«... اكتفت بدور الزوجة والأم قبل أن يختار لها الآخرون لقب زوجة الزعيم.. قررت أن تلتصق ببطلها كالخيال وتواجه معه الكثير من العواصف والأعاصير والزلازل السياسية، التي اهتز لها العالم بأسره. سكنت قلبه وسكن قلبها قبل أن تسكن معه في عش الزوجية الصغير المتواضع بالإيجار بعيدا عن صور البهرجة والبروتوكولات الفارطة.. لم تصطنع لنفسها دورا كبيرا ولم تقتطع لنفسها أيضا مساحة في التاريخ واكتفت بأن تبقى خلف الستار كزوجة للرئيس فقط، قبل أن تقرر إزالة هذا الستار وتكشف عن أسرار مفجر الثورة الكبرى في النصف الأخير من القرن العشرين، وتكتب مذكراتها وتروي لنا الأحداث التي مرت بها مصر منذ حرب فلسطين وحتى رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970. مذكرات تسرد محطات تاريخية ظلت محاطة بهالة من الغموض لتضيف جديدا إلى ما استقر في الذاكرة العربية والمصرية من أحداث اكتسبت صيغة اليقين والحقيقة التاريخية.. مذكرات تكشف لنا المشهد الأول والأخير في حياة الزعيم جمال عبد الناصر وتضفي عليه دراما تاريخية لقصة المشروب الأخير، الذي تناوله ومن الذي صنعه ومن قدمه له وهو على فراش الموت.. إنها مذكرات تحية عبد الناصر...» لم تكن مرحلة ما بعد الهجرة أو المرحلة التي أعقبت حرب عام 1948 ناضجة لقيام تنظيمات وأحزاب فلسطينية تسعى نحو حشد الشعب الفلسطيني وتوجيه طاقاته نحو استعادة حقوقه وتحرير وطنه، بقدر ما كانت تلك المرحلة بمثابة مرحلة تضميد الجراح والبحث عن أعمال تساعد على توفير الاحتياجات المعيشية للشعب الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام ومرحلة تحسّس الطريق نحو المستقبل، وبالتالي لم تساعد الأوضاع النفسية والاجتماعية والاقتصادية على التفكير الجدّي في العمل الجماعي ولمّ الشمل وتأسيس حركة أو تنظيم جماهيري أو عسكري نظرا لظروف الشتات ذات الخصوصية القاسية التي لم تأذن بالبحث عن الذات واستجماع القوى والطاقات بعد.... جبهة التحرير الفلسطينية لكن رغم تلك الظروف التي كان يَمُرّ بها الفلسطينييون فإنهم لم يكونوا بعيدين عن التنظيمات والأحزاب وحاولوا أن ينخرطوا في بعض ما هو قائم أو المساهمة فيها أو صناعة بعضها، فمثلا أسّس الشيخ تقي الدين النبهاني، وهو من قرية إجزم قضاء حيفا، حزب التحرير الإسلامي في بداية الخمسينيات وأخذ هذا الحزب يمتد حتى خارج فلسطين بعد أن كوّن النواة الأساسية للشباب الفلسطيني لتكوين جبهة التحرير الفلسطينية، بمساندة من قادة الثورة المصرية وعلى رأسهم عبد الناصر، لخوض حروب التحرير وشنّ هجمات جريئة على المواقع الصهيونية التي ابتدأت منذ إنشائها عام 1959 وهي جبهة اعتبرت الأم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة الموجودة حاليا، وبدأت تلك الجبهة بشنّ حرب العصابات والأعمال العسكرية ضد القوات الصهيونية عامي 1965/1966 موازاة مع العمليات العسكرية التي أخذت تشنّها حركة القوميين العرب التي أسّست لها جناحا عسكريا أطلقت عليه أبطال العودة... توجهات ناصرية يروي محمد حسنين هيكل في كتابه الانفجار «لم تستطع المحاولات المختلفة لجبهات التحرّر الفلسطينية أن تتجاوز الحيّز الذي وجدت فيه، ولم تمتد لتصبح جماهيرية قادرة على تغطية الساحة الفلسطينية وتحريك الشارع الفلسطيني نحو التحرير، فرغم أن الطموحات كانت عالية إلا أن إمكانيات القائمين عليها كانت محدودة ولا تؤهلهم للاندفاع بقوة نحو تحفيز الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في آن واحد مع هذه المحاولات، وكانت هناك محاولتان تنضجان على نار هادئة إحداهما ذات طابع قومي وهي منظمة التحرير الفلسطينية، والأخرى ذات طابع قطري وهي حركة التحرير الوطني الفسطيني (فتح)..، وبالتالي اتجهت أنظار عبد الناصر في تلك الفترة (ومنذ أواخر الخمسينات) إلى إيجاد كيان فلسطيني يأخذ على عاتقه تمثيل الشعب الفلسطيني وقيادته دون أن يكون خارج رؤيته هو بهدف ترتيب الأوضاع في المنطقة العربية، ولهذا دعا عبد الناصر إلى الوحدة العربية ومقاومة الاستعمار وإسقاط الأنظمة العربية، التي كان يصفها بالرجعية مثل النظامين السعودي والأردني، خاصة أن الشارع العربي كان يرى فيه صورة بطل القومية ورائدها، وأخذ يهتم بكل قواه نحو هدف بقاء الفلسطينيين ضمن رؤيته القومية المناهضة للأنظمة التي تتمترس خلف التجزئة العربية... وبدأ في التفكير جدّيا بإنشاء منظمة فلسطينية ضمن المنطق الذي كان يصفه بالتقدمية والثورية بعد اقتناعه بالقدرة على السير في هذا الاتجاه نظرا لما يتمتع به من شعبية واسعة في أوساط الشعب الفلسطيني». مؤتمر القمة العربي «كانت خطوة عبد الناصر الأولى (يضيف هيكل) قد بدأت تأتي بثمارها بعد اتصالاته المباشرة مع أحمد الشقيري، الذي كان يعمل آنذاك (في بداية الستينات) مُمثلا لفلسطين في الجامعة العربية، نظرا لسجله الحافل والريادي وشخصيته وثقافته العالية التي تنم عن روح الانتماء والوطنية بعد أن حلّ مكان أحمد حلمي عبد الباقي الممثل السابق لفلسطين نتيجة وفاته، واستغل عبد الناصر فرصة انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد بالقاهرة يوم الثالث عشر من شهر كانون الثاني/يناير 1964 ( جاء نتيجة قرار الكيان الصهيوني تحويل مياه نهر الأردن رغم أن قضية فلسطين استحوذت على الجزء الأكبر من هذا الاجتماع) ودعا إلى إنشاء كيان فلسطيني رسمي يكون متحدثا باسم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، كل ذلك رغم كون قرارات هذا المؤتمر لم تذهب كثيرا نحو ما أراد عبد الناصر بصورة تامة بقدر ما حقق أمنيته في تحسّس الرغبات الفلسطينية بخصوص إنشاء كيان يمثل الفلسطينيين بعد أن أنيطت هذه المهمة بأحمد الشقيري، نفسه الذي أخذ يتصرف وبعد القمة مباشرة وكأنه حصل على تفويض عربي لإنشاء منظمة فلسطينية وتجاوز مهمة جّس النبض، واتجه نحو التحضير لمؤتمر فلسطيني يضم عددا من الفلسطينيين الذي يحملون صفة تمثيلية كرؤساء مجالس أو أعضاء نقابات واتحادات بعد أن عقد أول اجتماعاته فعلا بمدينة القدس الشريف في الفترة الممتدة من 28 مايو/أيار إلى 2 من حزيران/يونيو من العام 1964 وخرج المؤتمرون بعدد من القرارات كانت موجزة بالعبارات التالية: « إيمانا بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس في فلسطين، وتأكيدا لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعال وتعبئة طاقاته وإمكانياته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقًا لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية ممثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول، نعلن بعد الاتكال على الله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28/5/1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تعبئة الطاقات الفلسطينية والاستعداد لتحرير الوطن المغتصب والتأكيد على عروبة فلسطين واختيار أحمد الشقيري رئيسا للمنظمة وتخويله تعيين أعضاء لجنة تنفيذية للمنظمة وعددهم مع الرئيس خمسة عشر عضوا..».