كانت الحكاية، إضافة إلى كونها وسيلة للترفيه والتسلية وغمر المتخيل الطفولي بالرغبات التي تتحقق بسهولة، وسيلة للتربية والتنشئة الاجتماعية للفرد والمجتمع. تدعو الحكاية إلى احترام اختيار الفتاة وعدم تزويجها ممن تكره، وهذه الحكاية مليئة بالرموز توجز حياة المرأة وتحتفل بالقرابة.. لقد عبّرت من خلالها عن طبيعة تلك الحياة التي كانت تعيشها.. تقترب الحكاية كثيرا بصورها ومتخيلها من الأسطورة. الحكاية كان حتى كان، في ما مضى من الزمان، حتى كان الحبق والسوسان في حجر النبي العدنان، عليه الصلاة والسلام.. هاينة آسيدي قال لك هاينة بغاها ولد عمها، ولد عمها سافر ما عرفت فين؟ مشى تايقرى، وهي قعدات حجبوها، ما تلات تخرج، إيوا حجبات ذيك هاينة، قعدات كل يوم يجيوها البنات كي اليوم كي غدا.. كي اليوم كي غدا.. وحدة قالت ليها: -«يا دادا فلانة خلي هاينة تمشي معانا تحطب». قالت ليها: «لا آبنيتي حالف عليها ولد عمها». كي اليوم كي الغد حتى لهذاك النهار وهي تقول ليها: -«إيوا سيري معاهوم». إيوا مشاو كلها واش لقات.. جاو حاطبين كلها واش لقات، وحدة لقات مشطة وحدة لقات خاتم نتاع النقرة.. كلها واش لقات، هي لقات مغزل ديال الحديد، لقات ذاك المغزل ديال الحديد، وهي تحزمو مع الحزمة، غادة وتسرسر ليها الحزمة وتطيح حتى طاح المشهاب ديال الحديد -وهو يولي ليها حلوف- ويقول ليها: -»نهار تملّح مّك السمن ولا تنكس الدار ولا تدير بركوكش، راني نجي بشتاتي بعجاجي بكلابي تتنابح وبحميري تهرنط، ببقري.. بكولشي نجي».. - إيوا ذاك النهار وهي تقول ليها أمها: - «آبنيتي السمن بغى يخنز ليا».. وهي تملحو يالله، حطاتو في القصرية وهو بدا جاي، عادت الرعدة تطرطق والكلاب تنبح والبرد والشتا والعجاج.. - «هاينة، يا هاينة، مدّي لي مْشهابي؟». - «تمدو ليك مّي؟». - «يموميك ويموميها وينوض الشيب في وذنيك وذنيها، هاينة يا هاينة مدي ليا مشهابي».. - «تمدو ليك خالتي؟». - «يخليك ويخليها، وينوض الشيب في وذنيك وذنيها.. هاينة يا هاينة مدي ليا مشهابي». - «يمدو ليك بّا؟». - «يبوبك ويبوبيه.. هاينة يا هاينة مدي ليا مشهابي». إيوا وهي تركبها الخادم، حزماتها وهي تطلعها ليه، عاهزات فيه عينيها، طلق ليها التحميرة في عينيها، بدات تقول: - «عيني عمات، لاله مشات.. عيني عمات لالة مشات».. وهو يخطف هاينة وزاد. إيوا خطفها، هوما ينوضو داو ديك الخشبة، وهوما يدفنوها، سير يا يوم جي يا خر، وهو يجي ولد عمّها، لقى مّها قاعدة، قال ليها: -»فين هاينة؟ شفتها ما بانتش ليّ». قالت ليه: «ماتت آوليدي هاينة». قال ليها: «إيوا نوضي دّيني عند قبرها نقرا عليها واحد شويّة». إيوا مشاو، ورّاه قبر في الروضة، قاعد يقرا.. يقرا.. وهي تدوز واحد مّي عجوز سارحة لبقر، هي تدوز واحد البقرة شتفات على القبر وهو يضربها عرّجها، وهي تجيه مّي عجوز وقالت ليه: - «يا نوض، نوض يا بلهبيل لاخر، راه دافنين لك عا خشبة وما هاينة دّاها الحلّوفْ». قال ليها: «آش هاذ شي كاتقولي؟».. قالت ليه: «اللّي نقول ليك هو هذاك، حربش سير جيب فاس وبحث لا ما تلقى عا خشبة». إيوا مشى جاب الفاس، بحث لقى خشبة، وهو يجي عند مراة عمّو، قال ليها: - «دادا».. قالت ليه: - «نعام».. قال ليها: - «ديري ليّا العوين بالبكا طحني بالبكا، وغربلي بالبكا، ونكّسي الدار بالبكا، وسرّجي العَود بالبكا، وسيفطيني بالبكا».. هذاك الشي اللي دارت، طحنت بالبكا وغربلات بالبكا، طيبات بالبكا، وخبزات بالبكا وسرّجات العَود بالبْكا، ما خلات ما دارت بالبكا، وهو يركب على عاودو ومشى.. يتبع...
المصدر : الدكتور محمد فخرالدين -كتاب موسوعة الحكاية الشعبية -الحكاية 58 .