لو كان عندنا تلفزيون حقيقي، لتم تقديم برامج سجالية حقيقية هذه الأيام، وذلك عبر استضافة برلمانيين وسياسيين وزعماء أحزاب لكي يتحدثوا عن هذه القضية، التي تشغل الجميع، قضية محاربة الفساد. ففي المدة الأخيرة، صارت جميع الأحزاب تطالب بمحاربة قوية للفساد، ولو أننا عدنا إلى طريقة نشأة وترعرع هذه الأحزاب، لوجدنا أنها نشأت من الفساد ونامت في حضنه. هناك برلمانيون لا يفرقون بين كلمة «أوراش» وكلمة «أرواش»، ومع ذلك يتناولون الكلمة في البرلمان ويشاهدهم المغاربة مباشرة على التلفزيون وهم ينددون بالفساد ويستنكرون اقتصاد الريع، مع أنه لولا الفساد لما وصل أمثال أولئك البرلمانيين إلى مكان يتم فيه تمثيل شعب وأمة. لهذه الأسباب، كان بإمكان التلفزيون أن يحقق هذه الأيام نسب مشاهدة قياسية لو أن مسؤوليه كانوا أذكياء كفاية، وقرروا إنتاج برامج سجالية حول موضوع الفساد. فالمغاربة يعرفون أن هناك أرشيفا كبيرا وخطيرا في أقبية التلفزيون، وهذا الأرشيف يظهر فيه زعماء أحزاب «الكوكوت مينوت» في العقود الماضية، وهم يقفون بالمرصاد لكل محاولة لمحاربة الفساد، وهناك زعماء أحزاب أخذوا حصتهم كاملة غير ناقصة من كعكة الفساد، وملفات وزارة الداخلية تضم كل زعماء الورق وسياسيي المصالح، الذين نهلوا من الفساد حتى أصيبوا بالتخمة، ومع ذلك، فإن نفس تلك الأحزاب، التي غرقت في وحل الفساد، هي نفسها التي تنادي اليوم بمحاربة الفساد. الحقيقة أنه لا أحد يعرف لماذا يصلح التلفزيون إذا لم يستغل الفرصة في هذه الأيام التاريخية لكي يضع النقاط على الحروف. لكن من الأكيد أن هذا التلفزيون المريض لن يفعلها اليوم ولا غدا، لذلك لا أحد يفهم لماذا يستمر المغاربة في دفع الضرائب لتلفزيون لا يمثلهم بالمرة، تلفزيون يحب ممارسة لعبة النعامة في أكثر الأوقات حرجا وحساسية، تلفزيون يتلهى مسؤولوه بحفر الحفر لدعاة الإصلاح عوض أن يساهموا في الدفع بهذه البلاد إلى الأمام، لأنه لا يمكن لبلد أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام في غياب إعلام حر وحقيقي.