خاضت الفيدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل مسيرة وطنية احتجاجية يوم الأحد الفارط (27 ماي 2012) بعد المبادرة الرمزية التي تجلت في تبادل الحضور بين الطرفين خلال الاحتفالات بالعيد الأممي العمالي والإشارات التي تضمنتها خطابات المركزيتين خلال هذا اليوم. والحقيقة أن هذه الخطوة الرائعة تعتبر حدثا استثنائيا سيكون له ما بعده، ذلك أن حسن التدبير وبعد النظر والحس الاجتماعي والسياسي والاستراتيجي كلها عناصر ستمكن لا محالة من توحيد جهود المركزيتين كقوة في النسيج الاجتماعي الوطني، كما ستوطد العلاقة بين قوى اليسار على أساس أرضية مشتركة تجعل من المسألة الاجتماعية أحد محاورها الأساسية. إن الدوافع الأساسية التي تفسر هذا التنسيق تكمن في العناصر التالية: 1 - استمرار تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الدولية، خاصة في منطقة الأورو، الشريك التجاري الأول لبلادنا، حيث من المتوقع ألا يتجاوز معدل النمو في هذه المنطقة 0,5 في المائة سنة 2012. إذن، يتضح، بشكل جلي، أن هذه الأزمة الدولية ستكون لها انعكاساتها السلبية على مجموعة من القطاعات على المستوى الوطني، خصوصا القطاعات التصديرية والسياحة والاستثمارات الخارجية المباشرة ووضعية المهاجرين، سواء على مستوى الاستقرار الوظيفي أو على المستوى المادي. وهي انعكاسات ستكون لها آثارها على دينامية الاقتصاد الوطني، سواء على مستوى خلق فرص الشغل أو على مستوى النمو الاقتصادي الذي لن يتجاوز هذه السنة في أحسن الأحوال 3 في المائة بدل 7 في المائة التي بشر بها حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة و5 في المائة التي أعلن عنها التصريح الحكومي و4,2 في المائة التي أتى بها القانون المالي لهذه السنة؛ 2 - إقرار دستور جديد يهتم بأدوار النقابات في التأطير والاحتجاج والمساهمة في الديمقراطيتين التمثيلية والتشاركية وانبثاق حكومة محافظة عن انتخابات تشريعية سابقة لأوانها قلبت كل الرهانات كنتيجة معاكسة للتراكمات الديمقراطية ولمطالب حركة 20 فبراير ذات النفس التقدمي؛ 3 - تصريح (وليس برنامج) حكومي لم يعكس مضامين البرامج الانتخابية للتحالف الحكومي، حيث لم يتم إيلاء المسألة الاجتماعية المكانة اللازمة، كما أنه لم يتم الإفصاح عن استراتجية مدققة وشمولية لمحاربة الفساد والتقليص من الفوارق الاجتماعية، كما أن القانون المالي لم يأخذ بعين الاعتبار كل هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وجاء مخيبا لآمال الطبقة العاملة في تحسين أوضاعها المادية والمعنوية، بل قامت الحكومة ببذل كل الجهود لرفض التعديل المتعلق بإقرار ضريبة على الثروة الذي قدمه الفريق الفيدرالي، مما يبين أحادية التوجه الحكومي والاكتفاء برفع شعارات للاستهلاك الإعلامي فقط؛ 4 - جعل المقاربة الأمنية من أولويات الحكومة على حساب المقاربة الاجتماعية، حيث لاحظنا هجوما على الحريات النقابية في العديد من القطاعات والمؤسسات وتلويحا لمجموعة من الوزراء بالاقتطاع من أجور المضربين وإعطاء الأهمية فقط لمشروع القانون التنظيمي للإضراب والالتفاف على مجموعة من الملفات ذات الأولوية؛ 5 - التآكل التدريجي لمسلسل الحوار الاجتماعي دون أفق واضح، حيث تبحث الحكومة عن الالتفاف على تطبيق ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، ذلك أننا عشنا العيد العمالي لهذه السنة دون مكاسب تذكر، فالحكومة الحالية لا تتوفر على الإرادة السياسية لتفعيل مجموعة من بنود هذا الاتفاق، حيث نذكر -مثلا- التصديق على الاتفاقية الدولية رقم 87 المتعلقة بالحريات النقابية وحذف الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يحاكم بمقتضاه المسؤولون النقابيون بدعوى عرقلة حرية العمل، وهذه مكاسب لا تحتاج إلى موارد مالية. لن نتحدث عن الرفع من الحد الأدنى للأجر إلى 3.000 درهم شهريا والرفع من الحد الأدنى للمعاش إلى 1.500 درهم شهريا وإقرار العدالة الجبائية والتي لاكتها الألسن في الحكومة، فلا حديث عنها بل لقد أصبحت في مهب الريح. إن الفيدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل تؤكدان رفضهما: - لأي تأويل لتنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل؛ - ولأي التفاف على مأسسة الحوار الاجتماعي؛ - ولأي مس بالحريات النقابية كما هي متعارف عليها؛ - ولأي قرارات تتم من خارج آليات الحوار والتوافق بين الأطراف. لكل هذا تم تنظيم الاحتجاج يوم الأحد الماضي: - من أجل إثارة انتباه الحكومة إلى الوضعية الاجتماعية المتأزمة للشغيلة المغربية نتيجة غياب إرادة سياسية للتعامل الجدي والمسؤول مع الملفات الاجتماعية المطروحة؛ - لأن القانون المالي لم يستجب للحد الأدنى لانتظارات الشغيلة المغربية؛ - ضد المس بالحريات والحقوق النقابية في العديد من القطاعات والمؤسسات. والمؤمل توسيع الجبهة الاجتماعية من أجل تلبية انتظارات الشغيلة والرقي ببلادنا إلى المستوى اللائق بها على المستوى الاجتماعي.