في الوقت الذي استكانت فيه قصة لطيفة باقا إلى تقنية التداعي الماتع والبصري، وخلدت قصة ربيعة ريحان إلى نوم مريح في ضيافة الشعر، ولن ننسى جنوح قصة حنان درقاوي إلى ضفاف الرواية ثلاث قصص يخفين غاية السرد المكتوب بأقلام نسائية في المغرب مازالت مليكة نجيب تحدث دوارا هائلا في ذهن قرائها، تكتب مليكة نجيب قصصا مرهقة باعثة التأمل، لاتحتمل القراءة الكسولة، إذ تبرز مليكة عناية فائقة بلغتها القصصية مستدعية ذلك القارئ اليقظ الباحث عن متعة فريدة،والذي لايرضى إلا بما هو أصيل وفرداني في مقروئه. شبت قصة مليكة نجيب عن الطوق منذ مجموعتها الأولى (الحلم الأخضر)1997، إذ دخلت غمار القصة القصيرة مدججة بوعي أدبي خالص يكاد يخلو من أي إحساس نسوي، في مجموعتها القصصية الثانية(لنبدأ الحكاية)2000، بالغت مليكة في إخفاء صوتها النسوي، بتوريط شخوصها في أفضية بالغة العنف والذكورة (السوق، الشارع، السجن، الدرب)، واختلاق محكيات جامدة لاتئن أبدا. خاضت مليكة نجيب في مجموعتها ( السماوي)2006 تجربة التفكيك والتشظي، حيث يصعب تلخيص حكايا هذه المجموعة، إذ يهرول بنا السارد في قصص المجموعة عبر متاهات ومسارات لاتكف عن التحول والتوالد. في مجموعتها الجديدة ( وانفجرت ضاحكة) الصادرة عن منشورات القلم المغربي في طبعة الجيب، تذهب مليكة نجيب بعيدا في بحثها عن المختلف واحتفائها بالتجريب، فكل قصة/نص في المجموعة لايشبه الأخرى (مروض الحلزون، الأسير الفتنة أشد، وانفجرت ضاحكة، فلم يبق إلا صورة اللحم والدم)، بل تستمتع في هذه المجموعة مليكة نجيب بتلك الفوضى الحميمة للكتابة. في قصة ( مروض الحلزون) تقحم مليكة القارئ في حالة تركيز شديد في مونولوغ مكثف يبدأ خطيا وما يلبث أن يتشعب وينتج أنساغا حية متجددة مفعمة بسمات المحلية، تستهل مليكة نجيب «مروض الحلزون» بلفت القارئ إلى ضرورة الإنصات العميق لقصتها، وإذ يستحيل الإمتاع دون معرفة أن الهاجس الذي يسود قصة مليكة هو العناية بالفكرة، وهكذا تقول في مطلع ( مروض الحلزون): «.. نمضي ردحا من الزمان في خلق الأفكار وتنقيحها حتى تخصب وتينع بتفريخ حجج للبرهنة والإيضاح. ويحدث أن نهيم بأفكارنا ويصعب علينا كسف عورتها للآخرين قبل نضجها، مخافة أن تتيه في زحمة التأويل، وتجانب مصب الترتيل. تولد الفكرة أحيانا نتيجة علاقة غير شرعية عبر طيش العقل، ويتقبلها المتلقون بتلقائية رأفة بصاحبها، وقد يرفضونها دون تمحيص لأنها نتاج نزوة». بعد عرض مليكة نجيب بيان الكتابة عندها، تشعل فتيل الحكي، لتنطلق بقوة شرارات حبلى بالمعرفة والفلسفة، الثقافة الشعبية...،أحيانا توهم القارئ بالواقعية من خلال الاعتناء ببعض التفاصيل الدقيقة، لتعدو حكاية المعطل الحالم بتبديد عطالته ببيع الحلزون، مجرد حامل لعناقيد من الأفكار والاستيهامات والتأملات والأحلام، تتأرجح فوق إيقاع متوتر عنيف هو إيقاع الذات الكاتبة. في قصتها الثانية (الأسير)، تزيد مليكة من جرعة التجريب من خلال العمل هذه المرة على تقنية المرايا العاكسة والمتقابلة، في فضاء السجن بين الضحية والجلاد والقضية والوطن. اعتمدت مليكة نجيب في قصتها الثالثة (الفتنة أشد ) على تقنية المفارقة، ففي عصر الإميل والتقنية الرقمية، يجد السارد نفسه مجبرا على امتطاء الحمار للوصول إلى مسقط الرأس لانتزاع ورقة إدارية، هذه القصة تنتج معرفة دقيقة بالمكونات الإثنية في القرية المغربية، كما يمكن اعتبارها حوارا أصيلا مع النصوص التي تستلهم سؤال الأصالة والمعاصرة، وأخص بالذكر قصة/ رواية (قنديل أم هاشم). غمست مليكة نجيب بطلتها في مدارات الاغتراب في قصة (وانفجرت ضاحكة)، وقامت بتوصيف شعري مليء بالبياضات، الكاتبة سافرت إلى باريس لتسلم جائزتها، متوقعة عند لحظات استرجاع وتأمل للانكسارات الذاتية والموضوعية انتابت الكاتبة عند تسلم الجائزة، كما لاننسى استعراض مليكة نجيب قدرتها على الإلمام بتقنية الميتانص(الكتابة داخل الكتابة)، وإذ تفرد فقرات مكثفة لوصف مخاضات الإبداع. في نصها الخامس (فلم يبق إلا صورة اللحم والدم)، التقطت مليكة نجيب سمات التحول الذي تعيشها المدينة المغربية من خلال رصد وقائع متوترة في مستشفى مغربي، استهدفت مليكة نجيب من خلال هذا الرصد أنسنة القبح من خلال لغة مترفة بالشعرية. وصفوة القول نستعرضها من خلال الاتفاق مع كلام ناشر المجموعة: تواصل مليكة نجيب مغامراتها الممتعة مع القصة القصيرة بنفس مغربي وروح ثائرة ومتطلعة إلى بناء أدراج من المعاني ضمن ستة طوابق من التخييل وست قصص تقول حكايات ممعنة في تفتيت البديهي، فهي تمضي «ردحا من الزمن في خلق الأفكار وتنقيحها حتى تخصب وتينع». نفس مجدد ولغات تبحث عن أصوات تقودها للحكاية.. تلك هي مسارات قصص هذه المجموعة: مروض الحلزون، الأسيرة، الفتنة أشد، وانفجرت ضاحكة، فلم يبق إلا صورة اللحم والدم، محال أن تشرق الشمس.