داخل بيته القريب من قوس النصر، في قلب العاصمة الفرنسية باريس، التقت «المساء» عبد الحليم خدام.. أكثر العارفين بخبايا الملف السوري، فهو الذي لازم الرئيسين حافظ وبشار الأسد كنائب لهما ووزير لخارجيتهما، مكلفا باثنين من أكثر ملفات الشرق الأوسط خطورة وغموضا: الملف اللبناني والملف العراقي. اعترف عبد الحليم خدام، فوق كرسي «المساء»، بأسرار علاقته بنظام الأب والابن «المغرق في الفساد والاستبداد»؛ حكى عن هوس حافظ الأسد بتوريث الحكم لأفراد عائلته، وكيف سعى بشار الأسد إلى مجالسته، حيث بدأ ينتقد نظام والده، وهو يناديه «عمي عبد الحليم». كما استحضر اللحظة التي وجد نفسه فيها رئيسا للجمهورية بعد وفاة حافظ الأسد، وكواليس تعديل الدستور ليصبح بشار رئيسا للبلد، وكيف قرر الخروج من سوريا والتحول إلى أكبر عدو لنظام قال إنه يخطط لإقامة دويلة في الساحل، حيث الأغلبية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. كما تحدث عبد الحليم خدام عن علاقته بالحسن الثاني والمهدي بنبركة وكيف تحول الموقف السوري من قضية الصحراء وقال بأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يتخلص من فكر سالفه هواري بومدين. - هل، فعلا، كان هواري بومدين، الرئيس الجزائري الراحل، أقرب الرؤساء العرب إلى قلب وعقل حافظ الأسد؟ نعم كان الرئيس هواري بومدين أقرب رئيس عربي إلى حافظ الأسد، وهذا يعود إلى أيام الثورة الجزائرية التي كانت تلاقي تعاطفا كبيرا في سوريا. وقد زار عدد كبير من الأطباء السوريين الجزائر، وتطوع عدد منهم في جيش التحرير الجزائري؛ وكانت النساء في سوريا يتبرعن بحليهن لمساعدة الجزائر؛ بمعنى أن التعاطف مع الجزائر كان متجذرا في سوريا. وبعد الثورة، تولى هواري بومدين الرئاسة بعد انقلابه على سابقه بن بلة الذي كان متعاطفا مع مصر وكان نموذجه هو الرئيس جمال عبد الناصر. وقد كانت التوترات قائمة بين القيادة المصرية والقيادة السورية بعد الانفصال (يقصد الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة التي قامت بين مصر وسوريا)، ولذلك كان التعاطف كبيرا مع الرئيس هواري بومدين الذي سيوطد علاقاته مع سوريا على عكس سابقه بن بلة. - من هنا كان احتضان الجزائر، وكذلك سوريا، لجزء من معارضة نظام الحسن الثاني؟ لا، لم يكن هناك وجود للمعارضة المغربية في سوريا، ولم يتم دعم هذه المعارضة من قبل سوريا، أبدا. في مرحلة مطلع الستينيات، كان هناك دعم للحركات التقدمية المغربية، وأنا حينها كنت محاميا. وقبيل نشوب حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963، ذهبت، وبرفقتي محامون من سوريا والعراق، للدفاع عن عبد الرحمان اليوسفي الذي كان حينها موقوفا، والذي كان زعيما للمعارضة في المغرب. وقبل الوصول إلى المغرب، عرجت على جنيف رفقة محامين سوريين وعراقيين والتقينا هناك بالمهدي بنبركة. - ما الذي تذكره حول لقائك بالمهدي بنبركة وحول شخصيته؟ شخصية المهدي بنبركة كانت شخصية معروفة ومؤثرة، وكان يعيش في منزل متواضع بضواحي جنيف، وقد أبدى امتنانه للحكومتين السورية والعراقية لاهتمامهما بالمعارضة المغربية وقيامهما بهذه المبادرة. - ألم تتحدثوا عن إمكانية التنسيق بين حزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزبي البعث السوري والعرقي؟ مطلقا، نحن كنا هناك بصفتنا محامين وليس بصفتنا الحزبية، رغم أننا كلفنا من قبل قيادة الحزب بالترافع في هذه المحاكمة بناء على طلب من المعارضة المغربية. بعد لقائنا بالمهدي بنبركة، توجهنا في اليوم التالي إلى الدارالبيضاء، وكانت في استقبالنا هناك مجموعة من الأشخاص من المعارضة الاتحادية، وكان منهم من ينتمون إلى حزب البعث ويحملون أفكارا بعثية، وقد نزلنا في أكبر فندق في الدارالبيضاء حينها، وأذكر أننا اجتمعنا في مكتب أحد نواب عبد الرحمان اليوسفي، وكان هناك عدد من المحامين المغاربة، وقمنا بتقديم طلب إلى وزارة العدل للسماح لنا بالترافع عن اليوسفي ورفاقه، لكن طلبنا قوبل بالرفض، وبقينا 10 أيام في الدارالبيضاء دون أن نتعرض لأية مضايقات. - في هذه المرحلة، كانت الأحزاب الاشتراكية القومية العربية موزعة الولاء بين النموذج الناصري والنموذج البعثي، السوري منه بالأساس؛ كيف كانت علاقتكم وقتها بعبد الناصر؟ بالنسبة إلينا، جمال عبد الناصر مر بمرحلتين، المرحلة الأولى كانت قبل قيام الوحدة العربية، وقد كنا معجبين جدا بجمال عبد الناصر لأنه كان أول من رفع شعار القومية العربية في مصر ولأنه أقام سياسة تقدمية في المنطقة، وحدث أن تفاعلنا بحماس كبير مع فكرة الوحدة مع مصر. لكن، بعد تأسيس الوحدة، تغيرت الصورة عند الأغلبية الكبرى من البعثيين، فقد فوجئنا بأن الرئيس عبد الناصر عوض أن يطور النظام السياسي في مصر على ضوء الحرية السياسية الموجودة في سوريا، وضع سوريا في قفص النظام المصري، وبالتالي فقد كان الحكم في مرحلة الوحدة عبارة عن حكم مخابرات، وهذا خلق حالة من الضيق لدى السوريين وبالخصوص البعثيين، لأنهم هم الذين دافعوا عن قيام الوحدة، وهم أول من دفعوا ثمن هذا الحماس. - بعد وفاة عبد الناصر، كيف صارت العلاقة بخلفه أنور السادات؟ السادات شخصية مختلفة. عبد الناصر كانت له كاريزما مختلفة وأفكار مختلفة، وكان بالرغم مما تحدثت عنه أفقه أفقا قوميا عربيا، ولولا ذلك النظام الأمني المخابراتي الذي قام ببسطه داخل مصر وامتد إلى سوريا لكانت الوحدة العربية لا تزال قائمة إلى حد الآن، فذلك النظام الأمني هو ما حال دون ذلك وحوّل مجرى مسيرة الثورة المصرية. لاحقا، جاء السادات، الذي كان رجلا مختلفا، ففي حين كان عبد الناصر رجلا عقائديا، كان السادات رجل سياسة محضا. وفي شتنبر من سنة 1970 وبعد أن استلم السادات السلطة في مصر، استلمنا نحن كذلك السلطة بعده بحوالي شهرين، وقمنا -حافظ الأسد وأنا- بزيارة لمصر وجرى الحديث بيننا حول الوحدة المصرية السورية، حينها كانت هناك معاهدة أبريل في طرابلس بليبيا، بين السودان ومصر وليبيا، وتم بالفعل الاتفاق على التحاق سوريا بهذه المعاهدة، وأصبحنا أربع دول تشكل الوحدة، وكان الحديث الأساسي بين مصر وسوريا هو حديث الوحدة كأساس لقيام صيغة تمكن الدولتين من دخول الحرب ضد إسرائيل. - كان السادات لازال يسير، حتى ذلك الحين، على خطى جمال عبد الناصر؟ نعم، وتم الاتفاق على إجراء لقاء في مصر يجمع الدول الأربع، وبالفعل أجري اللقاء وحضره، إلى جانب السادات وحافظ الأسد، معمر القذافي وجعفر النميري الذي اعتذر وعاد إلى السودان، لأنه لم يكن موافقا تماما على الوحدة اعتبارا لكون ظروف بلده لم تكن تسمح بذلك. خلال ذلك الاجتماع الثلاثي، لم يتم الاتفاق، لأن معمر القذافي كان يضع عقبات في وجه الوحدة.