دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوذنيب.. هنا يرقد جثمان الجنرال أوفقير
تحولت من مركز إداري يتحكم في مكناس إلى مدينة طالها النسيان
نشر في المساء يوم 28 - 05 - 2012

بأي ذنب حولت مدينة بوذنيب من مركز إداري وقضائي وعسكري إلى مدينة تئن تحت وطأة الإهمال والنسيان، والذي يبدو واضحا لكل وافد على المدينة؟..
مآثر تاريخية وبنايات أضحت أطلالا تؤرخ لمرحلة من الزمن مرت..
مدينة شهدت احتجاجات بتأطير من المجتمع المدني، بعدما سئم سكانها من الانتظار، سطروا مطالبهم ضمن مذكرة مطلبية كتب على غلافها «جمعيات وفعاليات المجتمع المدني في بوذنيب تنتفض»، «مدينة بوذنيب: المجال والإنسان واقع التهميش ومتطلبات التجاوز والإنقاذ».
احتجاجات خفتت مؤخرا لمنح عامل الإقليم الجديد بعض الوقت لكي يطلع على مطالب الساكنة، من جديد، لعله يدفع بها بعد ركودها، على حد تعبير أحد سكان المدينة.
منزل «الباشا أوفقير»
في حومة تسمى «طابك الكلب»، يقع منزل «الباشا أوفقير»، وهو منزل والد الجنرال: بناية متهالكة أقفل بابها الخشبي بقفل من حديد. عندما تحاول استراق النظر إلى الداخل من بعض الثقوب، لا يظهر سوى «الطوب».. هناك جيران للبناية الآيلة للسقوط، لكنهم لم يعيشوا تاريخ صاحبها، يعرفون فقط أن المنزل يعود إلى أوفقير -الأب، والد الجينرال، الذي استقدمت جثته إلى المدينة ليوارى فيها الثرى.
تصنف جمعيات المجتمع المدني منزل «الباشا أوفقير» ضمن البنايات الآيلة للسقوط، والتي تطالب بمعالجة ملفها. كتبت على صورة له في مذكرتها المطلبية عبارة «منزل الباشا أوفقير: ثقل سياسي وتشويه وخطر عمراني».
ليس «منزل الباشا أوفقير» وحده الآيل للسقوط، فحتى المركز القيادي للمقيم العام الفرنسي كان الاختلاف حول جدوى استمراره، وكان هناك من يقترحون هدمه بالمرة، لأنه آيل للسقوط، بينما هناك من عارضوا ذلك بمبرر أنه يدخل ضمن المآثر التاريخية للمدينة.
يشعرك الدخول إلى مركز المقيم العام، أو كما يسميه السكان «la redoute» بالغثيان، لأنه أصبح مرحاضا عموميا مفتوحا، بعدما تحول إلى مأولى للمتسعكين وإلى مكان لرمي الأزبال والفضلات..
يحكي مولاي العربي بنشريف، وهو رجل مسن عاش تلك اللحظة التاريخية، عما يعرفه عن أوفقير، قائلا إنه «كان «قبطان» في الجيش الفرنسي، وبعد الاستقلال، عمل سائقا للملك الراحل محمد الخامس، وفي عهد الحسن الثاني كان ضمن الجيش وتقلد مسؤوليات كبيرة، ويتذكر أنه في سنة 1965، قدِم الجنرال محمد أوفقير، رفقة الملك الراحل الحسن الثاني لتدشين مسجد القاضي عياض، وحينها، طلب محمد بلحسن من الملك الحسن الثاني أن «يعتني» بأوفقير، فأجابه الحسن الثاني قائلا: «إنه ابن الدار»...
بعدها، تناهي إلى علم الساكنة، يضيف بنشريف، أن أوفقير مات محاربا، ليتردد خبر انتحاره بعدها. وحين أن تم استقدام جثمانه، هب عدد من الساكنة للمشاركة في الدفن، ولكنهم حين علموا أنه «خائن» انفضّوا ولم يشارك في تشييع جنازته إلا عدد قليل من الناس..
لا يمكن أن تجد أحدا من سكان بوذنيب لا يتبرأ مما فعله أوفيقر، فهو «خائن للوطن»، يقول مولاي العربي بنشريف، كما أنهم يصنفونه ضمن خانة «الدخلاء على المدينة»، لأن أصله من «عين الشعير» ويعتبرون أن دفنه في المدينة كان بسبب وجود مقر إقامة عائلته هناك لا غير، وقد كان والده يعمل باشا لدى سلطات الاستعمار وكان صوفيا، وبعد الاستقلال، أصبح باشا لدى السلطات المغربية.
مواقف حرجة
في مقبرة قيل لنا إنها لعائلة تدعى «المرابط» يوجد قبر الجنرال محمد أوفقير داخل قبة بسيطة تشبه في شكلها قبة ضريح «وليّ» من الأولياء.. غير أنه لم تحفظ حرمتها بسبب وجود بعض من النجاسة..
مقبرة لم تعد تستقبل الموتى وتقع في قصر «بودنيب». وحسب محمد مولاي رشيد، رئيس جمعية قصر بوذنيب لحفظ الذاكرة والتنمية الاجتماعية، فإن والد أوفقير كان يشغل منصب «باشا» وكان يبسط سلطته على مدينة بوذنيب، وعندما توفي الجنرال أوفقير، تم استقدام نعشه ليدفن هناك بسبب وجود منزل والديهب في المدينة، وإن كانت لا تربطه أي علاقة بها، لأن مسقط رأسه هو «عين الشعير»، وفق ما أفاد به محمد مولاي رشيد «المساء».
رغم أنهم يتبرؤون مما فعله الجنرال أوفقير، فقد كان عدد من سكان المدينة يتحاشَون ذكر أصلهم ومسقط رأسهم، تجنبا لتعرضهم لمواقف حرجة في بعض الحالات. يحكي أحد السكان ما وقع له ذات مرة بمدينة الدار البيضاء.. أثناء تجوله فيها على متن سيارته، استوقفه رجل أمن وطلب منه وثائقه فمنحه إياها، وبعد اطّلاع الأخير عليها، سأله قائلا: «هل أنت من بلاد أوفقير؟».. ليرد عليه: «لا، سيدي، إن مدينة بوذنيب ليست مدينة الجنرال أوفقير، بل إن علاقتنا به هو وجود قبره هناك لا غير»..
مشاهد تتكرر كثيرا، وهو ما يعبر عن ضعف الوعي لدى عدد من الناس، حسب المتحدث ذاته.
إقصاء من المصالحة
لقد كانت بودنيب مركزا إداريا وقضائيا وعسكريا، كانت أوامر الاستعمار تصدر من مدينة بودنيب إلى مدينة مكناس، وكانت هناك سينما وحافلات «الساتيام». لكن الأمور تغيرت كثيرا بين الأمس واليوم.
صارت المدينة حاليا تعيش ما يمكن وصفه بأنه «عقوبة موقوفة التنفيذ»، هكذا وصف مولاي العلوي بن الشريف وضع مدينة بوذنيب. ويتحسر المتحدث على الماضي المجيد لمدينته، ويتأسف على أنها كيف أنها كانت مركز القرارات الإدارية والقضائية، بل وكانت مدينة مكناس تابعة لها..
قال بن الشريف، وهو يشير إلى أماكن تحولت إلى آثار: «في بوذنيب كان هناك سوق للسيارات، وكانت هنا فنادق مجهزة وكان هنا مطار وغير ذلك من المرافق».
لم تستفد المدينة من برنامج جبر الضرر الجماعي مثل فكيك وكرامة، فإذا كان المعتقلون لأسباب سياسية لا يتحدرون من بوذنيب أو لم يقدم بعضهم ملفاته أثناء عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن محمد المرابط، عضو تنسيقية جمعيات المجتمع المدني، يعتبر أن وجود قبر أوفقير جر على المدينة وبالا كبيرا.
ويرى محمد المرابط أن معايير «مسقط رأس أوفقير» أو المدينة التي يوجد فيها قبره لم تدرج ضمن مؤشرات توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وهذا خطأ، لأن السكان يتبرؤون مما فعله أوفقير ولا علاقة لهم بذلك، ولكنهم عانوا بسبب ذلك.. ويصر المرابط على أنه ما دام هناك عقاب جماعي فقد كان أولى أن يكون جبر الضرر جماعيا، أيضا..
«سلطة» عائلة أوفقير
كان مجرد ذكر اسم «أوفقير» من طرف أحد حامليه كفيلا بأن يجعل من يسمعه يحسب له ألف حساب.. لأن «أوفقير» كانت الأسرة المسيّرة لشؤون الجنوب الشرقي من المملكة كلها.. لقد كان له ثلاثة إخوة، هم مولاي عمر ومولاي المهدي ومولاي الحسن، وكانوا على رأس هرم السلطة في كل من بوعنان وبوذنيب وبوعرفة، حسب العماري كراززي، المتقاعد في القوات المساعدة، الذي يحكي كيف أن الجنرال أوفقير كان يسعى إلى أن تتبع قبيلة «ذوي منيع»، في «عين الشواطر» إلى «عين الشعير»، غير أن وجود ظهير للراحل محمد الخامس حول هذه القبلية كان يقف سدا منيعا أمام ذلك.
لهذا الرجل حكاية مع التاريخ، فهو من بين المشاركين في القبض، في سنة 1963، على الرئيس المصري، المخلوع مؤخرا، حسني مبارك أثناء «حرب الرمال»، عندما ساند جمال عبد الناصر الرئيس الجزائري بن بلة في حربه ضد المغرب.. يقول كرزازي: «هبطت مروحية عسكرية وشرع أصحابها يسألون هل هذه هي العبادلة؟.. وكانت الطائرة تحمل، إلى جانب مصريين، مسؤولا عسكريا جزائريا، سبق أن التقاه المسؤول عن مكتب القوات المساعدة في عين الشواطر، ويدعى يوسف جباري، فتم اعتقالهم جميعا».
أعطى الجنرال أوفقير، وقتها، أوامره بإحضارهم إلى مدينة مراكش ليُرحَّلوا إلى الرباط، ليُسلّمهم الراحل الحسن الثاني إلى رئيسهم جمال عبد الناصر.
جعل هذا الحادث الجنرال أوفقير يفتخر بقبيلته لدى الملك الراحل الحسن الثاني ويخبره أن قبيلته هي التي ألقت القبض عليهم، في حين أن القوات المساعدة في «عين الشواطر» هي من كانت وراء ذلك، حسب كرزازي.
بول باسكون وسد بوذنيب
ترى جمعيات المجتمع المدني أنْ لا مخرج لبوذنيب من وضعها إلا ب»جبر الضرر الجماعي»، إجراء يحيل على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي أتمت عملها ولم تشمل توصياتها مدينة بوذنيب، لعدم توفرها على المعايير التي سُطِّرت، والتي تتمثل أساسا في أن تكون المنطقة قد شهدت أحداث عنف أو فيها معتقل سري وتعرضت إثر ذلك للتهميش، غير أن عددا من سكان المدينة يرون أن مدينتهم تعرضت لعقاب جماعي بسبب وجود قبر الجنرال أوفقير في مدينتهم.
وتطالب الجمعيات بإحداث عمالة في «حوض كير»، عمالتها بوذنيب وكذا بتنمية الشريط الحدودي المحاذي للجزائر. كما يدْعون إلى التمييز الإيجابي لمنطقة بوذنيب وتبويئها مكانة خاصة في مشروع الجهوية الموسعة وفي البرنامج الحكومي، وباستفادتها من صندوق التضامن بين الجهات وصندوق التنمية الاجتماعية، إضافة إحداث وكالة «حوض كير» ودعم النسيج الاقتصادي والرفع من مستوى عيش الساكنة وتأهيل المجال الحضاري للرفع من تنافسيته وتحسين أدائه وتقوية قدراته على استقبال الاستثمار والمشاريع التنموية ودعم الكفاءات المحلية وتنمية الموارد البشرية الذاتية للجماعة وتقوية الحكامة.
تفسيرات العقاب الجماعي لا يراها مسؤول محلي في مدينة بوذنيب تفسيرا صحيحا، لأنه يعتبر أن الدخول الرسمي للملك محمد السادس إلى هذه المدينة سنة 2009 يضع حدا لكل التأويلات التي تصنف أي مدينة على أنها ضمن المدن «المغضوب عليها»، ودليله في ذلك أن المدينة تعرف عدة مشاريع وبرامج، غير أن سكان المدينة يرون أن هذه المشاريع قد تعثرت وأنها أصبحت استعجالية، خصوصا أن مدينتهم طالها النسيان والإهمال وأصبح سكانها «يحلمون» فقط بالتوفر على الواد الحار.. بعدما ودعت مدينتهم مرافق كثيرة متقدمة. كما يأمل السكان بناء سد، وهو مشروع مُؤجَّل منذ عهد الاستعمار.. ولعل ما يبين ذلك حديث عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بول باسكون، الذي عاش في المغرب، حول هذا السد، حيث قال إنه «غداة الحرب، كُلِّف أبي ببناء سد على «وادي كير»، إلا أن الدراسات حول الموضوع سرعان ما توقفت بناء على طلب من السلطات الفرنسية في الجزائر، بسبب المخاطر التي يحملها السد بالنسبة إلى سقي توات وتيديكلت.. وهكذا عشت في بوذنيب وتافيلالت».


بوذنيب.. عراقة التاريخ
تقع مدينة بوذنيب في شرق مدينة الراشدية، وتبعد عنها بحوالي 90 كيلومترا. يبلغ عدد سكانها حوالي 9867 نسمة، وفق إحصاء سنة 2004، وتعتمد في فلاحتها على المزروعات المعشية الاستهلاكية.
وتشكل المدينة منطقة إستراتيجة ومركزا سياسيا يطل على الجزائر شرقا وينفتح على سائر المنطقة في المغرب، وتوجد فيها العديد من المآثر التاريخية الشاهدة على ذلك التاريخ، ومن من أقدم القصور في بوذنيب قصر «تازوكارت»، ثم قصر بوذنيب، الذي بنيت فيه أطول صومعة ما زالت شامخة إلى اليوم، وتعود إلى نهاية القرن ال19 (ما بين 1880 و1890). وعلاوة على ذلك، فإن منطقة بوذنيب التاريخية شهدت عددا من المعارك كان أشهرها معركة «أورير»، التي وقعت على واد «أورير»، أحد الروافد المهمة لواد كير عند الطريق المؤدية إلى قصر أولاد علي أو ما يصطلح عليه ب»راس الماء»، وقد وقعت هذه المعركة عندما حاول الفرنسيون في أول خطوة لهم الدخول إلى المغرب.
وتضم المدينة عددا من المآثر التاريخية التي تعود إلى عهد الاستعمار، ومنها مركز قيادي للمقيم العام الفرنسي ومطار كانت تحط به الطائرات الحربية والمدنية الصغيرة والمتوسطة، ومتجر للسيارات الجديدة، من نوع «سيتروين»، ومستشفى عسكري يعود إلى سنة 1921 كانت تقام فيه عمليات جراحية، والذي اعتُمِد، بعد ذلك، كمدرسة سنة 1944 ودار للسينما في أواخر الأربعينيات وقصور قديمة مهجورة (الجرعان، قدوسة، تازوكارت والسهلي).
وقد تعددت الروايات الشفوية حول أصل تسمية «بوذنيب» بهذه التسمية، فهناك نظريتان هما الأقرب الى الصواب، وفق معطيات حصلت عليها «المساء» من تنسيقية المجتمع المدني في بوذنيب، أولاها تقول إن هذه المنطقة كانت عبارة عن واحات على ضفاف وادي كير، الذي ينبع من الأطلس الكبير، في شمال «كرامة» ويمتد على مسافة تقدر ب187 كيلومترا حتى المصب في نقطة التقائه، في «واد زلمو». ويعود أصل التسمية إلى كون الذين يمرون من هذه المنطقة كانوا «يذنبون»، أي يغيرون الطريق من منطقة بوجنيبة (تيزي نتلغمت) حاليا ويمرون عبر ضفاف كير، ومعنى «يذنيون» أنهم يخرجون عن الطريق المعتادة ويغيرونها بطريق أخرى، فيقولون «نذنب على كير» واستمر القول كذلك حتى سموا المدينة «بوذنيب».
وهناك رواية أخرى تفيد أن سبب تسمية بوذنيب بهذا الاسم يعود إلى كون الشائع في شياع عهد الدولة المرينية، التي ظهرت في الجنوب الشرقي بين المغرب والجزائر، وكان زعيمها، أبو عنان المريني، أشهر ملوك الدولة المرينية، يملك جيشا جرارا كانت مقدمة جيشه في بوعنان ومؤخرته في بوذنيب، وكأن الملك يمتطي فرسا عنانه أي لجامه في بوعنان وذنبه في بوذنيب.. كناية على عدد عناصر الجيش التي كانت في عهده.. ولعل كلمة «بوذنيب» أتت من ذنب فرسه، أي مؤخرته، بل مؤخرة الجيش..
ترجع فيما رواية أخرى أصل التسمية إلى كونها جاءت نتيجة امتداد خط «تلال» إلى الجنوب منها على شكل ذنب... يتصل مباشرة بهضبة كبيرة (جبال اولاد علي) وكان يعيش في المنطقة حيوان فريد له ذنب طويل، سمي آنذاك ب«أبو ذنب».



بوذنيب وعين الشعير لا «تستجيبان» لمعايير هيئة الإنصاف والمصالحة
اعتمدت اللجنة المكلفة بمتابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في برنامج جبر الضرر الجماعي، الذي همّ المناطق التي تستجيب، على الأقل، لأحد المعيارين التاليين: وجود مركز اعتقال سري في هذه المناطق، مما عرضها ضمنيا للتهميش، أو وجود قرينة تدل على تعرض هذه المناطق للعقاب الجماعي المرتبط بوقوع بعض الأحداث العنيفة المعروفة والموثقة، وفق معطيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المكلف بتنفيذ هذه التوصيات.
لم تدرج كل من مدينتا «بوذنيب» و«عين الشعير» ضمن هذه المناطق، وهو ما جعل سكانهما يطالبون برد الاعتبار إليهم على أساس أن أضرارا لحقتهم بسبب الجنرال محمد أوفقير.
وأكد عبد الرحيم شهيد، المكلف ببرنامج جبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنه خلال تنفيذ البرنامج تتم مصادفة مناطق قريبة من المعايير المعتمَدة، مثل بوذنيب وعين الشعير، إلى جانب السمارة وهرمومو، غير أن المجلس مطالَب بالتقيد بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وهذا الإشكال مثله مثل الأفراد الذين لم يتقدموا بملفاتهم والمصنفون ضمن الملفات العالقة.
وأوضح شهيد، في تصريح ل»المساء» أن المعيارين الأساسيين اللذين تم اعتمادهما هما تعرض الساكنة لعقاب جماعي بسبب وجود معتقل سري أو وقوع أحداث عنف، وهو ما يفسر عدم استفادة مناطق عرفت أحداثا لكنها لم تتعرض للتهميش، مثل مراكش، التي عرفت تقدما في مرحلة التسعينيات.
ويجزم المكلف ببرنامج جبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنْ لا مجال لاجتهاد المجلس لإدخال مناطق بعينها إلى برنامج جبر الضرر الجماعي، مؤكدا أن هذه المناطق يمكن أن تستفيد من برامج اقتصادية وتنموية مباشرة.
وحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن هيئة الإنصاف والمصالحة اعتبرت أنه إضافة إلى «التعويضات وجبر الأضرار المستحَقّة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ينبغي أن يتخذ جبر الضرر بعدا جماعيا». ويستوجب هذا المعطى «بذل مجهودات إضافية للتضامن واعتماد إجراءات لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وإطلاق مسلسل تدريجي حول التمييز الإيجابي لفائدة المناطق والجماعات المعنية».
وقد قامت الهيئة بتنشيط عشرات الاجتماعات والورشات، تُوِّجت، في نهاية المطاف، بتنظيم المنتدى الوطني حول جبر الضرر، والذي شاركت فيه أكثر من 200 جمعية، فصاغت من خلاله الهيئة التوصيات المتعلقة بجبر الضرر الجماعي بشكل يسمح بإعادة الاعتبار إلى المناطق والجماعات ويُمكّن من الحفظ الإيجابي للذاكرة.
ويشمل برنامج جبر الضرر الجماعي إستراتيجية عمل على المستوى المحلي والمستوى، حيث إنه على المستوى المحلي سيسمح التدخل بتشجيع الحكامة المحلية عن طريق تعبئة الفاعلين المحليين وإشراكهم: المجتمع المدني والجماعات المحلية خصوصا، أما على المستوى الوطني، فسيتم التركيز على المشاركة الفعلية للدولة في برامج جبر الضرر الجماعي من خلال المساهمة المالية وتسهيل الإجراءات الإدارية والدعم اللوجيستيكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.