يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - اعترف عبد القادر بلعيرج، حسب ما هو مضمن في محضر الاستماع إليه، بأنك أمرته في أحد اللقاءات التي جمعته بك باقتناء «زودياك» لتوظيفه في نقل الأسلحة انطلاقا من سبتة ومليلية.. (يضحك) آه كم أحلم بأن يكون لي «زودياك» أو قارب بخاري حتى أتمكن من ممارسة هوايتي في صيد السمك والغطس. أنت ابن الشمال وتعرف جيدا الحدود مع سبتة ومليلية؛ فالشمال من العرائش إلى الحدود مع الجزائر محروس ليل نهار من طرف الدرك البحري والجوي والأرضي ومن طرف القوات المساعدة والجيش الملكي والبحرية الملكية، كما هو مراقب من طرف الأجهزة الأمنية والقياد والشيوخ والمقدمين والبحرية الملكية الإسبانية و«الغوارديا سفيل» الإسباني وهلم جرا. هل سبتة ومليلية هما تورا بورا الأفغانية، بحيث يمكن لأي كان أن يدخل مرافئهما ويشحن «زودياكا» بالأسلحة ويدخل به إلى المغرب؟ وهب أنهما تورا بورا حيث الفوضى والسلاح يباع ويشترى بكل سهولة، كيف سأقوم بتحميل ال«زودياك» بالأسلحة وإدخالها بحرا إلى المغرب.. فهل يمكن أن يدخل قارب مطاطي أو يقترب من الشواطئ المغربية دون أن يُرصد؟ جرب أن تذهب لصيد السمك ليلا -وأقول لصيد السمك- في تلك المناطق، فستجد نفسك في لحظة محاصرا بقوى أمنية، وفي أحيان أخرى تسلط عليك قوارب البحرية أو الدرك الملكي أضواءها من داخل البحر. لو كان الأمر جديا لفتح تحقيق لمعرفة من كان سيساعدنا في تجاوز كل الحواجز الأمنية البحرية والأرضية، ومن كان سيفرغ القارب المطاطي، ومن كان سينقل الأسلحة إلى داخل المغرب. المفروض في ال«زودياك» الذي ينقل الأسلحة ويجتاز منطقة من أصعب مناطق الإبحار، لوجود تيارات بحرية كبيرة في مضيق جبل طارق، أن يكون قويا وسريعا جدا، ثم إن ثمن مثل هذه ال«زودياكات» يتراوح بين 200 و500 مليون، وشراء الطريق برا وبحرا وتكلفة النقل كبيرة، بالإضافة إلى ضرورة وجود تواطؤ من طرف القائمين على حراسة هذه المنطقة الحساسة والمنتمين إلى أجهزة أمنية مختلفة. هذا عبث وهراء وضعف في الخيال الأمني. - ما رأيك في تصريحات رضوان الخليدي الذي قال إنك التقيت به في جنازة أب الحسن مقداد وقلت له: نحن على العهد باقون؟ أثبتُّ أمام المحكمة أني لم ألتق برضوان الخليدي في أي جنازة، وهناك شهود كانوا مستعدين للإدلاء بشهاداتهم في الموضوع، منهم الحسن مقداد وآخرون، لسبب بسيط هو أن رضوان الخليدي، الذي كان جار الفقيد، قد أثار غيابه أثناء تشييع الجنازة انتباه الحاضرين وتساءلوا عن السبب، فعرفوا أنه تغيب رفقة أخيه، الذي لم يحضر هو أيضا، لأنهما كانا مشاركين في مباراة للغطس بالداخلة. ولقد قدمت أمام المحكمة شهادة وفاة أب الأخ الحسن مقداد تثبت أن تاريخ الوفاة يختلف عن التاريخ الوارد في محضر الخليدي بشهور، بما يعني أنه تم تغيير تاريخ الوفاة لأن رضوان الخليدي لا يمكن أن يوجد في نفس الآن بمقبرة في الدارالبيضاء ومشاركا في مباراة وطنية بالداخلة اللهم إن كان قد ركب البراق. أختم بالقول إن الخليدي قد اختطف ونقل إلى معتقل تمارة، وما أدراك ما معتقل تمارة، شهرا قبل اعتقالي. وحسب قوله في المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف فقد تم تعذيبه ومازال يحمل على ظهره آثار درع فولاذي استعمل في توصيله بالكهرباء. هذا إذا كان لمقولة «نحن على العهد باقون» أو «ما زلنا على العهد» -لأن الرواية اختلفت في هذا الشأن- بعد إرهابي. تخيل معي كيف أن رجلا لم أره منذ 1993 سألتقي به في سنة 2004 لأقول له «نحن على العهد باقون»، فليكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال في حديث «العهد الذي بيني وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر». أتدري لماذا أصرت الشرطة القضائية والقاضي وممثل النيابة على ذكر هذه القولة ونسبها إلى رضوان الخليدي؟ لكي يقولوا إن هناك استمرارية في العلاقات بين مصطفى المعتصم و«الاختيار الإسلامي».. تصور أن هذا هو دليل الاستمرارية الذي توبعت به. الخليدي أقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يقل هذا الأمر، لأنه ببساطة لم يلتق بي في جنازة لم يحضرها. ولعنة الله على المفترين والكاذبين. - هل جمعك نقاش ببلعيرج في السجن؟ لم يحدث ذلك، لأنه كان في زنزانة بمفرده وكان ينقل إلى المحكمة في سيارة لوحده. - وأثناء المحكمة؟ أولا نحن لم تبدأ محاكمتنا إلا بعد مرور سنة تقريبا، ولم يسمح لنا بالانتقال معه في نفس السيارة إلا بعد 4 أو 5 أشهر من بداية المحاكمة. ثم إننا لم نكن لننفتح على بعضنا لأن علاقتنا قبل الاعتقال كانت منعدمة، لذلك لم نكن نخوض معه في مواضيع ذات بال، كما أننا لم ندخل معه في مشادات، لأنه في هذه الفترة تكونت لدينا القناعة الكلية بأن مسألة اعتقالنا ومحاكمتنا هي مسألة ترتيب سياسي ومؤامرة دبرت بليل. وبالنسبة إلي وإلى الأمين الركالة وإلى حزب «البديل الحضاري» اعتبرناها أيضا انتقاما من تدخل وزارة الأوقاف بتوكيل ملكي لحل مشكلة حزبنا؛ أي بعبارة أخرى، كانت رسالة موجهة إلى الدوائر العليا تقول إن تدخل بعضهم في قضايا الأمنيين كان خطأ كبيرا وكان سيكلف الدولة والنظام السياسي ثمنا غاليا. - هل تعني لقاءك مع وزير الأوقاف؟ نعم. - أي ترتيب سياسي كان يقضي بضرورة اعتقالكم وإلباسكم كل تلك التهم الخطيرة؟ سبق أن تحدث عن أنه في الفترة الممتدة بين 1992 و1996 استهدف الترتيب السياسي إشراك جزء من الحركة الإسلامية في اللعبة السياسية أملته التوازنات السياسية التي كانت في تلك المرحلة، ومن رتب ذلك كان يعرف أننا سنشكل عائقا أمام القبول بالدكتور الخطيب عرابا أو ضامنا للحركة الإسلامية لدى القصر، وكان يعرف أننا لن نسكت على أية محاولة لاستعمال الورقة الإسلامية لإرغام الكتلة على التراجع عن شروطها، خصوصا تلك المتعلقة بعدم مشاركة ادريس البصري في أي حكومة تكون فيها الكتلة. - هذه الرؤية تقوم على إدخال جزء من الإسلاميين إلى اللعبة السياسية من بوابة حزب الدكتور الخطيب «المخزني»، وإظهارهم ك«بعبع» لأحزاب الكتلة من أجل دفعها إلى تقديم تنازلات.. نعم. وقد تم هذا بالفعل. لهذا أقول إننا كنا مستهدفين في تلك المرحلة ونسخة «بلعيرج واحد» كانت جاهزة منذ 1992، لكن تشتت «الاختيار الإسلامي» جعل هذه المؤامرة ضدنا بدون معنى، فطوي الملف وأودع الأدراج.. أقول وضع في الأدراج لاستعماله إذا اقتضى الأمر.