أعاد التفجير الذي استهدف، الأسبوع الماضي، حافلة سياح إسرائيليين في بلغاريا إلى أذهان مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية شبح الحادث الذي عرفه أولمبياد ميونيخ والذي أودى بحياة رياضيين إسرائيليين بعد أن أطلق فدائيون فلسطينيون النار عليهم، ويدعي المسؤولون الإسرائيليون أن تفجير بلغاريا ليس سوى حلقة في خطة كبرى تستهدف الإسرائيليين، ويخشون من أن تكون أولمبياد لندن إحدى محطاتها. بعد التفجير الذي استهدف حافلة للسياح الإسرائيليين في بلغاريا، أصبح عملاء المخابرات الإسرائيلية يخشون من وقوع هجوم على الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في الألعاب الأولمبية في لندن، ولذلك فإنهم يعملون على مطاردة العملاء المدعومين من إيران في أوروبا. وقد انقضت 40 عاما منذ تنفيذ الفدائيين الفلسطينيين هجوماً على القرية الأولمبية في مدينة ميونيخ، ما أدى إلى مقتل 11 رياضيا إسرائيليا، وشرطياً ألمانيا، وخمسة أو ثمانية من المهاجمين. والآن يساور المحللين الأمنيين في تل أبيب القلق من احتمال قيام بعض العملاء المدعومين من إيران بتنفيذ عملية غير عادية للانتقام من إسرائيل على قاعدة العين بالعين، بعد ما فعلته إسرائيل من عمليات قتل لإيرانيين يشاركون في البرنامج النووي الإيراني. بداية «الكابوس» كان الاستنفار على أشده لدى القوات الأمنية الإسرائيلية الأسبوع الماضي، عندما تعرضت حافلة تقل سياحاً إسرائيليين في مدينة برغاس البلغارية لهجوم أدى إلى مقتل خمسة منهم، إضافة إلى سائق الحافلة، ومنفذ الهجوم نفسه، وهو الهجوم الأول من نوعه في هذا البلد. وقام رجل بتفجير قنبلة كانت على متن الحافلة، وبعد ساعات من تنفيذ الهجوم هبطت طائرة تابعة للقوات العسكرية الإسرائيلية في بلغاريا، كان على متنها طاقمان من خدمات الأمن الداخلي في إسرائيل (شين بيت)، إضافة إلى عملاء من الموساد. ومن البداية، كان من الواضح حدوث خطأ أمني أدى إلى تفجير قنبلة كانت مخبأة في حقيبة محمولة على ظهر أحد ركاب الحافلة. وحدث ذلك عندما قام أفراد الأمن البلغاري بمشاهدة فيلم التصوير من كاميرات المراقبة التي كانت موجودة في صالة المغادرة، وعندها انتبه أحد أفراد الموساد بسرعة، فقد تعرف في الحال إلى منفذ الهجوم، ليس من وجهه، وإنما من الطريقة التي كان يحمل بها حقيبة الكتف الثقيلة، وقال: «إنه منفذ العملية». وعندها قام طاقم الأمن بإعادة النظر إلى الضحايا في الحافلة، وتم تحديد خمسة منهم باعتبارهم إسرائيليين، إضافة إلى شخص آخر يحمل وثائق سفر أمريكية. واندفع الرجل إلى إبلاغ رئيسه في بروكسل. ولم يكن هذا الاندفاع لأنه تعرف إلى الفاعل، وإنما كان سيناريو كابوس لإسرائيل، إذ إن ظهور «الإرهابيين الأشباح» وهم عرب متنكرون كأوروبيين تطور يجعل عملية الكشف عنهم مهمة صعبة. واتضح أن الفاعل لديه شريك آخر، ربما يكون هو الذي قام بالتفجير عن بعد، وربما من دون علم حامل القنبلة، وهذا يعني أن بعض مخططي الهجوم على قيد الحياة طلقاء. وأصدرت السلطات البلغارية في ما بعد رسما لرجل وصفته بأنه مواطن أمريكي واسمه ديفيد جيفرسون، ويخشى أنه يحمل قنبلة أخرى معه. وتأكدت توقعات «الموساد» لدى اكتشاف أن الرجل الميت لديه رخصة قيادة مزورة تحمل اسم جاك فيليب مارتن من ولاية ميشيغان الأمريكية، وهي موطن عدد كبير من العرب الأمريكيين والقادمين من المناطق الشيعية في لبنان. «الأولمبيون في خطر» وكانت إسرائيل قد علمت من خلال مصادرها، قبل فترة من الزمن، أن سرايا القدس، وهي ذراع إيران للعمليات العسكرية في الخارج، تخطط لاستخدام شخص متنكر في شخصية أوروبية للقيام بعملية انتحارية. ولدى النظر إلى الشعر الأحمر والطويل لمنفذ العملية، أدرك عميل «الموساد» أن أمراً جللاً يحدث الآن، ومن ثم اتصل بمحطة الموساد في لندن. وكان الرياضيون الإسرائيليون قد وصلوا لتوهم إلى لندن، عند ذيوع خبر التفجير. وعلى الرغم من أنهم صغار السن ولا يذكرون عملية ميونيخ عام 1972، إلا أن عملاء الموساد المخضرمين يتذكرونها جيداً. ويعرف جميع أفراد الموساد القصة حين وقف رئيسهم آنذاك، زفي زامير، حائراً بلا حول ولا قوة في برج المراقبة في مطار فورستنفيلدبروك الألماني، وهو ينظر إلى الفلسطينيين وهم يقتلون الفريق الإسرائيلي المتوجه إلى ألعاب ميونيخ الأولمبية. وفي مقر «الموساد» في تل أبيب بدأ المحللون بالاطلاع على كل معلومة تتعلق بعمليات خلايا القدس وحزب الله الخارجية، والأمر الغريب أنه ليس هناك أي ملمح لأي استعداد للقيام بأي هجوم. خطة كبرى وأصبح الإسرائيليون مقتنعين بأن الحادث جزء من خطة كبيرة، وأنهم يشكون في أن الهدف هو ألعاب لندن الأولمبية. وخلال 24 ساعة، أرسل الموساد فرقاً من الوحدات المعروفة ب«الربيع» التي تستخدم أحدث أجهزة الاتصالات والمراقبة إلى عدد من المدن الأوروبية. وكان الهدف من ذلك مراقبة عملاء سرايا القدس، الذين يعملون بتوجيه من السفارات الإيرانية. وتمكنت إسرائيل من تحديد عدوها اللدود بأنه الجنرال قاسم سليماني، من كتائب حراس الثورة، المعروف بأنه الدماغ التي تدير جميع العمليات التي تستهدف إسرائيل حول العالم. ويخشى الإسرائيليون أن تكرر إيران وحزب الله الهجمات التي تعرضت لها إسرائيل في سبعينات القرن الماضي. وعن طريق توجيه ضربة للفريق الرياضي في لندن، فإنهم يكونون قد وجهوا ضربة مضاعفة لقوات الأمن الإسرائيلية والبريطانية معاً. وأعلن الأمريكيون، يوم الجمعة الماضي، أن منفذ العملية كان عضواً في خلية تابعة لحزب الله تبحث عن أهداف محددة في بلغاريا، انتقاماً من قيام إسرائيل بقتل علماء نوويين في إيران. واتهمت إيران إسرائيل بقتل العلماء الإيرانيين، ولكن إسرائيل لم تقر بذلك ولم ترفضه. ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أعلن أن إيران هي المصدر الأول للإرهاب في العالم. ودانت إيران رسمياً التفجير في برغاس. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إن حزب الله هو المدبر والمنفذ للتفجير، وتعهّد بأن تبذل إسرائيل «ما بوسعها للكشف عن المسؤولين عن الحادث، سواء المباشرين أو غير المباشرين». واعتادت إسرائيل الانتقام تقليدياً عن طريق إرسال طائراتها لقصف المخيمات الفلسطينية في لبنان، أو الأهداف الواقعة تحت سيطرة حزب الله. عن «صنداي تايمز»
هل يكون «تفجير بلغاريا» ذريعة لمهاجمة إيران؟ يتساءل المراقبون عما إن كانت إسرائيل ستتخذ من تفجير بلغاريا ذريعة لمهاجمة إيران، وهو ما تعززه تصريحات مسؤولي حليفتها الدائمة، الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذين نسبوا الهجوم، ولو بشكل ضمني، إلى نشطاء حزب الله اللبناني، فقد صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) جورج ليتل قبل أيام بأن «التفجير الانتحاري الذي قتل سائحين إسرائيليين في بلغاريا يحمل بصمات نشطاء حزب الله المدعوم من إيران»، لكن الوزارة لم تحدد بعد من المسؤول عنه. وقال ليتل للصحفيين إن الهجوم على حافلة تقل إسرائيليين في مطار ببلغاريا «يحمل بصمات حزب الله». وتفادى ليتل الإجابة عن سؤال لتحديد ما يعتبره علامات تدل على هجوم لحزب الله، أو كيف يمكن تمييزه عن هجوم آخر لتنظيم القاعدة، على سبيل المثال، الذي لا يرتبط بإيران. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اتهم نشطاء حزب الله بتنفيذ الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء في مطار بورغاس، وهو مقصد سياحي شهير للسائحين الذين يرتادون ساحل البحر الأسود في بلغاريا. فيما نفت إيران أي دور لها في الهجوم. ورغم أن إسرائيل قالت إنها لن تتعجل خوض أي صراع مفتوح مع إيران أو حزب الله اللبناني الذي تدعمه طهران رغم اتهامهما بأنهما وراء الهجوم، إلا أن مراقبين يخشون من أن تتخذه تل أبيب ذريعة لخوض حرب مفتوحة على حزب الله وحليفته إيران.