ارتفع عدد حوادث الانتحار في المغرب، وأصبحت الظاهرة تحتل مكانة متقدمة في ترتيب الكوارث بعد حوادث السير. إلا أن الملفت للنظر هو الإقبال الغريب لرجال الأمن على الانتحار رغم أنه أبغض الموت عند الله، وكأن المسدسات وجدت لتقتل حاميها بدل حراميها. تعددت الأسباب والانتحار واحد، وأداة القتل واحدة أيضا، لكن يبدو أن أغلب الحالات كانت مسبوقة باكتئاب ظاهر، سرعان ما يتحول إلى انطواء قبل أن تبدأ معركة داخلية بين العقل والقلب، يستعمل فيها السلاح الحي والميت، لتنتهي برصاصة الرحمة. في قراءة سريعة لحالات الانتحار في صفوف رجال الأمن، يتضح أن هواة الانتحار ينتمون إلى السلاليم الدنيا في التراتبية الأمنية، فهم في الغالب يقبعون في مرتبة مقدم، قبل أن يقدموا على الانتحار، بينما نادرا ما ينتحر كبار القادة الأمنيين، وأغلب مسببات الإجهاز على نفس الشرطي الأمارة بالانتحار عاطفية، إجهاض مشروع زواج أو فشل حياة زوجية أو ضعف مناعة اجتماعية ضد اليأس. أغلب مفوضيات الأمن عبر تراب المملكة تعرف بين الفينة والأخرى حالات انتحار، لكن الحكاية تنتهي بنقل الجثمان الدامي إلى المقبرة وإلقاء التحية الأخيرة عليه من طرف زملائه. من وجدة شرقا إلى الداخلة جنوبا، عشرات البوليس فضلوا إفراغ حشوات مسدساتهم في رؤوسهم وقلوبهم وأحشائهم، بدل تصويبها نحو المجرمين الحقيقيين الذين سيستفيدون من نفاد الذخيرة الحية نتيجة ارتفاع حالات الانتحار. ومن مسببات القلق واليأس في صفوف رجال الأمن إقدامُ كثير من بارونات المخدرات على جر رجال الأمن إلى التحقيق كلما سقطوا في أيديهم، كما حصل في المحمدية وتمارة وفي كثير من المدن المغربية، إذ يكفي تصريح بارون لإنهاء علاقة رجل الأمن بالخدمة وتحويله إلى مجرد رقم في المعتقل، يتقاسم الفسحة اليومية والقفة مع من كانوا بالأمس يقبعون في زنزانته. أمام تنامي الظاهرة، بادرت الإدارة العامة للأمن الوطني إلى تكليف خلية مكونة من أخصائيات اجتماعيات بالبحث في المسببات الحقيقية للظاهرة، وتقديم مجموعة من المقترحات الرامية إلى الحد من الإقبال الكبير على الانتحار من طرف «البوليس»، لكن على المصالح الاجتماعية أن تعرف أن دورها لا يقتصر على تنظيم المخيمات لأبناء وبنات أسرة الأمن الوطني أو إنجاز ملفات التعاضدية، بل عليها أن تنظم زيارات لكل المفوضيات لدراسة حالات الاكتئاب في صفوف الأمنيين وتدرس معاناتهم وتقترب منهم أكثر بتعيين أخصائية اجتماعية في كل مفوضية للاهتمام بالمشاكل الجانبية ل«بوليسها». هناك مئات الأمنيين الغارقين في مشاكل لا حصر لها، منهم من يراوغ أمعاءه كي يتدبر أمر السكن، ومنهم من ينتظر جمع شمله بوالدته أو بزوجته، ومنهم من اخترقت شركة القروض راتبه، ومنهم من لازال يطارد طلب الموافقة على الزواج كما يطارد خيط دخان، هؤلاء وغيرهم أحوج ما يكونون إلى متابعة سيكولوجية، تبدأ عمليا بنزع السلاح من غمده أو استبدال رصاصه الحي برصاص ميت، قبل أن يموت الأمل وتنتحر الأماني. تقدم شرطي بطلب الموافقة على الزواج إلى المديرية، وظل ينتظر شهورا استكمال البحث، وحين كانت تسأله عشيقته، التي تقطن معه نفس الغرفة، عن سر بطء المسطرة، كان يحاول أن يقنعها بأن الإدارة بصدد التأكد من مدى ثقة الزوجة التي سيرتبط بها، لكنها سئمت من مبرر البحث المعمق، وطرقت ذات صباح باب عميد الشرطة وأخرجت من حقيبتها مسدس زوجها الافتراضي، وهي تقول له بغباء: هذا أكبر دليل على ثقة زوجي بي، إنه يأتمنني على المسدس والذخيرة، حينها بصمت على انتحار شرطي دون نية إحداثه.