سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعتصم: والدي غيَّر اسم العائلة من الوزاني إلى المعتصم خوفا من حزب الاستقلال قال إن جدَّه هاجر إلى مكة بعد استعمار المغرب وذات ليلة رأى الرسول يأمره بالعودة إلى بلده فعاد
يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - أنت من مواليد 1954 في الدارالبيضاء، وهي السنة التي عرف فيها المغرب عدة أحداث، أهمها نفي محمد الخامس واعتقال الشهيد الزرقطوني ومحاولة اغتيال كل من المقيم العام الجنرال كيوم والباشا الكلاوي.. نعم، ولدت في «سنوات الحوادث»، كما سماها المغاربة، وبالضبط في السنة التي نفي فيها السلطان محمد الخامس، الشيء الذي أجج نشاط الحركة الوطنية والانتفاضات الشعبية المطالبة باستقلال المغرب وإعادة السلطان من منفاه. وقد حكى لي والداي أنه في لحظة مخاض أمي، فرضت قوات الحماية حظرا للتجول في الدارالبيضاء، وكان على أبي أن يتنقل من «درب القريعة» الذي كان يدعى درب «گريگوان» -حيث كنا نسكن- إلى المنطقة التي توجد فيها «القابلة» قرب سينما «الملكية» في درب «الاسبانيول»، مما عرضه لخطر كبير، فكان مخاض ولادتي في قلب المخاض الكبير.. مخاض استقلال المغرب. كبرتُ في درب «القريعة» وفيه نشأت، درست في مدرسة «الكريت» ثم تابعت دراستي في إعدادية الغزالي، قبل أن أنتقل إلى ثانوية مولاي عبد الله حيث حصلت على شهادة الباكلوريا.. - ماذا كان يشتغل والدك في هذه المرحلة؟ والدي كان حلاقا، لكن في السبعينيات كان لظاهرة «الهيبيزم» أثر سلبي على مهنة الحلاقة (يضحك)، فصار أبي يشتغل، إلى جانب مهنة الحلاقة، مراقبا في حافلات سباتة حتى يتمكن من إعالة أسرة مكونة من تسعة أفراد، أب وأم وسبعة أطفال. - من أين لكم باسم العائلة: المعتصم؟ الاسم العائلي الأصلي هو التهامي الوزاني، فنحن ننتمي إلى الفرع التهامي داخل الأسرة الوزانية. لكن في بداية الخمسينيات بدأ التنافس، وحتى الصراع، يشتد بين حزب الاستقلال وحزب الشورى. حينها، كان ينظر إلى كل وزاني على أنه شوري محتمل. وبما أن اسم التهامي الوزاني كان يحيل، حينها، مباشرة على محمد بلحسن الوزاني، زعيم حزب الشورى، فقد اضطر والدي إلى تغيير اسمه العائلي عندما صار من الضروري التوفر على دفتر الحالة المدنية، فاختار اسم «المعتصم». والحقيقة أن والدي لم يكن يخفي تعاطفه مع الشوريين الذين سيواجهون أياما صعبة في أماكن نفوذ الاستقلاليين، والدارالبيضاء كانت -إلى حد ما- من تلك الأماكن. - هل كان الوالد منخرطا في نضالات الحركة الوطنية؟ في تلك المرحلة، كل المغاربة كانوا منخرطين في نضالات الحركة الوطنية، باستثناء الخونة. والدي كان قريبا من العديد من المقاومين، وقد ترعرعت أنا في محيط يؤثثه عدد كبير من المقاومين الذين لعبوا أدوارا مهمة في حصول المغرب على استقلاله، أذكر من بينهم محمد عاكف الذي كان بطلا حقيقيا ورجلا ذا خلق كبير وشجاعة منقطعة النظير، وقد تعرض بعد استقلال المغرب، للأسف، لمحنة كبيرة، حيث اختُطف وعذب عذابا شديدا في الدائرة الرابعة للشرطة في سوق اجميعة، التي أصبحت الآن تسمى الدائرة السابعة بالدارالبيضاء، وذلك في إطار الحملة التي شنها حزب الاستقلال على بعض المقاومين إلى درجة أنه رمى بنفسه من نافذة بأعلى «الكوميسارية»، لكن الله أطال في عمره. كما أذكر من بين رفاق والدي الوطنيين السياسي والمقاوم محمد بن الظاهر، الرجل الخلوق، وبوشعيب بيلا وغيرهم. لقد جعلتني مصاحبة والدي لأمثال هؤلاء الرجال وترددهم على بيتنا بين الفينة والأخرى، لمناقشة هموم الوطن ومآلات فترة ما بعد الاستقلال، أتشبع مبكرا بروح الوطنية، كما سيؤثر ذلك لاحقا في ثقافتي السياسية لأنني، مع هؤلاء الرجال، تعرفت على ظروف تأسيس جيش التحرير ونشأة المقاومة، وسمعت عن الشهيد الحداوي والشهيد الزرقطوني والشهيد العبدي والعديد من شهداء منظمة «اليد السوداء»، رحمهم الله كما سمعت عن بطولات عبد الكريم الخطابي، وعن عبد القادر بوزار، رحمه الله، الذي يعتبر أحد المؤسسين لجيش التحرير بالشمال، وهو بالمناسبة جزائري الأصل، وسمعت عن المهدي بنبركة والفقيه البصري وعبد الله إبراهيم، رحمهم الله جميعا، كما سمعت عن عبد الكريم الخطيب، رحمه الله؛ ولعل جزءا كبيرا من تمثلاتي وتصوراتي عن هذا الرجل تعود بالأساس إلى فترة نشأتي، خصوصا في ما يتعلق بالأدوار التي لعبها في الحياة السياسية المغربية بعد الاستقلال. - ما الذي جاء بوالدك ذي الأصول الوزانية إلى مدينة الدارالبيضاء؟ ربما سمة التجوال التي تطبع حياة التهاميين؛ فجدي ولد في زاوية سيدي أحمد التهامي بالسماعلة، وانتقل إلى مراكش صغيرا وعاش فيها إلى أن غادرها عندما دخل الاستعمار إلى المغرب، مثله مثل عدد من المغاربة الذين رفضوا العيش في بلاد أصبحت تحت حكم النصارى من الفرنسيين والإسبانيين، فهاجر جدي، رحمه الله، في اتجاه مكة ناويا المقام جوار بيت الله الحرام؛ وفي إحدى الليالي رأى في منامه الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقدم إليه إناء فيه أربع شمعات وسبع بيضات ويأمره بالعودة إلى المغرب؛ فأصبح حائرا يطوف بالكعبة، وهنا التقى المهدي المنبهي (وزير حربية السلطان مولاي عبد العزيز) الذي كان على معرفة بجدي، عندما كان في مراكش، فسأله المنبهي عن سبب مجيئه إلى مكة، فأجابه بأنه غادر المغرب بعدما صار مستعمَرا، فاقترح عليه المنبهي أن يعود للاستقرار في طنجة التي كانت حينها منطقة دولية؛ وهنا تذكر جدي الرؤيا التي رأى فيها الرسول في الليلة السابقة، فقرر العودة إلى المغرب وإلى طنجة تحديدا، وفيها تزوج وأنجب أربعة أولاد وسبع بنات، من بينهم والدي. وهكذا تحققت رؤياه التي جاءه فيها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقدم إليه أربع شمعات (أبناء) وسبع بيضات (بنات). وفي سنة 1942 سيغادر والدي مدينة طنجة للعيش في الدارالبيضاء، التي تزوج فيها وبقي يسكنها إلى أن وافته المنية. - من أي منطقة تنحدر والدتك؟ أمي من تارودانت، لكن أصلها سباعية من «أولاد بن سبع». أتذكر مرة أن صديقا صحراويا سألني عن أصولي، فأجبته بأنني تهامي من جهة الأب وسباعي من جهة الأم، فقال لي ضاحكا: يا لطيف «أنت إذن بركان مشتعل».