباره غرفة المداومة، في محاولة لإقناعه بترك السكين لكن دون جدوى، تقدم إليه شاب من المارة ذو بنية قوية وانقض عليه ونزع منه السكين بالقوة وأحكم قبضته عليه بالحديقة المقابلة إلى حين حضور دورية الأمن، التي حملته ووضعته رهن الاعتقال الاحتياطي، لكنه رغم ذلك لم يهدأ وظل يصرخ ويبكي ويتوعد رجال الشرطة بالانتقام منهم، داخل مقر الديمومة كان رجل أمن يرقن الشكايات وعلامات التعب والغضب بادية عليه، وكانت أرضية الغرفة التي يشتغل فيها ملطخة بالدماء التي يخلفها المصابون الذين يتم نقلهم إلى المصلحة أو الذين ينتظرون دورهم في تسجيل الشكايات، في مشهد تخاله قاعة مستعجلات وليس مصلحة للشرطة، في نفس الوقت حضر إلى مقر الديمومة شاب أسمر طويل القامة رأسه ملطخ بالدماء، قال إنه سينغالي، وأكد أنه تلقى ضربات بواسطة سكين على رأسه وحاول بعض اللصوص سلبه ما بحوزته، لكنهم عندما لم يعثروا بحوزته على أي شيء وجهوا إليه ضربة بسيف على رأسه ولاذوا بالفرار، كان على وشك البكاء من شدة الهلع الذي أصابه، انتقل إلى مستشفى محمد الخامس لتلقي العلاجات الأولية ثم عاد لتسجيل شكايته ضد مجهول بطبيعة الحال، هممنا بالخروج فصادفنا دورية للأمن تقتاد ثلاثة شبان في مقتبل العمر أحسنوا تزيين شعرهم ب«التشويكة»، عناصر الأمن حجزت بحوزتهم ثلاثة سكاكين وقنينات خمر من النوع الرخيص، في الوقت الذي شرع الشبان في إنكار حيازتهم لتلك السكاكين رغم تأكيد عناصر الأمن للأمر، خارج الباب سيدة في الأربعينات من عمرها يبدو من لكنتها أنها مراكشية جاءت لتسجيل شكاية بعد تعرضها لعملية «كريساج» فقدت على إثرها حقيبتها اليدوية وبداخلها كل ما تملك، لكنها كانت تحمد الله على عدم تلقيها أية ضربة بالسكاكين التي أشهرت في وجهها. الساعة كانت تشير إلى حوالي الثانية ليلا، إحدى الحانات القريبة من مقر الديمومة كانت لا تزال تعج بالشباب الذين كانوا يقتنون قارورات الخمر من بابها الرئيسي؟ عرجنا على درب البركاوي، أحد الأحياء الشعبية الذي يستقطب أعدادا كبيرة من زوار مدينة الجديدة نظرا لقربه من شاطئ البحر، هناك كان مجموعة من الشبان يحملون هراوات ويتجهون إلى أحد الأشخاص الذي دخل معهم في نزاع، في منظر يشبه الحرب الأهلية، من كانوا يتابعون الحادث فروا بجلودهم عندما اختلطت الهراوات بالحجارة المتناثرة بين الشباب، حتى السيارات التي كانت مركونة بجوار منازل أصحابها لم تسلم من بطش الهراوات والحجارة، إذ تم تكسير زجاج بعضها، دون أن يستطيع مالكوها التدخل لصعوبة ذلك، حضرت دورية الأمن إلى الحي بعد إبلاغها بما يقع، «وليلة هادي واشمن ليلة» عبارة تفوه بها رجل الأمن الذي نزل من السيارة لتفقد ما وقع، وهي عبارة ترددت على لسان عدد من رجال الأمن في تلك الليلة على اعتبار أنها لم تكن عادية، عدنا إلى مقر الديمومة حيث البكاء والعويل والتوسلات لا تزال مستمرة، وأغلب من تم إلقاء القبض عليهم مخمورون أو «مقرقبين»، شباب متجمهرون أمام مقر الديمومة يحكون عن حالة «كريساج» طالت أحد الأشخاص الذي تم تجريده من حذائه الرياضي وسرواله وكل ما يملك عن طريق التهديد بالسلاح الأبيض بأحد الأزقة الضيقة بحي شعبي بالمدينة، لحظات بعدها حضر شاب فاعل خير على متن دراجته ليخبر رجال الأمن بوجود شخص وسط سوق «البرانس» تلقى طعنات على مستوى الرأس وملقى على الأرض ينزف دما، بالفعل، انتقلنا إلى المكان حيث وجدنا بعض الشبان يحرقون بركة الدم التي خلفتها الإصابة، لكن سيارة الوقاية المدنية كانت قد نقلته إلى قسم المستعجلات . المستعجلات تستقبل حالات الاعتداءات بالسيوف التحقنا بهذا القسم بالمستشفى الإقليمي بالجديدة، المشهد كان أكثر رعبا، حركة غير عادية، نفس مشاهد العويل والبكاء صادفناها هناك، وجدنا شابا مصابا ملقى على الأرض أمام باب قسم المستعجلات، ودلنا أشخاص آخرون على شاب تلقى طعنة خطيرة في ظهره بواسطة سيف، وعلى الممر المؤدي إلى قاعة العلاج شاب آخر في عقده الثالث ملقى على السرير المتحرك في غيبوبة قال أصدقاؤه إنه تعرض هو أيضا لاعتداء من طرف بعض الأشخاص، تلقى خلاله ضربة على الرأس أدخلته في غيبوبة، طفل آخر جاء لتلقي الإسعافات الأولية رفقة والدته، التي قالت إنه تعرض لعملية «كريساج» لدى عودته إلى البيت، شاب آخر كان يتحسس جيوبه، رغم إصابته بطعنات في رجله، اكتشف أنه فقد حافظة نقوده وهاتفه النقال وأشياء أخرى بعد عملية «كريساج» تعرض لها، وآخر مخمور تلقى ضربة في أنفه وفي أنحاء أخرى من جسده، الممرضة الوحيدة التي كانت تعمل بنشاط وصمت تلك اللحظة كانت تتنقل بين المصابين لتضميد الجروح الغائرة ومخلفات السيوف والسكاكين، فيما كان بعض المنحرفين ينادونها باسمها، ربما لتعودهم على زيارة قسم المستعجلات، أحد الأشخاص علق على المشهد وشبه ما تراه عيناه بأحداث سوريا الدامية، الطبيب المداوم لا يدري مع من يتكلم ومن يفحص ولمن يخط الشواهد الطبية، اختلطت عليه حالات حوادث السير بحالات الاعتداء بالسيوف والسكاكين، الأمهات والآباء الذين تجمهروا لمتابعة حالات أبنائهم كانوا يلعنون القرقوبي والخمر وما يحدثه في شباب المدينة، البعض كان يتحسر على أيام رمضان التي غابت فيها مثل هذه المشاهد، أو قلت على الأقل. الساعة تشير إلى الرابعة من صباح يوم السبت، حضر بعض الشبان الذين تلقوا نبأ إصابة صديقهم بطعنة غادرة في الظهر أصروا على معاينتها، بعدها خرجوا في حالة هيجان واتفقوا على البحث عن الشخص الذي اعتدى على صديقهم والانتقام منه عندها تأكدنا بأن مسلسل الليلة الدامية لايزال مستمرا، وقلنا كان الله في عون رجال الأمن وطاقم قسم المستعجلات ... الاعتداءات مستمرة وإجراءات وقائية موازية عدنا إلى مقر الديمومة حيث كان شابان سنغاليان يقفان بباب المقر أخبرانا بفرنسية/ سنغالية أنهما ينتظران صديقهما لمرافقته بعد تسجيل شكايته، بداخل المقر كان رجل الأمن المكلف برقن المحاضر لايزال يرقن، والعويل لايزال مستمرا لكن ليس لنفس الشخص، فهذه المرة كان عويل شاب مراكشي مخمور ومصاب يبدو أنه دخل في شجار مع شخص آخر أو تعرض لاعتداء، وأمام باب مقر الديمومة يجلس بعض الآباء والأمهات ينتظرون مصير أبنائهم الذين تم اعتقالهم ويطمعون في إطلاق سراحهم لكن أملهم يخيب بعد أن يتم نقلهم إلى القاعة المخصصة للاعتقال الاحتياطي إلى حين عرضهم على أنظار المحكمة، عندما هممنا بمغادرة مقر الديمومة في حدود الساعة الخامسة صباحا، كان أحد رجال الأمن يسأل امرأة عن سبب قدومها إلى المقر فأخبرته بأن ابنها المنحرف يعتدي عليها ويروع حياتها بسبب تعاطيه لحبوب الهلوسة التي يلتهمها كل يوم وجاءت لطلب النجدة. ليلة السبت/الأحد، هي أيضا لم تكن خالية من مثل هذه المشاهد لكن بحدة أقل بعد أن لاحظنا شبه استنفار أمني بالمدينة وبمقر الديمومة، لكن حالات السرقة والاعتداءات كانت لا تزال تتقاطر على مقر الديمومة، التي علمنا أنها استنفرت أكثر من مقاطعة واحدة وجندت تقريبا كل طاقمها الأمني، في محاولة لتطويق الوضع، فيما فرقة شرطة المرور استمرت في حجز الدراجات النارية بصرامة، إذ أكد مسؤول أمني أن أزيد من 200 دراجة نارية تم حجزها فقط منذ الأربعاء إلى غاية نهاية الأسبوع، كما أفاد نفس المصدر بأن عمليات حجز الدراجات النارية تسير بالموازاة مع الإجراءات الوقائية لتضييق الخناق على محترفي عمليات النشل باستعمال الدراجات النارية، لكنها عمليات لا تخلو، حسب رأيه، من خطورة لأن بعض اللصوص يستدرجون بعض عناصر الشرطة إلى بعض الأزقة الضيقة ويشهرون في وجوههم سيوفا بعد الانفراد بهم. في نفس الليلة، تعرض عنصر من فرقة الخيالة لاعتداء من طرف بعض الأشخاص أثناء قيامه بالتحقق من هوية بعض المشتبه بهم، وتقدمت أسرة فتاة عمرها 18 سنة تعرضت لعملية سرقة بواسطة النشل باستعمال دراجة نارية، وهي العملية التي تعرضت على إثرها لكسر في الكتف ترقد بسببه بإحدى المصحات الخاصة بالمدينة . بقسم المستعجلات شاب آخر ينحدر من البيضاء تلقى ضربة خطيرة في الرأس بواسطة سيف، وقال إن السبب هو نزع ساعة يدوية من يده بالقوة بالسوق القديم وسط المدينة، بمقر الديمومة مسؤول عن مخيم لأبناء موظفي وموظفات وزارة الداخلية حضر لتسجيل شكاية حول سرقة 19 هاتفا نقالا من مقر إقامة الأطفال بمركز مهن التربية والتكوين... على الجميع أن يتحمل مسؤوليته اقتنعنا بأن الأمر لم يعد يتعلق بحالات معزولة أو استثناء، بل يمكن الحديث عن ظاهرة بات من الضروري التعامل معها بمقاربة جديدة، فانتشار الجريمة لا يمكن أن يتحمله فقط الجهاز الأمني، حسب ما قاله أحد عناصر الأمن، بل على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، في محاربة مسبباتها، والبحث عن الطرق الأنجع لمعالجتها وتجاوزها أو على الأقل التخفيف منها، بدل الاقتصار على المقاربة الزجرية التي أثبتت، على حد قوله، عدم نجاعتها بدليل الوجوه العديدة من المنحرفين الذين تعودت عليهم السجون وتعودوا عليها، وألفهم رجال الشرطة وباتوا يحفظون أسماءهم، كما تحدثت بعض المصادر عن انتشار مفهوم خاطئ وتأويلات غير بريئة لمفهوم حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة في صفوف البعض، لكن مصدرا من المركز المغربي لحقوق الإنسان أدلى لنا بوثائق تؤكد مراسلة هذا الأخير لكل المسؤولين القضائيين من أجل الضرب بقوة على يد المنحرفين، ومن يروعون أمن وسلامة المواطنين، وهي المراسلات التي نتوفر على نسخ منها، ورغم تخفيف بعض رجال الأمن من مثل هذه الأحداث، إلا أنها تبقى في نظرهم ظاهرة لم يعتد عليها الجديديون في السنوات السابقة، كما تحدثت بعض المصادر عن غضب بعض عناصر الأمن من قلة العنصر البشري الذي باستطاعته ضمان الاشتغال لأوقات مريحة تجعله لا يدخل في حالات الغضب والعياء والسخط على الأوضاع بسبب ضغوطات العمل لساعات مضاعفة وتعدد الحالات التي ترد على مقرات الديمومة خاصة في مثل هذه الفترة من السنة . وطالب بعض المواطنين بضرورة إعادة جهاز شرطة القرب أو «كرواتيا» إلى الاشتغال من جديد وتجهيزه بعناصر مدربة على عمليات التدخل الفوري للحد من انتشار الجريمة ومحاربة مروجي المخدرات والحبوب المهلوسة ومراقبة مواعيد اشتغال الحانات، وتطبيق القوانين المنظمة لها، ليس بالجديدة فقط بل في جميع مدن المغرب.