خلصت أشغال قمة مكة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي، التي أسدلت الستار على أشغالها أول أمس الأربعاء، إلى المصادقة على ثلاث مبادرات، تتراوح بين قرار وتوصية وتلويح. هذه المبادرات الثلاث، التي صادق عليها ممثلو 57 من دولة، الذين حضروا القمة، بقدر ما تبدو متفرقة، تحمل بين طياتها وشائج مسارات وعلاقات متشابكة، أولاها قرار تعليق عضوية سوريا داخل منظمة التعاون الإسلامي، بعد إدانة الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان والجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد أبناء شعبه. ثانيها، مقترح إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية للوقوف بوجه الفتنة بين المسلمين. وثالثها، التلويح بمقاطعة اقتصادية لحكومة ميانمار عقابا لها على اضطهاد مسلمي روهنغيا. الوضع في سوريا، الذي استأثر بالنقاش في هذه القمة وأخذ الجزء الأكبر من أشغالها، وانتهى بتعليق عضوية سوريا في المنظمة، لم يكن ليمر دون تعاليق واعتراضات، حيث كان أول ما أثير النقاش حوله هو عدم استدعاء منظمة التعاون الإسلامي للنظام السوري لحضور القمة والدفاع عن وجهة نظره وربما التوصل معه إلى حل يحقن دماء السوريين، وهو ما أشر مسبقا على أن الدول الأعضاء في المنظمة انتهت إلى أن نظام بشار الأسد لم يعد جديرا بالاستماع إليه، وأن القرارات التي يجب أن تتخذها القمة لابد أن تنصب على إيجاد طريقة لتخليص الشعب السوري من حمام الدم والنار الذي ينهجه النظام السوري. وقد كان واضحا من هذه الخطوة أن قرار تعليق عضوية نظام الأسد تم قبل عقد القمة، بل إن المتتبعين كانوا يتطلعون إلى ما هو أكثر من التعليق. قرار التعليق الذي تمت صياغته على الشكل التالي: «على ضوء عدم التوصل إلى نتائج عملية لتنفيذ مبادرة المبعوث الأممي العربي كوفي عنان لحل الأزمة السورية، وكذلك نتيجة تعنت السلطات السورية وتمسكها بحسم الموقف من خلال الحل العسكري، تقرر تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية في منظمة التعاون الإسلامي وكافة الأجهزة المتفرعة والمتخصصة والمنتمية لها». وقد تم تبرير هذا القرار ب»استمرار الانتهاكات الواسعة النطاق والمنهجية لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية من قبل السلطات السورية واستخدام القوة ضد المدنيين والإعدام التعسفي والقتل والاضطهاد». غير أن تضمين البيان الختامي للقمة دعوة إلى النظام ل»الوقف الفوري لكافة أعمال العنف وعدم استخدام العنف ضد المدنيين العزل والكف عن انتهاك حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيها» أظهر بأن القمة لم تذهب في اتجاه اقتراح حلول عملية من قبيل الدعوة إلى تدخل «إسلامي» لقطع دابر النظام، الذي اتهمته ب»استخدام القوة ضد المدنيين والإعدام التعسفي والقتل والاضطهاد»، بل إن القمة سوف تدعو نظام بشار الأسد إلى «الوقف الفوري لكافة أعمال العنف وعدم استخدام العنف ضد المدنيين العزل والكف عن انتهاك حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيها»، وهو ما يعكس، حسب العديد من الملاحظين، بأن الدول الإسلامية ما زالت تأمل في أن يتوقف النظام السوري من تلقاء نفسه عن «تقتيل السوريين»، وهو الأمر الذي التقطته إيران التي حضرت القمة، وانتقدت تغييب سوريا عنها، كما انتقدت قرار تعليق عضويتها ووصفته ب»الجائر». وقد صرح وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، لوكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية: «كان يجب دعوة سوريا إلى القمة كي تدافع عن نفسها»، معتبرا أن «التعاون منطقي أكثر من تعليق العضوية، وعلينا البحث عن آلية لإخراج السوريين من الأزمة وتجرى بموجبها المعارضة والحكومة مفاوضات للخروج من الأزمة». قرار تعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، هو قرار لم يرض الشعب السوري ولا منظماته البديلة، من المجلس الوطني الانتقالي، والجيش السوري الحر وغيرهما؛ لأن هذه المنظمات السورية البديلة تتطلع إلى دعم ميداني مثل فرض حظر جوي على سلاح طيران بشار الأسد. كما أنها كانت تتوقع، حسب ماراج خلال أشغال القمة، أن يتضمن بيانها الختامي بندا يطالب بشرعنة المقاومة السورية، وتعليق عضوية سوريا، ونزع الشرعية عن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والعمل على النأي عن شبح الطائفية. كما أن قرار تعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي لم يرض النظام السوري وحليفه الإيراني، الذي ما زال يأمل في تمديد أجله، سواء بالقتل أو بالحوار! المبادرة الثانية التي خرجت بها قمة منظمة التعاون الإسلامي، كانت عبارة عن إدانة للاعتداءات المتوالية على مسلمي روهنغيا، ميانمار، مع التلويح بمقاطعة اقتصادية لحكومة ميانمار. والمعروف بأن قوات الأمن في اتحاد جمهوريات ميانمار (بورما) قد عملت مؤخرا على قتل واغتصاب السكان المسلمين الميانماريين المعروفين بمسلمي روهنغيا أو نظمت حملة اعتقالات جماعية لهم، حسب ما أكدته المنظمات الحقوقية العالمية. والمعروف بأن حكومة ميانمار، التي تعيش تحت عقوبات دولية، عقابا لها على عدم احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحظى بحماية خاصة من حكومة الصين التي تضمن لجنرالات البلد الذين يوفرون لها بالمقابل الاستفادة من خيرات ميانمار، أن تطلق اليد ضد الأقليات وضد المعارضة التي تطالب بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. والمعروف أن ميانمار تعتبر منتجاً ضخماً للطاقة في جنوب شرق آسيا، لتوفرها على حقول ساحلية شاسعة من الغاز الطبيعي. ثالث المبادرات التي اتخذتها قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي احتضنتها مكةالمكرمة يوم 27 من شهر رمضان، وترأس جلستها الختامية الملك عبد الله (وكل هذه إشارات ورموز لا تخلو من دلالات) كانت عبارة عن اقتراح جاء به الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز يقضي بتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، يكون مقره الرياض. وقال في معرض تقديمه لذلك: «بالتضامن نحفظ للأمة الإسلامية تاريخها وعزتها»، متوجها إلى المشاركين بالقول: «أستحلفكم الله أن تكونوا على قدر المسؤولية، وأن تكونوا جديرين بحملها». الملك السعودي، الذي استقبل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لأول مرة بعد مدة طويلة، سوف يقول في افتتاح القمة:»إن الأمة الإسلامية تعيش عصر الفتن والتفرق ولا يمكن مواجهة ذلك إلا بالتضامن والتلاحم». هذه المبادرة تبدو طيبة، خصوصا لمن لا يعرف جذور وتفرعات الصراع المذهبي الإسلامي، سيما في جزئه الأكثر تراجيدية، أي السني الشيعي. إذ أن دعم إيران وجزء كبير من لبنان والعراق وغالبية شيعة العالم لنظام بشار الأسد، بالرغم من دمويته، هو تجل لهذه الفتن والتفرقة، كما سماها الملك السعودي، والتي لا يمكن أن يتم القضاء عليها بإعلان النوايا أو بتلقي الوعود المطمئنة بعدم تشييع السنة أو تسنين الشيعة، ولكن بالبحث في القضايا الإستراتيجية العميقة المتعلقة بالنفط والحدود وإعادة ترتيب الاصطفافات والتحالفات على أساس قومي- إسلامي يحكمه منطق المصلحة، ثم احترام الأقليات الشيعية في البلدان السنية، والسنية في البلدان الشيعية، وفي إيران بالتحديد، وهو أمر لن يتأتى إلى بدمقرطة هذه الدول. القمة عملت، كعادة القمم العربية والإسلامية، على الوقوف على أم القضايا العربية والإسلامية. إذ دعا بيانها إلى «بذل الجهود لاستعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها الإسلامي والتاريخي وتوفير الموارد الضرورية للحفاظ على المسجد الأقصى وباقي الأماكن المقدسة وحمايتها». كما جدد «إدانته لإسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال لانتهاكاتها المتواصلة». وأكد البيان أن استكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، يعتبر مطلبا حيويا للأمة الإسلامية قاطبة. الرابط بين مقترحات قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي لا ترقى إلى قرارات، إذا ما استثنينا قرار تعليق عضوية سوريا بالمنظمة، هو أنها كلها تعترضها قرارات دولية أكبر منها تعيق تنفيذها قبل خروجها، وتجعل منها مجرد إعلان نوايا وشكلا من أشكال الشجب والاستنكار ومقترحات لا يمكن أن تخلق لها ذراعا تنفيذية، وحتى إذا ما وجدت هذه الذراع، مثل مقترح الملك السعودي بتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، فإن هذه الذراع/ المركز سوف يجد من يقوم بليه عند أول منعطف ويركعه للقرارات الدولية التي تقف الدول العربية والإسلامية أمامها موقف العاجز/ التابع. نتائج قمة منظمة التعاون الإسلامي هي نتائج قمة كباقي القمم الإسلامية العربية، صادرة عن حكومات أغلبها لا تمثل شعوبها كما لا تملك قراراتها، التي تبقى مرتهنة بمصالح وترتيبات الدول الشرقية العظمى: روسيا والصين، كما هو الأمر مع سوريا وإيران وميانمار... أو الغربية كما هو واقع لمحور الحمائم العربي الإسلامي، الذي تقوده السعودية، مع أمريكا وأوروبا. وبالتالي فليس بإمكان هذه الأنظمة ترجمة مطامح الشعوب في التحرر والسلم والتنمية والحرية. إلا أن كل هذا الظلام لا يمكن أن يحجب كوة الضوء التي انفتحت مع ربيع الثورات والانتفاضات العربية، التي أعادت الشعوب، في أكثر من بلد، إلى كرسي الحكم. كما أن القرار المحتشم الذي اتخذته قمة منظمة التعاون الإسلامي لفائدة الشعب السوري، رغم ما يمكن أن يقال عن اصطفافات الدول التي اتخذته، يبقى قرارا غير مسبوق من حيث انتصاره للشعوب وإدانته للحكام، ولعل «عدوى» الثورات العربية وكوة الاحتجاج الذي فتحت في وجه الشعوب الإسلامية العربية، تسمح أكثر بالتخلص من حكام متصلبين في وجه إرادات الشعوب، ومسافة المائة ميل تبتدئ بخطوة واحدة.