يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - بعد تعمُّق الخلاف بين عبد الكريم مطيع والقيادة السداسية للشبيبة الإسلامية، سيعاود مطيع الاتصال بك؛ كيف تم ذلك؟ اتصل بي مطيع عن طريق بعض الإخوان طالبا لقائي. وفي شهر مارس 1977، جاءني لحسن لشكر ثم ابراهيم بورجة وأخيرا محمد بورواين ليخبروني، على التوالي، بأن الأستاذ مطيع يرسل إلي تحياته ويبلغني بأنه لا يكن لي أي حقد أو كره، وكل ما هنالك هو أن القيادة السداسية كانت تمده بتقارير كاذبة عني، وأنه بصدد التخلص من هذه القيادة وإعادة هيكلة الحركة وترتيب أوراقها لتجاوز أخطاء الماضي. - ما الذي قمت به حينها؟ قمت بجميع الإجراءات اللازمة لأسافر إلى السعودية، وقد حصلت على جواز سفر لأداء العمرة، وكنت حينها طالبا بالسنة الثانية شعبة البيولوجيا-الجيولوجيا؛ والتقيت بعبد الكريم مطيع بالفعل في مكة وتحدث إلي عن أسباب خلافه مع القيادة السداسية، وطلب مني أن ننسى الخلافات ونعمل سويا لوضع لبنة التنظيم الجديد. - كيف برر مطيع، خلال هذا اللقاء، خروجه من المغرب؟ لم يكن يتردد في الدفاع عن براءته، وكان يحكي عن الاتصالات برجال بعثتهم الدولة إليه من أجل إيجاد حل لما ترتب عن مشكل اعتقال إبراهيم كمال وخروج مطيع من البلاد. - هل اتفقتم في كل النقاط خلال هذا اللقاء؟ اتفقنا على نقط واضحة، وهي أننا سنعيد بناء التنظيم لاستئناف العمل، على أساس أن أكون من بين المسؤولين عن العمل الطلابي في الرباط، ومسؤولا في الدارالبيضاء عن القطاعات التي كنت أشرف عليها من قبل. - هل تحدثم عن مسؤولين آخرين؟ كان مطيع بصدد تأسيس قيادة وطنية تضم أزيد من 20 أخا، أذكر من بينهم عبد الإله بنكيران، إبراهيم بورجة، لحسن لشكر، محمد بورواين، بكار، أبو نعيم وغيرهم. - عدت، إذن، وبدأت العمل باسم الشبيبة الإسلامية؟ نعم. - عندما عدت، التقيت بمن سيتحملون المسؤولية إلى جانبك في التنظيم؟ نعم . - ما الذي بدأت به بعد عودتك من السعودية؟ حاولت مع القياديين الجدد ترميم التنظيم الذي تآكل بشكل كبير بفعل الصراعات التي خاضتها الحركة مع أبنائها القياديين الستة ومن تعاطف معهم، فقد كانت الخسائر التنظيمية فادحة، ويكفي أن أذكر هنا أن جل أبناء الرباط ممن كانوا قد التحقوا بالشبيبة منذ 1974 سوف يؤسسون تيارا سمي ب«التبين»، وهو التيار الذي أسس فيما بعد جمعية الشروق التي كان عبد الرزاق الماروري، رحمه الله، وأحمد المشتالي وعبد اللطيف الإدريسي أبرز رجالاتها. - هل علمت القيادة السداسية بعودتك إلى التنظيم؟ طبعا، اتصلوا بي وقالوا إن ما قاله لي مطيع لا أساس له من الصحة. لكن ما كان يهمني آنذاك هو النهوض بالتنظيم وجمع الشتات، وكنت قد ازددت اقتناعا حينها بأن أساس المشكل لدى الشبيبة الإسلامية هو أن هويتها الفكرية وبرنامج عملها ومشروعها غير واضحين، كما كنت مقتنعا بأن طريقة تسييرها غير ملائمة للتطورات المتسارعة التي كانت تعرفها الساحة المغربية، وهذا الأمر ناقشته مع مطيع ولم يبد أي اعتراض. لكن بعد حوالي 3 أو 4 أشهر، تبين لي أن ما يهم مطيع بالدرجة الأولى هو الاستمرار في ملاحقة السداسيين لمحاصرتهم وتشويه سمعتهم. - لماذا؟ ربما كان مطيع يخاف من أن يستعمل أعضاء القيادة السداسية الأسرار التي كانت بحوزتهم ضده. لكن ما قلب كياني رأسا على عقب هو ما طلبه مني مطيع بعد شهر، في لقاء ثان معه، ويتمثل في أن أسلم عبد الإله بنكيران كل مفاتيح الرباط. - بماذا أجبته؟ ناقشته في الأمر اعتبارا لحداثة عهد بنكيران بالشبيبة. - كيف كان جواب مطيع؟ قال لي بالحرف: بنكيران أرسله النظام المغربي للضحك علي وأنا سأضحك عليه وسأعطيه الشبيبة ليتحمل هو والنظام كل أخطائها. كما طلب مني مطيع، خلال هذا اللقاء، القيام بأشياء غير لائقة في حق أخوين مطرودين من القيادة السداسية، مثل كتابة عبارات مشينة ضدهما أترفع عن ذكرها. وقد كنت أعرف بنكيران جيدا وأعرف أفراد عائلته الذين هاجمهم مطيع، ومنهم طبعا صهره -أبو زوجته- الذي هو عمه في نفس الوقت. - ما الذي قاله مطيع عن عم بنكيران؟ قال عنه إنه عميل للنظام. - هل كان عم بنكيران عضوا في الشبيبة الإسلامية؟ لا، لم تكن له علاقة بالشبيبة، عم بنكيران كان رئيسا للغرفة التجارية بالرباط، لذلك استحضره مطيع في مهاجمة عبد الإله بنكيران. - هل، فعلا، قال لك مطيع إن بنكيران عميل للنظام؟ طبعا، فأجبته قائلا: إذا كنت تعتبر بنكيران عميلا فما عليك إلا التخلص منه بشكل عادي، لأنه لم يكن يشكل أي ثقل داخل التنظيم حينها. - ما الذي طلب منك مطيع فعله في حق عضوي القيادة السداسية للشبيبة الإسلامية؟ تشويه سمعتيهما بالكتابة عنهما في الجدران. لكنني كنت أعرف هذين الأخوين جيدا، وكانت قناعتي هي أنه بإمكانك أن تختلف مع أحدهم في السياسة وفي التنظيم لكن ليس بإمكانك أبدا أن تخدش أخلاقه ودينه. - من هما؟ نور الدين دكير وأحمد بلدهم. - ما الذي فعلته بعدما أمرك مطيع بالكتابة على الجدران ضد قياديين في الشبيبة الإسلامية؟ صدمت صدمة كبيرة وقررت إنهاء علاقتي بالشبيبة وأعلنت بصوت عال قطع علاقتي بمطيع وبمن يدور في دائرته.