وحدها الحكومة وممثلها في الإعلام وزير الاتصال سيحتفلون هذا العام بالعيد الوطني للإعلام وبالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، لأن الأغلبية الساحقة من الإعلاميين وفئات واسعة من الرأي العام يعيشون مأتما تذبح فيه جريدة «المساء» على أبواب قضاء مسخر لإعدام الصحافة المستقلة وتقليص هامش الحريات العامة إلى المستوى الذي لا يزعج السلطة وتفردها بالحكم، والريع واستغلاله للاقتصاد، والأمن وخرقه لحقوق الإنسان، والقضاء وتلاعب قطاعات داخله بالعدالة، والسياسيين وتيه جلهم في غابة المصالح الفردية... هل مازلتم تذكرون تلك الجملة المتفردة التي قالها ضابط في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لزميلنا المصور كريم سلماوي عندما استدعي للتحقيق بسبب صورة التقطها لحادث تعنيف امرأة أمام سجن عكاشة قبل أشهر؟ قال الضابط للصحافي: «يمكن للبلاد أن تعيش بلا صحافة، لكنها لا يمكن أن تعيش بلا أمن...». إن هذه الجملة تعبر بشكل أمين عن موقف بعض رجال السلطة من الصحافة اليوم، وإذا كانوا لا يعبرون عنها بهذا الوضوح ويختبئون خلف مبررات واهية لإعدام الصحافة، فإن محاكمة «المساء» وتغريمها 600 مليون سنتيم فضحت هذه المسرحية الهزلية، وعرت بقايا الفكر السلطوي في عقول عدد من المسؤولين في الدولة، الذين يرون اليوم في صحافة بلادهم عدوا وجب قتله. قتل الصحافة المستقلة اليوم معناه إحياء فصل من فصول العهد القديم، والتراجع عن هامش الحرية الذي أعطى البلاد تميزها عن المحيط العربي الغارق في الاستبداد، وهذا التراجع معناه هدم شرعية كاملة ارتكزت على طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعلى تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى محاولة التصالح مع مبادئ الديمقراطية والأنظمة الحديثة في الحكم. الجزائر اليوم تفرش الدستور تحت أقدام بوتفليقة للمرور فوقه إلى ولاية ثالثة، وتونس يحتفل فيها الرئيس بالذكرى ال21 لوصوله إلى الحكم وخروج الديمقراطية كليا من بلاد الزيتون، والانقلابيون في موريتانيا دخلوا إلى متاهات لا مخرج منها... في هذا المناخ تتطلع بعض رموز السلطة، عن وعي أو دونه، إلى إدخال المغرب إلى خانة هذا المحيط الجاف ديمقراطيا عن طريق الانقلاب على تجربة الصحافة الحرة وعلى أسس الانتقال الديمقراطي في البلاد. قتل جريدة في الأعراف الديمقراطية أخطر جريمة يعاقب عليها التاريخ، إذا لم يعاقب عليها القانون. هل عرفت الآن يا سيادة الوزير لماذا سنتغيب عن حضور احتفالاتك هذه السنة؟!