في مباراة أشبه بنهائي كأس نجح فريق المغرب التطواني في إحراز أول لقب للبطولة في تاريخه، إثر تفوقه على الفتح الرباطي، بعقر داره بهدف لصفر. عندما أسكن عبد الكريم بنهنية هدف الفوز في مرمى الفتح الرباطي، كان كمن يسكن غصة في قلوب الفتحيين، فالهدف سهل مهمة المغرب التطواني في ما تبقى من دقائق المباراة، التي مرت سريعة على الفتحيين وثقيلة على التطوانيين، قبل أن ينهي الحكم بوشعيب لحرش المباراة النهائية بإعلان المغرب التطواني بطلا للمغرب. لم يكد الحكم بوشعيب لحرش يطلق صافرة نهاية مباراة الفتح الرباطي والمغرب التطواني، حتى عمت فرحة هيستيرية لاعبي ومسؤولي الفريق التطواني احتفالا بأول لقب للبطولة في تاريخ الفريق. ظل اللاعبون ينطون فرحا، بينما لم تسع أرضية الملعب بما رحبت المدرب عزيز العامري الذي التحف بالعلم الوطني، وظل يطوف أرضية الملعب تحت عاصفة من تصفيقات الجمهور التطواني الذي حج بكثافة إلى مدينة الرباط، لمتابعة أهم مباراة في تاريخ الفريق. جمهور تطوان «يحتل» الرباط لم يكن أول أمس الإثنين، مثل بقية أيام مدينة الرباط، فمنذ ساعات الصباح الأولى بدأ الجمهور التطواني في التوافد بكثافة على العاصمة لمتابعة المباراة، وظل يصنع الاحتفالية، ويرفع شعارات النصر، في الوقت الذي كان يرد عليهم بعض أنصار الفتح بالقول: «البطولة رباطية». الساعة 18:30، وقبل نصف ساعة على انطلاقة المباراة، حركة المرور تكاد تختنق عند مدخل مدينة الرباط.. مشجعون يطلقون العنان لأبواق سياراتهم من أجل فك الحصار والوصول إلى الملعب. شرطي مرور يتدخل لتنظيم حركة السير، ثم يدوس السائقون على الدواسات للوصول إلى موقف السيارات المتواجد بمحيط الملعب. الطريق إلى الملعب لم يكن سالكا، فالأمواج البشرية التي تقاطرت صعبت مهمة الولوج إليه. على مقربة من ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، ظلت أصوات تشجيعات الجمهور وهتافاتهم تشق السمع، في الوقت الذي كان فيه مجموعة من المشجعين يسابقون الزمن من أجل الحصول على مقعد في المدرجات. بداخل الملعب بدا الحضور الجماهيري كبيرا، إنه أكبر عدد للجمهور يتابع مباراة للفتح هذا الموسم، فالفريق برغم تنافسه على اللقب، إلا أنه ظل يخوض مبارياته في غياب الجمهور. الجهة اليمنى من الملعب خصصت للجمهور الذي يساند الفتح الرباطي، بينما الجهة اليمنى خصصت لجمهور المغرب التطواني، في وقت وحد اللون الأحمر مشجعي الفريقين. اضطر مسؤولو الفريق الرباطي إلى الاستعانة بلاعبي مختلف فئات فروع الفريق من أجل ضمان حضور جماهيري كبير، لذلك لوحظ وجود لافتات مساندة لفروع الكرة الطائرة والسلة والكرة الطاولة، كما تم توزيع مجموعة من التذاكر بالمجان، في وقت لم يتردد فيه مناصرون للجيش الملكي، وهم يرتدون قميص الفريق العسكري، في مساندة الفتح. غريب في الدار راهن المكتب المسير للفتح على ضمان حضور جماهيري كبير لمساندة الفريق وربح مباراة الجمهور، في انتظار أن يفوز اللاعبون بمباراة الملعب، لكن الجهة اليسرى من الملعب، كشفت أن الفريق التطواني ربح مباراة الجمهور، فمشجعوه توافدوا بالآلاف على ملعب الأمير مولاي عبد الله وملؤوا الجهة المخصصة لهم التي اكتظت بالجمهور، الذي لم يتوقف عن التشجيع طيلة دقائق المباراة، وبدا كما لو أن الفتح أشبه بغريب في داره، وأن الفريق الرباطي يخوض المباراة في ملعب سانية الرمل بتطوان، وليس ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط. لم يكن من خيار أمام الفتح الرباطي لإحراز لقب البطولة المغربية، ودخول سجل المتوجين باللقب، إلا الحصول على نقاط الفوز، حتى يعتلي الصدارة ويزيح الفريق التطواني من طريقه. فقبل هذه المباراة كان في رصيد الفتح 57 نقطة، بينما يتوفر المغرب التطواني على 58 نقطة، بفارق نقطة واحدة. أما المغرب التطواني الذي جاء إلى الرباط، وهو يراهن على التتويج، فإنه دخل المباراة بخياري الفوز أو التعادل لحسم اللقب. وفي الوقت الذي لاح فيه منذ البداية أن المدرب جمال السلامي أوصى لاعبيه بتكثيف الضغط على مرمى المغرب التطواني للحصول على هدف يضع الفريق في المقدمة ويعقد مهمة التطوانيين، فإن عزيز العامري، مدرب المغرب التطواني، طلب من لاعبيه، أن يحافظوا على أسلوب لعبهم، دون ركون كلي إلى الدفاع، والمجازفة بتلقي هدف، ودون إفراط في الهجوم وترك مساحات في الدفاع. مناورات فتحية ظل الفريق الرباطي، يصنع اللعب، ويبحث عن منفذ لمرمى الحارس عزيز الكيناني الذي تألق بشكل لافت في المباراة، بينما بقي الفريق التطواني وفيا لنهجه، وبدا كمن يبحث عن فرصة لخطف هدف قاتل. أتيحت فرصة سانحة لمهاجم الفتح الرباطي ابراهيم البحري في الدقيقة 11، إثر ضربة ركنية نفذها محمد أمين البقالي، قبل أن يرد عليه عبد الكريم بنهنية في الدقيقة 15 بتسديدة مرت جانبية لمرمى الحارس عصام بادة، أثارت غضب عزيز العامري الذي طالب لاعبه بدقة وقوة أكبر في التسديد. لم يكن أداء الفريقين في الجولة الأولى عند أفق انتظار الجمهور الحاضر، فقد طغى الحذر والخوف من تلقي هدف على أدائهما. استنفذت الجولة الأولى دقائقها على إيقاع تعادل بدون أهداف، وكان على الفريقين أن ينتظرا الجولة الثانية لحسم مصير لقب أول بطولة «احترافية». الثعلب الذي يظهر ويختفي في ما بين شوطي المباراة، ظل أفراد الجمهور والصحفيين يثيرون النقاش حول المباراة، ويرسمون سيناريوهاتها، قال مشجع فتحي إن «أشبال السلامي بمقدورهم تحقيق الفوز ولو في اللحظات الأخيرة من المباراة»، بينما قال أحد الصحفيين إن المغرب التطواني لن يفرط في اللقب وأنه إذا واصل بنفس الأداء سيتوج بطلا، بل وسينهي المباراة فائزا. بدا عبد الكريم بنهنية، لاعب المغرب التطواني أشبه بثعلب محمد الزفزاف الذي يظهر ويختفي، فقد كان قريبا من الإحراز في الجولة الأولى في مناسبتين، وكان مصدر خطر حقيقي على دفاع الفريق الرباطي، فبسرعته وحسن تموضعه في أرضية الملعب، اتضح أنه قريب من إحراز الهدف. ولأن الثالثة ثابتة، فقد نجح بنهنية، من مجهود فردي في مربع عمليات الفريق الرباطي بعد أربع دقائق على انطلاقة الشوط الثاني في إحراز هدف التقدم للفريق التطواني، من تسديدة لم تترك أية فرصة للحارس عصام بادة لصدها. اشتعلت المدرجات في نصف الملعب المخصص لجمهور المغرب التطواني، وبدا اللاعب بنهنية كما لو أنه يود أن يطير فرحا بهدف التعادل، في الوقت الذي أشعل فيه جمهور المغرب التطواني الشهب النارية. أما مدرجات جمهور الفتح، فقد عمها صمت رهيب، وكأن مشجعيه أدركوا أن اللقب سيطير إلى مدينة تطوان. أربك هدف بنهنية حسابات الفتح الرباطي، الذي كان يراهن على خطف هدف قاتل في أي لحظة من المباراة، لذلك دفع جمال السلامي بجميع أوراقه الهجومية، بل إنه أشرك المدافع محمد بنشريفة العائد من الإصابة بأمل الحصول على ضربات خطأ يتولى تسديدها، لكن مهمة الفتح ستزداد صعوبة عقب طرد لاعبه درامي أندري، بل إن مجموعة من أفراد جمهوره غادروا المدرجات قبل إعلان الحكم عن نهاية المباراة. ذهبت كل المحاولات التي خلقها فريق الفتح أدراج الرياح، بل إن الحارس عزيز الكيناني تألق بشكل لافت للأنظار، ووقف سدا منيعا أمام هجمات لاعبي الفتح الرباطي. صخب وفرحة ما إن أعلن الحكم بوشعيب لحرش عن نهاية المباراة، حتى بدأت احتفالات الجمهور التطواني ولاعبيه. طاف اللاعبون أرضية الملعب وتقاسموا وأفراد جمهورهم فرحة اللقب، أما المدرب عزيز العامري فالتحف بالعلم الوطني وهو يحيي الجمهور التطواني الذي لم يتردد في الإشادة به واعتباره صانعا للتتويج، في الوقت الذي رفع فيه اللاعبون لوحة تضم صورة للعامري، تحمل عبارة «شكرا العامري». أما عبد المالك أبرون، رئيس المغرب التطواني فقد تحول إلى ما يشبه العريس، وهو يتلقى التهاني من الجمهور والمسيرين وبعض أعضاء المكتب الجامعي. روح رياضية رغم هزيمة فريقه وتضييعه للقب البطولة الوطنية، أصر جمال السلامي على تهنئة عزيز العامري وفريق المغرب التطواني باللقب الذي أحرزه معتبرا إياه مستحقا، كما أصر على التوجه إلى مستودع ملابس الحكام لتهنئتهم على أدائهم الذي وصفه بالمتميز، بل وأشاد بأدائهم في الندوة الصحفية التي أعقبت المباراة. أما لاعبو الفتح الذين غادروا الملعب تحت تصفيقات الجمهور، فلم يفوتوا الفرصة دون أن يتبادلوا التحية مع لاعبي المغرب التطواني، بل ويتوجهوا للسلام عليهم وتهنئتهم باللقب. بدت اللقطة مثيرة للإعجاب، في الوقت الذي علق فيه أحدهم على أن ذلك لا يحدث إلا في الملاعب الأوربية، متمنيا أن يتكرر الأمر بشكل دائم في الملاعب المغربية وفي جميع المنافسات. لم يكتف السلامي بإظهار روحه الرياضية، بل إنه كعادته حضر قاعة الندوة الصحفية، وحافظ على ابتسامته وهو جيب عن أسئلة الصحفيين، في الوقت الذي لم يحضر فيه عزيز العامري المتوج باللقب، مما دفع أحد الصحفيين إلى القول:» يبدو أن فرحة اللقب أنست العامري الحديث إلى الصحافة». في حفل توزيع درع البطولة، لم يظهر لعلي الفاسي الفهري، رئيس جامعة الكرة أي أثر، فقد فضل الرجل عدم المجئ إلى الملعب ومتابعة المباراة عبر شاشة التلفزة، في الوقت الذي سجل فيه محمد أوزين وزير الشباب والرياضة حضوره، وسلم الدرع للفائز. لم تنم مدينة تطوان عقب دخول فريقها تاريخ البطولة، واحتفلت جماهيرها حتى الصباح، وهي تردد « مبروك علينا هذي البداية مازال، مازال»، أما عزيز العامري فإن لسان حاله ظل يقول إن القادم سيكون أصعب.