تعتبر الإدارة العمومية النواة الصلبة التي تسهر على تدبير شؤون المواطنين اليومية، ومن ثمة زودتها الدولة بمجموعة من الموارد البشرية والمادية واللوجستية، لا لشيء إلا من أجل تأهيلها بغية الاستجابة لحاجيات المرتفقين المتزايدة يوما بعد يوم. لقد عملت المرافق العمومية على تكليف مسؤولين إداريين بمهمة الإشراف على ضمان حسن سير الخدمات المعهود القيام بها إلى هذه المؤسسات، إلا أنه بالرغم من ذلك هناك بعض النقاط المهمة التي تثير حفيظة الباحثين الأكاديميين، والمتجلية أساسا في استمرار بعض المسؤولين الإداريين في تحمل المسؤولية الموكلة إليهم ولو بعد إحالتهم على التقاعد تحت طائلة التعاقد. يمكن تعريف نمط الإحالة على التعاقد بأنها «تلك العملية التي تنهى بموجبها مهام الموظف العمومي المقترنة ببلوغه سن الستين والمنظمة بمقتضى القانون الجاري به العمل المنظم للوظيفة العمومية»، وبالتالي فالإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الباب يتجلى أساسا في توجه الإدارة العمومية إلى الاحتفاظ بمعظم المسؤولين الإداريين، هذا إن لم نقل كلهم؛ فما الدافع إلى التعاقد الإداري مع المتقاعدين؟ يعتبر التعاقد الإداري مع المتعاقدين من بين المعيقات الأساسية التي تعرقل التطبيق السليم لمبادئ الحكامة الإدارية الجيدة، الشيء الذي يمكن أن نستشفه من خلال مجموعة من النقاط والمتجلية أساسا في أن هذا النظام: - نظام يكلف الميزانية العامة للدولة، ذلك أن المتعاقد في حال تعاقده يتلقى أجرين، الأول يتعلق بتعاقده المضمون قانونيا، والثاني يتمثل في أجر تعاقده، مما يمكن اعتباره مخالفة صريحة لمبدأ ترشيد النفقات العمومية؛ - يكرس تعاظم ظاهرة البطالة، خاصة في صفوف الأطر العليا الشابة؛ - يكرس العمل بنمط تقليدي لا يواكب البتة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، الوطنية والدولية؛ - يضرب عرض الحائط بمبدأ تكافؤ الفرص في تداول المسؤولية الإدارية؛ - يساهم في استمرار اللوبيات الإدارية في التحكم في دواليب القرار الإداري بشكل يخدم المصلحة الخاصة قبل المصلحة العامة التي تشكل أسباب نزول المرفق العمومي؛ - يساهم في استمرار العمل بالعقلية البيروقراطية في التدبير الإداري... إلخ. إن مختلف هذه المعيقات قد أجهزت على إصلاح المنظومة الإدارية إصلاحا يحترم مبادئ الحكامة الإدارية الجيدة المرتكزة على: - التناوب الإداري في تقلد مناصب المسؤولية الإدارية؛ - ترشيد نفقات الدولة؛ - إعمال مبدأي المساءلة والمحاسبة الإداريين؛ - وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ - تشبيب الهياكل الإدارية بشكل يسمح بإدارة المرافق العمومية تدبيرا يعتمد على المردودية والابتكار، لا لشيء إلا لخدمة المصلحة العامة... إن الإدارة العمومية مطالبة الآن، أكثر من أي وقت مضى، بالقطع مع عهد التعاقد مع المتقاعدين لا لشيء إلا لأن بلادنا تتوفر وبنسب عالية على كفاءات بشرية قادرة على تدبير الشأن العام الوطني والمحلي بطريقة استراتيجية يتم تضمينها بكل الوسائل الحديثة المبنية على النتائج.