عقدت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية «ظهر المهراز» بمدينة فاس، بداية الأسبوع، ندوة فكرية بتعاون بين المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة ومؤسسة المهدي بن عبود ومنتدى التجديد الطلابي، خصصت للفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمان، وذلك على هامش صدور عمله الأخير «روح الدين: من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية»، بمشاركة عدد من الباحثين. وقد وجه طه عبد الرحمان رسالة إلى المشاركين في الندوة، بسبب تعذر حضوره لظروف صحية، أكد فيها أن ما أصاب الأمة الإسلامية والعربية من تأخر ثقافي وحضاري إنما هو «من البلى الذي طرأ على عقلها والهوان الذي لحق طلاب العلم فيها»، وقال إن «تجديد العقل» من أكثر تحديات التغيير التي يتصدى لها «الشباب الطلابي» على وجه الخصوص، لأنه يؤمن بأن في رفع هذا التحدي خروج مجتمعه من حلك الظلمات إلى نور الحياة. وانتقد طه الذين يتشبثون بأن تقدم المسلمين ينبغي أن يأتي على الوجه الذي تقدم به الآخرون سواء بسواء، ويعتقدون أن نهضة الأمة لن تأتي إلا بأن نحذو حذو الغرب والاغتراب عن الذات، وقال «إن هذه مفارقة عجيبة كون أي تقدم لن يكون إلا بوجود الاستيلاب، مضيفا أن تقليد الآخر لا يجدد عقل الأمة ولا يحييها، لأن الحياة التي تليق بمقامها والتي تسأل عنها ليست حياة خلقتها المادية، وإنما حياة فطرتها الروحية التي تمد عقلها بكل قواه». وأكد المحتفى به في الدورة السادسة للمنتدى، «أن الأمة الإسلامية بموجب رسالتها قدر لها أن تتأسس خلقتها على فطرتها، بخلاف الآخر الذي قرر صرف هذه الفطرة بالكلية، مجتزئا بالخلقة المادية». وأوضح طه أنه يحمل هموما شتى يجتهد لتحقيقها، الهم الأول، أن يستعيد خطاب الأمة قوتين عقليتين أساسيتين فقدهما منذ أمد بعيد، وهما «القوة المفهومية»، التي تجعله يستقل بمعانيه وتصوراته، و«القوة الاستدلالية»، التي تجعله يستقل بأدلته ونصوصه، الثاني، أن يدل الأمة على حقيقة الإبداع وكيف يمكن أن تأخذ من «عقل الآخر» مع الحفاظ على مقومات فطرتها، والهم الثالث؛ أن يقدم نموذجا يتمثل في فلسفة إسلامية تجعل الأصل في تجديد الأمة هو تجديد الإنسان، وتجعل الأصل في تجديد الإنسان هو تجديد الروح. وتمحورت الندوة، التي استغرقت يوما كاملا حول أربعة محاور هي: النقد الأخلاقي للحداثة في مشروع طه عبد الرحمن، شارك فيها كل من سعيد شبار وسمير بودينار وإدريس مقبول وسلمان بونعمان ومنتصر حمادة، وكانت الجلسة الثانية حول محور «سؤال الخصوصية والكونية في فكر طه عبد الرحمن»، ترأسها الحسن حاما وشارك فيها كل من عزيز البطيوي والحسين الزاهدي وعبد الله أخواض، أما الجلسة الثالثة فكانت حول محور «فقه الفلسفة وسؤال الإبداع عند طه عبد الرحمن»، ترأسها عبد الصمد الإدريسي وشارك فيها كل من لحسن تالحونت ويوسف تيبس ومصطفى بوكرن وعبد السلام الطويل وفؤاد بوعلي وأحمد الباهي. بينما كانت الجلسة الرابعة حول محور «مسألة الدين والسياسة في فكر طه عبد الرحمن» وترأسها أحمد الرزاقي وشارك فيها كل من سعيد حليم ولحسن حاما والحسان شهيد وإدريس الكنبوري. وقد تطرقت المداخلات، التي سيتم جمعها لاحقا في كتاب، إلى فكر طه عبد الرحمان واجتهاداته الفلسفية طيلة أزيد من ثلاثين عاما من العطاء الفكري، كما لامس المشاركون في الندوة خصوصية فكر طه من حيث اللغة ونحت المفاهيم والانفتاح على التراث العربي الإسلامي ونقد الفكر الغربي والدعوة إلى ممارسة النقد.