من المعروف والمتداوَل أن الروائي الراحل محمد زفزاف لم يؤلف سيرة ذاتية ترصد تفاصيل حياته، إلى المراحل التي مر بها معرفيا.. ويقال، حسب أقرب المقربين إليه، إنه كان يرفض تدوين تفاصيل هذه السيرة.. بل إنه يوثر روايتها على شخص آخر يتولى مهمة كتابتها.. إلا أن أغلب النقاد، المغاربة والعرب، يذهبون في مقارباتهم تجاربه الروائية إلى القول إنه اختار تصريف هذه السيرة ضمن نصوصه الروائية، من»المرأة والوردة» إلى آخر نص من نصوصه «أفواه واسعة».. وإذا كانت مثل هذه التصورات صحيحة، فإنها تفتقر إلى الموضوعية النقدية، من حيث أن محمد زفزاف كان يجنّس هذه الكتابات تحت «رواية» وليس «سيرة».. من ناحية أخرى، فإن الشخصية الحاضرة في تلك الروايات لا يمكن الادعاء أنها تطابق بالذات الشاعرَ والقاص والروائي والمترجم محمد زفزاف. في هذا السياق، لم يتأت للسينما المغربية، كما هو الحال مع محمد شكري في «الخبز الحافي»، حيث سهل تحويل السيرة إلى شريط سينمائي عن علم من أعلام الأدب المغربي الحديث.. أقول لم يتأت إنجاز شريط عن الراحل محمد زفزاف إذا ما ألمحنا إلى قوة حضوره، كما تآليفه. إلا أن بعض المهتمين بالسينما المغربية يتنازعهم التفكير في تحويل رواية الناقد والروائي نور الدين صدوق «الروائي» (محمد زفزاف يكتب الثعلب الذي يظهر ويختفي) إلى شريط سينمائي يرصد تفاصيل من سيرة حياته كما دوّنها روائيا وعايش أجزاء من تفاصيلها نور الدين صدوق، إذا ما أشرنا إلى أن «الروائي» تركز على فضاءين: فضاء الدارالبيضاء وفضاء الصويرة، الذي لا يعد سوى محطة وسط بين القسم الأول المرتبط بالدارالبيضاء وبين الأخير.. وضمن الفضاءين نتتبع مسار حياة محمد زفزاف في حقبة محددة هي الثمانينيات التي أنجز فيها روايته «الثعلب الذي يظهر ويختفي».. وإذا كان التحديد شبه دقيق فإنه يضيء التجربة الحياتية بداية، وإلى غاية إنجاز «الثعلب» وثمة نتعرف على علاقات محمد زفزاف، الاجتماعية والثقافية، وعلى صراعاته، كما على عاداته وطقوسه في الكتابة والتأليف، والتي لم يخرج عنها إلى أن وافاه الأجل المحتوم. إن رواية «الروائي»، وفي سياق هذا الاهتمام، ستجعل شخصية محمد زفزاف بما حازته من قوة وأثر أدبي بليغ، الثانية، بعد محمد شكري، التي تنال حظوة التوثيق سينمائيا.. كما أنها ستعيد هذه الشخصية إلى الوجود، بعد أن طالها النسيان..