خلال مدة المشاورات التي خاضها عبد الإله بنكيران من أجل تشكيل الحكومة، عقب الفوز الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 شتنبر الماضية، أصر الأمين العام لحزب المصباح على بعض الحقائب الوزارية التي كان يطمع في أن يتولاها وزراء من حزبه، والتي شكلت العمود الفقري للبرنامج الحكومي الذي قدمه فيما بعد أمام البرلمان لنيل ثقته، وعلى رأسها حقيبة الاتصال التي تولاها القيادي في الحزب مصطفى الخلفي، الذي كان يوصف بالعقل المدبر لبرنامج الحزب الذي خاض به الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية. مصطفى الخلفي الذي كان يتولى إدارة جريدة «التجديد» الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح، المقربة من حزب العدالة والتنمية، كان دائما يوجه في افتتاحياته سهام النقد إلى مدراء المؤسسات الإعلامية العمومية، كما كان دوره الاقتراحي قويا في إصلاح مجال الصحافة المكتوبة، من خلال عضويته في فيدرالية الناشرين، حيث كان من بين واضعي التصور المبدئي للمجلس الوطني للصحافة كآلية للتنظيم الذاتي للمهنيين، قبل أن يضطر إلى التخلي عن المشروع في منتصف الطريق بعد أن تولى حقيبة الاتصال، مما طرح أمامه تحدي تحقيق ما كان ينادي به قبل دخوله إلى مقر الوزارة. أول تحد واجه الخلفي ومعه الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية كان هو المعتقلون على خلفية قضايا الرأي وحرية التعبير، وعلى رأسهم المدير المؤسس لجريدة «المساء» رشيد نيني، الذي اعتقل وحكم عليه بسنة حبسا نافذا، مما جلب على المغرب انتقادات المنظمات الدولية لحرية التعبير، وجعله يتأخر في سلم حرية الصحافة على المستوى الدولي. ورغم أن بنكيران كان قد وعد في حملته الانتخابية بالعمل على الإفراج عن رشيد نيني من السجن، فقد فشل في مسعاه ذاك. كما أن وزير العدل وضع اسم نيني في لائحة المرشحين للاستفادة من العفو الملكي، إلا أنه لم يستفد من العفو في عدة مناسبات وطنية ودينية، ليخرج في الأخير بعد قضائه مدة السجن كاملة. ثاني التحديات التي واجهها أصغر وزراء الحكومة الجديدة كان هو إصلاح قنوات الإعلام العمومي، وجعلها تتماشى مع مبادئ الخدمة العمومية التي يفترض أن تقدمها قنوات تمول من ضرائب الشعب، على شاكلة ما هو معمول به في الدول الغربية. إلا أن محاولات الوزير اصطدمت بمقاومة شرسة من طرف مدراء المؤسسات الإعلامية، الذين ظهروا في خرجات متتابعة على صفحات الجرائد الوطنية للتعبير عن رفضهم لمحتوى دفاتر التحملات التي جاء به الوزير. الجدل حول دفاتر التحملات تحول إلى جدل حول مدى استقلالية الإعلام العمومي عن الحكومة كسلطة تنفيذية من جهة، والصراع بين القطبين الحداثي والمحافظ، وسط اتهامات متبادلة من كل طرف للآخر بمحاولة السيطرة على وسائل الإعلام العمومية، وفرض إيديولوجيته عليها. من بين المبادرات أيضا التي جاء بها الوزير الإسلامي المسؤول عن قطاع الإعلام وضع قانون صحافة بروح ليبرالية.إذ أكد في إحدى الندوات التي عقدت مؤخرا أنه سيكون خاليا من العقوبات السالبة للحرية، وهو المطلب الذي ظل المهنيون يرفعونه منذ سنوات، لكن تبقى مع ذلك إمكانية محاكمة الصحفيين بالقانون الجنائي، وهو ما يتوجب معه التنصيص على عدم إمكانية محاكمة الصحفيين إلا بقانون الصحافة. وبمناسبة الندوة التي جمعت نقابة الصحفيين وفيدرالية الناشرين مع القضاة قبل أيام معدودة، أعلن الخلفي عن تشكيل لجنة وطنية تحت رئاسة الصحفي ووزير الاتصال الأسبق محمد العربي المساري من أجل إجراء لقاءات مع المهنيين، وتلقي مذكراتهم الاقتراحية بشأن مقترحات إصلاح قانون الصحافة. الخلفي وإن كان انسحب من عضوية فيدرالية الناشرين، فقد بقي حريصا على مواكبة تطور مشروع خلق مجلس وطني للصحافة، وهو المجلس الذي سيكون بمثابة هيئة مهنية للتنظيم الذاتي، سيعهد إليها بمهام الضبط والتحكيم، مما سيساهم في حل المشاكل الناتجة عن قضايا النشر، دون اللجوء إلى المحاكم. الصحافة الالكترونية كانت بدورها من أولويات وزير الاتصال الجديد، حيث نظم يوما دراسيا حول الصحافة الجديدة من أجل مناقشة إمكانية تنظيم المجال، وجعله خاضعا لمبدأ المسؤولية في مقابل ما يتمتع به من حرية كبيرة، مقارنة بباقي وسائل الإعلام، وهو ما دفع الكثيرين إلى اتهامه بمحاولة لجم هذه الصحافة التي تتمتع بهوامش حرية كبيرة جدا.