نشرت جريدة «المساء» الصادرة أيام 6، 7 و8 غشت 2012 رأيا للدكتور مصطفى قلوش تحت عنوان «القرار المتعلق بدائرة «طنجة – أصيلة» فيه خرق وعوار ولا يمكن تفعليه إلا بمرسوم»، والقرار المقصود هو القرار الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 13/06/2012 تحت رقم 12/856 م.إ في الملف عدد 11/1301 القاضي بإلغاء انتخاب السادة عبد اللطيف بروحو ومحمد الدياز وكذا العضو الذي حل محل السيد محمد نجيب بوليف، وقد انتهى الدكتور في رأيه إلى أن المجلس ما كان من حقه أن يلغي الانتخاب، وأنه قد جانب الصواب، من وجهين اثنين، أولهما، لما قرر الإلغاء بعدما تأكد لديه أن المنشور الانتخابي المستعمل خلال الحملة الانتخابية من طرف السادة المذكورين هو عبارة عن صورة تركيبية من اختيارهم، تضمنت صومعة مسجد وبجانبها رمز لائحتهم الانتخابية والصور الشخصية لجميع المترشحين، وذلك من منطلق أن المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 27-11 في فقرتها الأولى هي التي كانت واجبة التطبيق، وليس المادة 118 من القانون 57-11 المتعلق باللوائح الانتخابية وعمليات الاستفتاء ووسائل الاتصال السمعي البصري العمومية، وثانيهما، لما أغفل تحديد الأثر المترتب عن الإلغاء. وحتى أبسط رأيا مخالفا للرأي المذكور، المنشور أيضا على موقع Hespress.com/writers/59958.html، يبدو مناسبا تقسيم الموضوع إلى محورين، يتعلق الأول بالتأكيد على أن القرار «المتعلق بدائرة طنجة – أصيلة - ليس فيه خرق ولا عوار» ويعنون المحور الثاني بأن «القرار ليس في حاجة لمرسوم لتفعيله». فمن حيث المحور الأول، ينبغي عرض النصوص القانونية التي اعتمدها القرار رقم 12/856 م.إ (1) وتلك التي ناقشها الدكتور قلوش (2) ووجهة نظر سيادته في السند الذي اعتمده المجلس الدستوري (3) ثم إبداء الرأي في التوصيف الذي أراه هو الصحيح (4) دون إغفال الرد على المقاربة الزجرية التي توكأ عليها النعي على قرار المجلس (5). (1) أما ما جعله المجلس الدستوري سندا لقراره، فهو الواضح من حيثياته كما يلي : «...وحيث إن الدستور ينص على أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية،والاختيار الديمقراطي، ويعتبر أن الانتخابات الحرة والنزيهة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، ويحظر كل ما من شأنه التأثير على الناخبين في التعبير الحر عن إرادتهم واختياراتهم»؛ «وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، منع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب في المادة 36 منه القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة، وأوجبت المادة 118 من القانون 11-57 المشار إليه أعلاه، ألا تتضمن برامج الفترة الانتخابية والبرامج المعدة للحملة الانتخابية، بأي شكل من الأشكال، مواد من شأنها، على وجه الخصوص، الإخلال بثوابت الأمة كما هي محددة بالدستور، أو المساس بالنظام العام، أو التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، أو استعمال الرموز الوطنية، وكذا الظهور في أماكن العبادة أو أي استعمال كلي أو جزئي لهذه الأماكن؛» «وحيث إنه، لئن كانت الممارسات المحظورة بموجب المادة 118 المذكورة قد وردت في القانون المتعلق باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملة الانتخابية، فإن هذه الممارسات، المنافية للمبادئ والمقاصد المقررة بالدستور،الرامية إلى تحقيق انتخابات حرة ونزيهة باعتبارها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، يسري حظرها على كافة وسائل الاتصال المستعملة في الحملة الانتخابية»؛ «وحيث إنه يبين من فحص المنشور الانتخابي المستعمل من طرف المطعون في انتخابهم خلال الحملة الانتخابية، الذي هو عبارة عن صورة تركيبية من اختيارهم تضمنت صومعة مسجد وبجانبها رمز لائحتهم الانتخابية والصور الشخصية للمرشحين بهذه اللائحة، أنه ينطوي على استعمال جزئي لأماكن العبادة»؛ «وحيث إن هذه الممارسة التي شابت الحملة الانتخابية مخالفة للقانون، فإنه يتعين التصريح بإلغاء انتخاب المطعون في انتخابهم؛»(انتهت الحيثيات). (2) أما النصوص القانونية التي ناقشها الدكتور قلوش فهي المادتان 34 من القانون التنظيمي رقم 8-89 المعدل للقانون التنظيمي رقم 93-29 الخاص بالمجلس الدستوري الناصة على أن «...للمجلس أن يقضي بعدم قبول العرائض أو برفضها دون إجراء تحقيق سابق في شأنها، إذا كانت غير مقبولة، أو كانت لا تتضمن سوى مآخذ يظهر جليا أنه لم يكن لها تأثير في نتائج الانتخاب»، والمادة 35 منه الناصة على أن «للمجلس الدستوري، إذا قضى لفائدة الطاعن، إما أن يلغي الانتخاب المطعون فيه وإما أن يصحح النتائج الحسابية التي أعلنتها لجنة الإحصاء، ويعلن المرشح الفائز بصورة قانونية»، والمادة 36 في فقرتها الأولى، ثم المادة 118 من القانون رقم 57-11 المشار إلى فحواهما أعلاه ضمن الحيثية الثانية من حيثيات القرار. (3) أما بخصوص عرض وجهة نظر الدكتور بشأن السند الذي اعتمده المجلس فتتجلى، بصفة خاصة، في قول سيادته «وقد ساير أعضاء المجلس الدستوري ادعاءات الطاعن وما ساقه من حجج لتدعيم موقفه وتحقيق ما يرنو إليه، وأكدوا أن القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب منع في المادة 36 منه القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة».. «فإذا وضعنا المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 27-11 على طاولة البحث القانوني والتأصيل الدستوري، نجد أن الفقرة الأولى من ذات المادة هي وحدها التي لها علاقة بما نحن بصدده، وهي تنص على أنه «يمنع القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة أو في أماكن أو مؤسسات مخصصة للتعليم أو التكوين المهني أو داخل الإدارات العمومية»، بما يعني أن الحظر في إطار هذه الفقرة وفي نطاق التجريم الذي نحن بصدده...»، «...لأن القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة شيء، وتثبيت صورة لصومعة في منشور انتخابي شيء... «...فالجريمة في إطار هذا البند (المادة 118 ) عناصرها غير مكتملة من حيث ركنها المادي، لأن الظهور وكذا استعمال أماكن العبادة يحتمل أكثر من تفسير وتأويل، كما أنه يصعب اعتبار الصورة التركيبية لظهور صومعة في إطارها، على أنه ينطوي على استعمال جزئي لأماكن العبادة»...»وحتى إذا افترضنا جدلا أن الظهور والاستعمال الكلي أو الجزئي المنصوص عليه في المادة 118 يشكل جريمة في المجال الانتخابي، فإن هذا الافتراض لا يجوز ولا يستقيم أمره لوجود المادة 36 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب»...» «... إن القانون الجنائي بصفة عامة، لا يجوز في نطاقه التوسع في تفسير أحكامه ومقتضياته، لدرجة الخروج على دلالة ألفاظه الواضحة المعنى والمبنى، ثم إن الجريمة المنصوص عليها في المادة 118 هي في واقع الحال غير محددة المعالم لما فيها من إبهام وغموض...»... «وصفوة القول، كان على أعضاء المجلس الدستوري الحكم بصحة الانتخابات وبأحقية الفائزين بمقاعدهم النيابية، لتبقى صومعة دائرة «طنجة – أصيلة» خالية من المثالب والعيوب، لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال للمجلس الدستوري تحت ذريعة التفسير أن يقرر حكما يخالف ما ينص عليه القانون بشكل جلي ومحدد فيما يخص الركن المادي للجريمة». (انتهى كلام الدكتور قلوش). لذلك فقد اعتبر الدكتور قلوش أن المجلس الدستوري قد جانب الصواب لما طبق المادة 118 والحال أنها قد وردت في قانون عادي، وأغفل المادة 36 التي وردت في قانون تنظيمي، وهو الذي كان يجب إعماله متى تعارض مع الأول نظرا لسموه عليه، وخلص من ذلك إلى أن المادة 36 هي التي حددت الفعل المحظور، وهو القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة، وأنه حتى لو كان هناك غموض أو شك فإن الحكم قد خالف ما ينص عليه القانون بشكل جلي ومحدد فيما يخص الركن المادي للجريمة». (انتهى رأي الدكتور قلوش) محام بهيئة الدارالبيضاء