يمكن التعاطي مع الرهانات التي حكمت أشغال المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، المنعقد في شهر يوليوز الماضي، من زاويتين: الأولى تتعلق بكون المؤتمر يبحث عن تحصين ما يسميه قادة حزب العدالة والتنمية ب«المكتسبات» التي تحققت، سواء على مستوى تصدر المشهد الانتخابي كما رتبته نتائج اقتراع 25 نونبر 2011 أو في ما يتعلق بالاستمرار في قيادة الحكومة، بشكل يجعل الحزب على الأقل منسجما مع ما كان يعد به خلال الحملة الانتخابية؛ أما الزاوية الثانية فهي مرتبطة بتحديد المواقف تجاه بعض الإشكالات التي فرضت نفسها على الحزب من خلال موقعه الجديد، سواء كانت هاته الإشكالات ذات طبيعة سياسية كتحديد موقف الحزب من الحكومة، خاصة وأن البعض يرى ضرورة مساندة الحزب للحكومة على اعتبار أن الأخيرة تستمد مشروعيتها من نتائج اقتراع 25 نونبر، وبالتالي فإن أي فشل للحكومة هو فشل للحزب، فيما يرى بعض آخر ضرورة وضع مسافة بين الحزب والحكومة، باعتبار هذه الأخيرة ائتلافا حكوميا وليست حكومة حزب العدالة والتنمية وحده، أو كانت تلك الإشكالات ذات طبيعة تنظيمية مرتبطة بضرورة ملء الفراغ الذي خلفه تعيين عدد من أطر الحزب، خاصة داخل الأمانة العامة، في عدد من المناصب الحكومية، وبالتالي وللحفاظ على السير العادي للحزب كان من الضروري التفكير في إيجاد هياكل جديدة للحفاظ على هذا السير العادي. وفي هذا الإطار، تم إحداث الإدارة العامة ومنصب المدير العام للحزب، مع التذكير بأن المؤتمر كان عليه أن يلائم قانونه الأساسي مع مقتضيات القانون التنظيمي الجديد للأحزاب السياسية الذي اعتمد سنة 2011. بشكل عام، يمكن القول إن المؤتمر حاول أن يوفق بين الاستمرار في ضمان فعالية أداء الهياكل الحزبية وبين توفير شروط نجاح التجربة الحكومية الجديدة. هناك قراءتان لمستقبل حزب العدالة والتنمية على ضوء ما شهده مؤتمره السابع، تركز القراءة الأولى على كون الحزب قد خرج أكثر قوة بالمقارنة مع ما كان عليه من قبل، واستطاع أن يتكيف مع وضعه الجديد بتبنيه أطروحة جديدة تشدد على البناء الديمقراطي بعدما كانت أطروحة مؤتمره السادس تتلخص في النضال الديمقراطي؛ أما القراءة الثانية فتذهب إلى أن المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية قد يكون بداية العد العكسي لبروز الخلافات داخل الحزب، بشكل قد يساهم في إضعافه، خاصة وأن الأمين العام الذي تم تجديد ولايته حاول ما أمكن أن يبعد كل العناصر التي توصف بكونها مزعجة، خاصة داخل الأمانة العامة، الشيء الذي قد يفتح الباب أمام خلافات داخل الحزب. وبصرف النظر عن هاتين القراءتين، فإن المتتبع يطرح بعض التساؤلات حول طبيعة ما خلفه المؤتمر من ردود فعل حول مسألتين أساسيتين: تتجسد الأولى في استضافة «عوفير برنشتاين» الذي كان مستشارا لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق ربين؛ فحضور «عوفير برنشتاين» في المؤتمر السابع للحزب ليس خطأ في التقدير، خاصة -وبحسب الرواية الرسمية للحزب- أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية كان يعرف جيدا من هو «عوفير برنشتاين» وتحفظ على استدعائه، لكنه كان ملزما بتقديم لائحة الضيوف إلى الأمانة العامة التي صادقت عليها، وأصرت على حضور «برنشتاين»، رغم أن الكل كان يعلم بأنه صهيوني. هناك من يرى أن بعض خلفيات هذه الاستضافة ستتكشف في المستقبل لتلقي بالمزيد من الضوء على الموضوع، لأنه لم يكن عبثا أن يتزامن حضور هذا الشخص، الذي يعتبر مساندا للفلسطينيين والذي منحته السلطة الفلسطينية جواز سفر فلسطينيا، مع حضور خالد مشعل الذي كان على علم بحضور هذا الناشط الإسرائيلي.. ربما هناك من يرى أن حزب العدالة والتنمية يريد أن يلعب دورا في المستقبل للتقريب بين حماس وبعض الإسرائيليين المساندين للقضية الفلسطينية؛ كما أن هذه الاستضافة قد تكون رسالة موجهة إلى أعلى سلطة في البلاد، على أساس أن الحزب ليس له موقف من التطبيع بشكل مطلق بقدر ما له تحفظات على بعض الممارسات الصهيونية. وكما يقول الفقهاء، فأعمال العقلاء تصان عن العبث.. ف«برنشتاين» الذي استدعي خلال السنة الماضية من طرف «أماديوس»، وقام وزير العدل الحالي برفع دعوى قضائية ضد هذا المعهد بمبرر استضافته، والذي كان حاضرا أيضا في المؤتمر الأخير للتجمع الوطني للأحرار، هو نفس الشخص الذي دعاه حزب العدالة والتنمية إلى حضور مؤتمره السابع وصافحه الأمين العام لهذا الحزب. عندما يكون حزب سياسي في المعارضة، فمن السهل أن يقوي رأسماله الرمزي باتخاذ مواقف مناهضة لإسرائيل وغير إسرائيل. وحزب العدالة والتنمية يدرك، قبل غيره، طبيعة العلاقة القائمة بين المغرب وإسرائيل. وعلينا أن نكون واقعيين في هذا الإطار، فالمغرب كانت له علاقات بإسرائيل من خلال وجود مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط الذي قرر الملك محمد السادس إغلاقه احتجاجا على ما يتعرض له الفلسطينيون، ولكن هذا لا يعني أن صلات المغرب بإسرائيل غير موجودة، فعدد كبير من الإسرائيليين هم أصلا يهود مغاربة يأتون إلى المغرب ولا يمكن منعهم من القدوم إلى بلدهم، وحزب العدالة والتنمية يعلم بأن المغرب يشارك في العديد من المنظمات الدولية والإقليمية التي تحظى إسرائيل بالعضوية داخلها. إن الإشكال الحقيقي المطروح، وهذا ما يبدو ربما غير مستساغ من طرف بعض الملاحظين ويدفع البعض إلى اتهام حزب العدالة والتنمية بازدواجية الخطاب وازدواجية المواقف، هو عندما تصرف هذا الحزب خلال استقبال المغرب للمجموعة البرلمانية للاتحاد المتوسطي، والتي من بين أعضائها برلماني من «الكنيست» الإسرائيلي، بطريقة بدا معها كما لو أننا أمام حكومتين اثنتين وليس حكومة واحدة، بحيث تراجع وزير الخارجية سعد الدين العثماني إلى الخلف معبرا عن رفض ضمني لوجود البرلماني الإسرائيلي وألقى كلمة الترحيب بدلا عنه الوزير المنتدب في الخارجية يوسف العمراني، إضافة إلى احتجاج الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية على هذا الحضور. تتجلى المسألة الثانية في مآل العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح. بداية، من الضروري استحضار خصوصية تجارب الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، في العالم العربي بشكل عام وفي المغرب بشكل خاص، حيث كانت الإشكالات المطروحة تتمثل في كيفية إحداث نوع من التمايز أو الفصل بين الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية والجماعات الدعوية التي انبثقت عنها.. طبعا، نحن نعرف أن حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية كانا دائما يتحدثان عن نوع من الخصوصية في التجربة المغربية، على اعتبار أن الحركة والحزب استطاعا أن يحدثا نوعا من التمايز الوظيفي، وبالتالي كان هناك رفض لما كان يروج من قبل بعض المتتبعين أو الملاحظين الذين يعتبرون حركة التوحيد والإصلاح هي الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، أو أن حزب العدالة والتنمية هو الجناح السياسي لحركة التوحيد والإصلاح.. غير أن هذا لم يمنع رئيس حركة التوحيد والإصلاح من الإشارة، بين الفينة والأخرى، إلى كون الحركة والحزب يجمعهما نوع من الشراكة الاستراتيجية، وهذا يجعلنا نطرح سؤالا حول مضمون هذه الشراكة، وما إن كان بإمكان هذه الشراكة الاستراتيجية ألا تحدث نوعا من التداخل في العلاقة بين الحزب والحركة. بشكل عام، هناك موقفان: موقف أتباع الحركة وأتباع الحزب الذين يرون أن هناك تمايزا وظيفيا، وأن أجندة الحزب ليست هي أجندة الحركة، على اعتبار أن لكل كيان وظيفة تميزه عن الآخر؛ وموقف المتتبعين والملاحظين الذين يرون أنه من الصعب الاعتقاد بوجود هذا التمايز أو هذا الفصل بين الحزب والحركة؛ وربما هؤلاء الذين يبدون رأيهم حول وجود تداخل بين الحركة والحزب هم من يسعون اليوم إلى وضع اليد على مكامن الخلاف بين الحركة والحزب في إطار هذه التجربة الجديدة. وربما أيضا هناك من يقرأ تجربة حركة التوحيد والإصلاح في علاقتها بحزب العدالة والتنمية على ضوء تجارب دول عربية أخرى كتجربة مصر، حيث من الصعب اعتبار حزب الحرية والعدالة حزبا مستقلا عن جماعة الإخوان المسلمين. قد يبدو للبعض أن سؤال العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح سؤال مكرور، غير أن الواقع ليس كذلك بعد انعقاد المؤتمر السابع للحزب في سياق انتقاله من موقع المعارضة إلى موقع تدبير الشأن الحكومي، فالموقع الجديد له إكراهاته، مما قد يفضي إلى بروز العديد من الخلافات حول تقدير المواقف وتقييم الأداء. ولعل الانتقادات المتكررة لرئيس حركة التوحيد والإصلاح بشأن الأداء الحكومي أو التنبيه إلى الاختراق الصهيوني الذي يتعرض له الحزب أو التحذير من الترهل التنظيمي تعتبر مؤشرات تقتضي إعادة طرح سؤال العلاقة.