تظاهر تلاميذ المغرب في مدن مختلفة، أمس وأول أمس، للمطالبة بإصلاح المنظومة التعليمية واحتجاجا على تصريحات لحسن الداودي، وزير التعليم العالي وتكوين الأطر حول اقتراح إقرار أداء الميسورين رسوم الدراسة في التعليم العالي. وانتظم المحتجون تحت لواء اتحاد أطلقوا عليه اسم «اتحاد الطلاب لتغيير نظام التعليم»، بعد سلسلة من النداءات التي أطلقوها على المستوى الوطني من خلال صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
ويسعى القائمون على فكرة «الاتحاد من أجل تغيير نظام التعليم» إلى فتح نقاش وطني حول منظومة التعليم في المغرب والأخطار التي تهدد مصداقية الباكالوريا المغربية وسمعتها العالمية، وجدد الاتحاد تأكيده على ضرورة الحفاظ على مبدأ مجانية التعليم ودعا إلى الرفع من الميزانية المرصودة لهذا القطاع، وشدد على أن نظام العتبة المُطبَّق من أجل اجتياز امتحان المدارس العليا في المغرب مُبالَغ فيه، ويعتبر نظام العتبة واحداً من التجليات الخطيرة لما تعرفه منظومة التعليم من اختلالات. وذكر أصحاب فكرة الاتحاد أن تأهيل المنظومة التعليمية سيساهم في تطور البلاد وطالبوا بضرورة التفكير في حلول مُبتكَرة من أجل تجاوز الوضعية التي يعرفها النظام التعليمي في المغرب.
وأوضح علي بيدار، عضو «اتحاد الطلاب من أجل تغيير النظام التعليمي»، أن «الاتحاد جاء بعد شهر من العمل، عقب تجمّع عدد من التلاميذ المتضررين من العتبات التي حددتها بعض المدارس لاجتياز مباريات الولوج إليها، حيث عقدنا مجموعة من الاجتماعات في عدد من المدن لتدارس المشاكل المرتبطة بالنظام التعليمي، وبعد نقاش مستفيض، قررنا أن نجتمع كطلبة وتلاميذ وآباء وأساتذة وأن نتحد في هذا المشروع من أجل دق ناقوس الخطر».
في الدارالبيضاء احتج التلاميذ الحاصلون على شهادة الباكالوريا، صباح أمس الثلاثاء أمام ساحة الحمام قرب مقر الولاية، بعدما تعرضت وقفتهم الأولى التي كانت مقررة أول أمس الاثنين للمنع، وردد المحتجون من التلاميذ والطلبة، الذين لم يتمكنوا من ضمان مقاعد في المعاهد العليا وكليات الطب والهندسة بالرغم من نقطهم الجيدة، شعارات تندد بالسياسة التعليمية مطالبين بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة الذين منهم من أصيب بالاكتئاب بسبب رفضه في المدارس العليا التابعة للدولة. ووقف التلاميذ تحت أشعة الشمس الحارقة رافعين لافتات ترفض إلغاء مجانية التعليم وتذم مظاهر الزبونية والرشوة التي قالوا بأنها تفشت في هذا القطاع الذي أصبح في نظرهم يعرف تدخلا من قبل عناصر لا علاقة لها بالتعليم، مطالبين بإصلاح المنظومة التعليمية والتفكير بعمق في مصلحة الطالب ومستقبله الذي يشكل اللبنة الأساسية لبناء أي متجمع متقدم .
وعرفت العاصمة الرباط تنظيم وقفة احتجاجية شارك فيها حوالي تلاميذ حاصلون على شهادة البكالوريا وعدد من الطلاب وأولياء وآباء التلاميذ، رفعوا فيها شعارات تندّد بوضعية التعليم في المغرب وبالعتبات التي يتم تحديدها لانتقاء التلاميذ الراغبين في اجتياز مباريات مؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المحدود.
وردد المحتجون لازمة «ولادهوم فينا هوما.. في واشنطن وروما.. وولاد الشعب فينا هوما.. فالزنقة وراس الحومة».. معبّرين عن رفضهم المطلق أيَّ قرار يهدف إلى إلغاء مجانية الدراسات العليا لمختلف الطبقات الاجتماعية، كما رفعوا لافتات كتبت عليها مجموعة من المطالب والشعارات، كان أبرزها «من أجل تعليم مجاني للجميع»، إلى جانب شعار «بْغينا نقراوْ.. لْقينا التّعليم كاوْ».
وطالب المشاركون في وقفة الرباط بضرورة إقدام الحكومة على إصلاح شامل للمنظومة التعليمية، في مختلف مستوياتها، بدءا بوضع حدّ للاختلالات التي تشوب امتحانات البكالوريا، والتي تحدث مجموعة من التلاميذ بخصوصها عن وجود ثغرات في عملية التصحيح، مما أثر على النقط المُحصَّل عليها، داعين في السياق ذاته إلى ضرورة وضع رقابة صارمة على بعض المؤسسات الخصوصية التي اتهموها بتضخيم نقط المراقبة المستمرة.
وفي أكادير احتشد تلاميذ الثانويات الحاصلين على شهادة الباكالوريا في ساحة الأمل احتجاجا على ما اعتبروه إغلاقا لآفاق التعليم العالي في وجوههم رغم حصولهم على ميزات مشرّفة.
ودعا المحتجون إلى أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في بعض الظواهر المشينة التي أضحت تغزو قطاع التعليم، كظاهرة المتاجرة في شواهد الباكالوريا في القطاع الخاص، إذ يتمّ منح معدلات «قياسية» في المراقبة المستمرة، مما يمنح الامتياز لنظرائهم في القطاع الخاص، كما طالب المحتجون بضرورة تحقيق المساواة في الولوج واجتياز المباريات وإعادة الاعتبار إلى شهادة الباكالوريا المغربية وتحقيق مبدأ مجانية
التعليم.
واستعرض بعض التلاميذ معاناتهم مع سنوات الكد والاجتهاد من أجل الحصول على معدلات عالية إلا أنهم، في آخر المطاف، يصطدمون بواقع صعوبة ولوجهم المدارسَ العليا، الأمر الذي يطالبون معه بضرورة إلغاء العمل بعتبة اجتياز امتحانات المدارس العليا التي حرمت العديد منهم من ولوج تخصصات بعينها، بعد أن ظلوا يجتهدون من أجل الوصول إليها عبر تحصيل معدلات عالية وميزات مُشرّفة.
كما نظم تلاميذ وطلاب تطوان، ليلة أول أمس، وقفة احتجاجية وسط المدينة، تلبية لنداء «اتحاد الطلاب لتغيير نظام التعليم» ضد «سد آفاق التعليم العالي في وجوه أبناء الشعب رغم حصولهم على ميزات مُشرّفة». ورفع الطلاب المحتجون لافتات وشعارات تنديدية ضد الجهات المسؤولة، مطالبين بتكافؤ الفرص ومجانية التعليم وبتمكينهم من جامعات ترقى إلى طموحاتهم الدراسية، كما عبّروا عن رفضهم المطلق خوصصة التعليم المغربي والتي تتوجه الحكومة إلى إقرارها، حسبهم.
وأثرت المعدلات المرتفعة التي عرفتها نتائج الموسم الدراسي هذا العام في «الكوطا» المخصصة للوائح الطلاب المقبولين لاجتياز مباريات ولوج عدد من المعاهد العليا، حيث تعذر على تلاميذ متفوقين أيضا حصلوا على معدلات عالية أن يجدوا لهم مقعدا في عدد من المؤسسات وفي بعض الكليات التي كانوا يطمحون إلى الدراسة فيها.
وخرج التلاميذ مساء أول أمس للاحتجاج أمام مقر عمالة مدينة الجديدة ، تنفيذا للنداء الذي أطلقه التلاميذ والطلبة الحاصلون على شواهد الباكالوريا بمعدلات عالية، عبر الموقع الاجتماعي «فيسبوك» ومواقع أخرى.
وقد حضر التلاميذ والتلميذات حاملين لافتات يطالبون فيها بتوفير نظام تعليمي شعبي ديمقراطي، كما احتج التلاميذ -وأغلبهم كما صرحوا ل»المساء» حاصلون على الباكالوريا بمعدلات عالية- على إقصائهم من ولوج المعاهد والمدارس العليا في الوقت الذي يؤكدون استمرار تفشي ظاهرة الزبونية والمحسوبية في تسجيل الطلبة في بعض مؤسسات التعليم العالي والمعاهد العليا، وقال الطلبة المحتجون «إن شهادة الباكالوريا لم تعد لها قيمة بعد أن أصبح الحاصلون عليها بمعدلات تتراوح بين 15 و17 لا يتم قبولهم في المعاهد العليا وفي بعض التخصصات»، وطالب التلاميذ والتلميذات المسؤولين عن القطاع بالإجابة عن تساؤلاتهم المشروعة، كما طالبوا بإصلاح «الوضعية الكارثية» للمدارس والجامعات العمومية وبالبحث عن السبل الكفيلة بضمان تكافؤ الفرص بين أبناء المغرب، وإصلاح وضعية الجامعات المغربية.
وأشرف عدد من مسؤولي ولاية أمن فاس، عصر أول أمس، على تفريق تلاميذ ونشطاء حقوقيين كانوا يعتزمون تنظيم وقفة احتجاجية أمام نيابة التعليم. وصادرت عناصر قوات التدخل السريع بعض اللافتات التي كان نشطاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ينوون رفعها للتنديد بتصريحات نُسِبت إلى وزير التعليم العالي، لحسن الداودي، تتعلق بما اعتُبِر من قِبَل نشطاء «فايسبوك» ضربا لمجانية التعليم وتكافؤ الفرص بين فئات المجتمع المغربي.
وأجبر مسؤولو الأمن عددا من التلاميذ على مغادرة الجهة المحاذية لمقر نيابة التعليم. واضطر بعضهم إلى ركوب الحافلة دون أن يعرف وجهتها.. خوفا من أن يتعرض للتعنيف. وأشار الطالب رضا، وهو عضو فاعل في حركة 20 فبراير وأحد المنظمين للوقفة «المُجهَضة»، إلى أن السلطات تدخلت قبل موعد التظاهر ببضعة دقائق وعمدت إلى تفريق حوالي 100 تلميذ كانوا بصدد التجمع للبدء في الاحتجاج.
أسفي
وشكلت قوات الأمن في آسفي، بمختلف أجهزتها، حصارا أمنيا على كافة الأزقة والشوارع المؤدية إلى مقر نيابة التعليم في المدينة ومنعت حركة السير والجولان بالنسبة إلى السيارات والدراجات والمارة وأعطيت تعليمات مشددة لمنع المواطنين والصحافيين من الاقتراب أو ولوج الشارع الذي يوجد فيه مقر نيابة التعليم. كما انتهى إنزال القوات الأمنية بمواجهات غير مُتوقَّعة، حيث جرى تعنيف عدد كبير من التلاميذ وتفريقهم بطرق استُعملت فيها القوة المبالغ فيها، حسب مراقبين وحقوقيين.
وعبّر متظاهرون عن اندهاشهم من قوة التدخل الأمني ووحشيته في مسيرة سلمية لتلاميذ وطلبة يتظاهرون ضد فشل المنظومة التعليمية في البلاد، مضيفين أن الأمن في آسفي قابلهم بعنف وبكلام فاحش ونكّل بالتلاميذ وعنّفهم و ستدعى لذلك تعزيزات أمنية ضخمة.. وقال تلاميذ من صفوف المتظاهرين إن «الأمن في آسفي، الذي يخرج بكل قيادته الأمنية لتفريق مسيرة سلمية صغيرة لتلاميذ عزّل، هو نفسه الأمن الذي يلتزم مكانه في المقرات الأمنية ويترك المدينة تحت حكم الباعة المتجولين وعصابات المجرمين» على حد قولهم.
يذكر أن لحسن الداودي كان قد أكد أنه يفكر في سن رسوم على الطلبة الميسورين الذين ينجحون في مباراة الولوج إلى المعاهد العليا وكلية الطب، كما أوضح أن ارتفاع عتبة معدل اجتياز امتحانات بعض المعاهد يعود إلى محدودية المقاعد المتوفرة وإلى الإقبال المتزايد على هذه المهعاهد.