جرت، مساء أمس الأربعاء، احتفالات مخلدة لذكرى أحداث 16 ماي بمجموعة من المدن، نظمتها كل من اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين لتنسيقية المعتقلين الإسلاميي ن السابقين وتنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة وعائلات معتقلي السلفية الجهادية، وذلك تزامنا مع الذكرى التاسعة لاعتداءات 16 ماي، وفي ظل تكثف عمليات تفكيك الأجهزة الأمنية لخلايا وجماعات إرهابية، وبالتزامن أيضا مع احتفال الإدارة العامة للأمن الوطني بالذكرى السنوية ال56 للأمن الوطني. وشهدت الدارالبيضاء، التي كانت مسرحا لأحداث 16 ماي، تنظيم وقفة احتجاجية بساحة محمد الخامس، في قلب العاصمة الاقتصادية، وقرب نصب تذكاري وضع تخليدا لأرواح ضحايا الأحداث المذكور. وطالب المتظاهرون، الذين يمثلون الهيئات سالفة الذكر، بقتح تحقيق نزيه في أحداث 16 ماي، والتعجيل بإطلاق سراح من تم اعتبارهم معتقلي عقيدة، ومحاسبة إدارة السجون بسبب «إهانة المصحف» و»تعذيب السجناء السلفيين». وفي تعليقه على ما ميز الذكرى التاسعة لأحداث 16 ماي وتزامنها مع تفكيك خلايا إرهابية، قال عمر الحدوشي، أحد من يعرفون بشيوخ السلفية، والذي سبق أن أدين وقضي في حقه بالسجن عقب أحدث 16 ماي، إن عمليات تفكيك الخلايا أمور «أشك فيها لأن كثيرا من الخلايا كانت مبتكرة. أظن أن هناك جهات تحب أن ينام هذا الملف نومة دون أن يستيقظ منها». ورجع الحدوشي، في التصريح الذي أدلى به ل»المساء»، إلى لحظات محاكمة المعتقلين على خلفية 16 ماي، مشيرا إلى أن «ملفنا كانت به مسرحيات في القضاء الذي لم يكن مستقلا، وكان مدفوعا ومجرد أناس جالسين في كرسي القضاء ويحركون من أجهزة معلومة، إلى درجة أن الملك صرح بوجود خروقات، والمفروض في الدول التي تحترم نفسها أن يتم -إذا كان هناك خلل بسيط أثناء التحقيق- إطلاق سراح المتهم وتعويضه. المطلوب الآن إطلاق سراح الإخوة وطي هذا الملف نهائيا». وأشار الحدوشي إلى أن ملف 16 ماي كانت به، بشهادة منظمات وطنية ودولية، «خروقات سافرة»، مضيفا أن «هناك من الإخوة من عذبوه واغتصبوه ومن تركوا فيه عاهات، وأنا ما زالت آثار التعذيب على جسمي إلى الآن، وفقدت البصر بعيني اليسرى وأعاني من مشاكل في الكلى والرجل. كنا نتمنى أن يطوى هذا الملف، والعيب كل العيب أن يكون هناك ملف به خروقات سافرة وما يزال قائما». كما كشف الحدوشي أسماء مسؤولين بإدارة السجون اتهمهم بالإشراف على تعذيب السجناء، بينهم مدير سجن سلا سابقا وسجن تولال، موضحا: «قال لي هذا المسؤول إنه ليس وحده من يتصرف داخل السجن. وهذا الجلاد كان ينبغي أن يطرد». وأضاف أن «مسؤوليْن بالسجن كانا يمارسان التعذيب بأيديهما في حق السجناء، وكانا يصبان الماء على المعتقلين الذين يتعرضون للإغماء». وعن احتمال تعرض شيوخ السلفية المفرج عنهم لمراقبة أمنية، قال الحدوشي إن الشرطة تتعامل معه تعاملا حسنا، ولكن الحراسة على منزله ما زالت موجودة وإن كانت قد خفت قليلا، بحيث لم تعد ترابط ثلاثة سيارات أمام منزله، «باستثناء حادثة السير التي تعرضت لها لم يحدث ما يثير الانتباه». وفي سياق آخر، نفى عمر الحدوشي ما ورد على لسان وزير الداخلية التونسي بشأنه منعه، رفقة حسن الكتاني من دخول الترابي التونسي، موضحا رواية أخرى قائلا: «الشيخ حسن سلم جوازه للجمارك وختموا عليه، واستفسروني عن سبب زيارة البلد، فقلت إنني مدعو للمشاركة في دورات علمية، قبل أن يخبروني بأن الحكومة لها استراتيجية تقضي بمنع دخول شيوخ السلفية إلى تونس إلا إذا كان ذلك عن طريق الدولة، وأن هذا من إرث نظام بن علي»، كما أفاد الحدوشي بأنه كان سينتظره قرابة 3 ملايين سلفي تونسي ومن دول أخرى، كما أحدث وصوله مطار تونس استنفارا كبيرا حيث حضر كبار المسؤولين، وتلقى وعدا من حزب النهضة التونسي بأن يتم توجيه الدعوة له ويدخل تونس على نفقة الحزب. وفي قراءته لما تغير من نظرة تجاه أحداث 16 ماي بعد مرور تسع سنوات، أفاد الباحث في الحركات الإسلامية، محمد ضريف، بأن أهم ما تغير يمس علاقة الدولة بالتيار السلفي، مصرحا: «التيار السلفي في شقه الجهادي كان يقدم على أنه يدعو إلى العنف ويهدد ثوابت الدولة، وأعلنت الأخيرة الحرب ضده وانتقلت الحرب ضد السلفية الجهادية إلى الشق الذي يعتبر ممثلا للسلفية التقليدية. المستجد الآن هو الانفراج النسبي بين التيار السلفي والدولة، فسنة 2011 كانت حاسمة وشهدت عودة ممثل التيار السلفي التقليدي، محمد المغراوي، كما استفاد شيوخ سلفيون من العفو الملكي». وأوضح ضريف، في تصريح ل»المساء»، أن متتبعين يتنبؤون بتأسيس شيوخ السلفية أحزابا سياسية، مضيفا: «دائما في إطار هذا الانفراج النسبي، يلاحظ تحول في خطاب ومواقف السلفيين، فهؤلاء الذين كانوا يرفضون الحداثة ورموزها ممثلة في الانتخابات والديمقراطية، أصبحوا الآن يدعون إلى الديمقراطية والحداثة السياسية بصرف النظر عن تصورهم لها». وبخصوص مستجد صعود الإسلاميين إلى الحكم، ذكر ضريف أن «هذا الحزب كان يدافع عن السلفيين وينتقد محاكمات لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، كما أن منتدى الكرامة الذي يحضر فيه حزب العدالة والتنمية كان قد دعا إلى المقاربة التصالحية، والجديد الآن في تدبير هذا الملف أن الحكومة الآن أوضحت مواقفها بشكل جلي موضحة أن الوسيلة الوحيدة للعفو عن المعتقلين السلفيين هي العفو الملكي، كما أنه ملف يدخل في اختصاص الملك». وحول تكثف أنشطة دعوية وأكاديمية وسياسية لشيوخ سلفيين أفرج عنهم، وكانوا مدانين في أحداث 16 ماي، قال ضريف إن الأمر مرتبط بالتحول الذي يعرفه التيار السلفي في عدة دول عربية بعد تداعيات الربيع العربي والترخيص لأحزاب سلفية في تونس ومصر، مردفا: «هذا الوضع ينعكس على المغرب، ووزير العدل والحريات كان قد استقبل شيوخ السلفية المفرج عنهم، وأبدى دعمه لتأسيسهم حزبا، كما أن شبانا سلفيين في المغرب بادروا في مارس إلى تأسيس الحركة السلفية من أجل الإصلاح. والدولة الآن مطمئنة إلى كثير مما يصرح به السلفيون». وبشأن الحديث عن توظيف الدولة للسلفيين، قال ضريف: «أكيد أن لكل جهة حساباتها، فالدولة تريد أن تؤسس لتوازن بين الفاعلين الدينيين داخل الساحة بعد انتقال العدالة والتنمية إلى الحكومة، لأن هذا الحزب عندما كان في المعارضة كان يساهم في التصدي لجماعة العدل والإحسان. كما أن مراقبة السلفيين لا يمكن أن تتم إلا إذا تكتلوا داخل حزب، كما أن الدولة تعتبر أن للتيار السلفي دور كبير لمواجهة التيار الشيعي». إلى ذلك، قال محامي روبير ريتشارد، المتهم الفرنسي في أحداث 16 ماي 2003، إنه جرى، مساء أول أمس الثلاثاء، تزامنا مع ذكرى 16 ماي، ترحيل موكله إلى فرنسا لقضاء بقية عقوبته الحبسية، بعدما قضى تسع سنوات بالسجون المغربية، علما أنه أدين بالسجن المؤبد لدى إستئنافية سلا المتخصصة في قضايا الإرهاب، في أحداث الدارالبيضاء.