لم يستبعد عبد الحق العياسي، رئيس الودادية الحسنية للقضاة في هذا الحوار مع «المساء» أن يكون الإضراب الذي عرفته، مؤخرا، محاكم المملكة ذا خلفية سياسية وقال بهذا الخصوص «لا أستطيع أن أتحدث هنا بلغة الجزم، لكن هذا احتمال وارد» متسائلا في الوقت نفسه عن الجدوى من هذا الإضراب مادام أن الكثير من المطالب التي تقدم بها كتاب الضبط تمت الاستجابة لها إضافة إلى تسوية الأوضاع المادية لموظفي القضاء بشكل غير مسبوق في تاريخ الوزارة. ودعا العياسي إلى تغليب الروح الوطنية ونزع فتيل الاحتقان من قطاع العدل لضمان هيبة القضاء الذي يبقى الملاذ الوحيد للمواطنين. من جهة أخرى، قال العياسي إن القضاة هم نواب أمير المؤمنين ويستمدون منه شرعيتهم باعتباره القاضي الأول. وبخصوص علاقة الودادية بنادي القضاة، أكد العياسي بأن يد الودادية ممدودة للحوار، لكن مسؤولي هذا النادي لازالوا لم يردوا على دعواتنا إلى حد الآن. - ما هو تعليقك على الاتفاق الأخير الذي وقعته وزارة العدل مع نقابة كتاب الضبط لوقف الإضراب داخل المحاكم؟ أولا، أريد أن أوضح أن التشنج الذي وقع بين الوزارة وكتاب الضبط كان سببه بسيطا جدا وما كان ليقع لو تعامل الجميع بمنظور وطني عال. والحقيقة، حسب علمي، أن الوزارة لبت جميع مطالب النقابة، إلا أن النقابة المذكورة اشترطت أن أن يكون التوقيع على الاتفاق معها وحدها باعتبارها الأكثر تمثيلية، فيما اشترطت الوزارة أن يكون التوقيع مع جميع النقابات في إطار مقاربة تشاركية يفرضها منطق الأشياء، وهذا التباين في المواقف هو الذي عمق المشكل ربما. وما وقع اليوم هو تدخل مساعٍ حميدة قربت وجهات النظر وتم التوقيع على الاتفاق في إطاره الشمولي، وأعتقد أن جميع الخلافات طويت وأن كل جانب يجب أن يستحضر روح الوطنية والمواطنة التي نحن في أمس الحاجة إليها. - هل صحيح أن الإضراب كانت له خلفية سياسية؟ لا أستطيع أن أتحدث هنا بلغة الجزم لكن هذا احتمال وارد، ونحن ضد تسييس الإضرابات، وهنا لا بد أن أشير إلى أن الكثير من المطالب التي قدمت للوزارة تمت الاستجابة لها، كما سويت الأوضاع المادية لموظفي القضاء بشكل غير مسبوق في تاريخ الوزارة. ونحن في الودادية، أكدنا في أول خروج إعلامي على ضرورة الاعتناء بكتاب الضبط لأنهم يعملون باستماتة وتفان كبيرين، لذلك وجبت تسوية أوضاعهم. لقد كان هذا أول مطلب لنا لأن كتاب الضبط يعملون بشكل قل نظيره في وظائف أخرى. الآن سويت وضعيتهم، ولله الحمد، مقارنة بمطالب القضاة. إذ لا يعقل أن يكون هناك قضاة في الدرجة الثالثة يتقاضون 8 آلاف و900 درهم ويظلون في هذا الوضع أكثر من عشر سنوات، رغم أن متطلبات الحياة أصبحت مكلفة جدا. أكثر من هذا هناك قضاة من الدرجة الثانية والثالثة يضطرون إلى الاستعانة كثيرا بالقروض لتغطية مصاريفهم، وهذا حيف بالنسبة للقضاة. ولهذا قلنا إنه من الضروري الاعتناء بالقضاة لتحصينهم أمام ما يطلب منهم من مهام. وهذه طبعا ليست ذريعة لنقول للقاضي إذا لم تلب مطالبك فانحرف. أبدا، ولكن من باب التحصين نقول له إن الالتزام بالأخلاقيات لا هوادة فيه. - لكن هناك قضاة يعيشون حياة ترف رغم أن أجورهم متواضعة. كيف تفسر ذلك؟ حسب علمي، فإن أغلب القضاة يعيشون على الكفاف. صحيح أن هناك قضاة ميسورين لكن هؤلاء يتحدرون من عائلات ميسورة وورثوا ثروات مهمة عن آبائهم، ومهنة القضاء بالنسبة إليهم هي نوع من «البريستيج» لخدمة الوطن لأنهم ميسورو الحال أصلا. لكن هذا لا يعني أن الجسم القضائي بكامله سليم، بل هناك اختلالات نادرة، والنادر لا حكم له. - أين وصل ملف قاضي طنجة المتهم بتلقي رشوة؟ ملف هذا القاضي أحيل على الرباط بعد أن أكد قاضي التحقيق عدم الاختصاص، والآن الملف أخذ طريقه المسطرية بالرباط، وقد انتدب المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدار البيضاء ثلاثة محامين للدفاع عن هذا القاضي لأننا ننطلق من مبدأ أن البراءة هي الأصل، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وما قيل في الصحافة يعوزه الإثبات. الملف الآن بيد المحكمة والقضاة سيتفحصونه. لكن حسب المعطيات المتوفرة لدينا، فإن حالة التلبس غير متوفرة لأن المبلغ المالي الذي اعتبر بمثابة «رشوة» لم يضبط في يده، والمدعي تربطه صداقة بالقاضي، كما أن هذا المبلغ المالي وجد تحت المقعد الذي كان يجلس فيه. هذه كلها قرائن تفيد عدم وجود حالة تلبس، ونحن نتمنى أن يكون كل هذا مجرد تلفيق لأن مثل القضايا لا تخدش هيبة القاضي فقط وإنما تخدش هيبة القضاء الذي يبقى الملاذ الوحيد للمواطن. - نعود إلى إضراب كتاب الضبط. هناك من يقول إن هذا الإضراب أصبح له تأثير على هيبة القضاء عندما يرى المواطنون قضاة يعلقون شارة الإضراب. ما هو ردك؟ في الحقيقة، هذه المسألة طرحناها في النقاش داخل المكتب التنفيذي للودادية وطرحناها أيضا مع الدوائر المسؤولة، ورعيلي والرعيل الذي سبقني، كنا نعتبر أنفسنا كتلة واحدة مع كتاب الضبط على أساس أن كاتب الضبط يتعامل مع القضاء باحترام ووقار، وكان كاتب الضبط قبل تأسيس النقابة يشتغل بروح قتالية وبتفان نادر ولو على حساب حياته الخاصة. وكانت الأمور بيننا تمر في جو أخوي، أما الآن بعد تأسيس النقابة، فقد أخذت بعض الأمور غير المألوفة تتسرب إلى جسم القضاء، وإن كانت قليلة.. - مثلا؟ أذكر في هذا السياق أن كتاب ضبط دخلوا في مواجهة مع قضاة ومسؤولين قضائيين وهددوهم بتنظيم وقفات احتجاجية ضدهم، وهذا أمر غير مألوف في تاريخ القضاء، لأن المتضرر منه هو المواطن الذي يأتي إلى المحكمة من أجل رفع الحيف عنه دون أن يجد من ينصفه. رغم ذلك، فهذه السلوكات على قلتها ضعيفة جدا، وأعطي هنا مثالا بالمحكمة التي أشتغل بها حيث لا زال كتاب الضبط يراعون العلاقة الحميمة بينهم وبين القضاة، كما يراعون الروح الوطنية، ونتمنى أن تزول تلك التصرفات القليلة عبر استحضار العقل وروح المواطنة خدمة للبلاد، فنحن جميعنا، سواء كتاب ضبط أو قضاة أو محامين، نعمل في سبيل خدمة المواطن وإعادة الثقة له في القضاء. صحيح أن الإضراب حق من الحقوق التي منحها المشرع لشريحة كتاب الضبط، لكن في المقابل على كتاب الضبط أن يستحضروا أن المواطن يتضرر من هذه الوقفات والإضرابات، وأن ذلك يحول دون حصوله على حقه في أقرب الآجال. - أصدرت وداديتكم بيانا اتهمت فيه كتاب الضبط بمحاولة إحداث شرخ مع القضاة وقدمت كمثال قضية الوكيل العام بورزازات. ما حقيقة دفاع الودادية عن هذا المسؤول القضائي؟ لقد قلنا إن هناك فئة وأيادي خفية ربما تلعب على هذا الوتر لإحداث الشرخ الذي تحدثنا عنه، لأن الأمر لم يكن يتعلق فقط بالوكيل العام لورزازات، بل امتد إلى الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف بفاس، ثم رئيسة المحكمة الإدارية بمكناس. وباتهام هؤلاء المسؤولين القضائيين فإن السلطة القضائية أصبحت برمتها في قفص الاتهام، وهذا لا يجوز. وإذا كان القانون يعطيك الحق في الإضراب فمارسه دون أن تمس بمؤسسة القضاء لأنه حينما يقاس الوكيل العام بتلك الطريقة، وبالعبارات التي تم تداولها مثل «ارحل» ويتم سب الهيئة القضائية برمتها، فهذا أمر يخرج عن السلوك المألوف. ونحن، بصفتنا ودادية، قلنا إذا كان هناك من يطالب بحقه فليطالب به بشكل مشروع. فهل مطلب «ارحل يا وكيل الملك» مطلب نقابي؟ لقد طلب السيد وزير العدل من كتاب الضبط إثبات هذا الفساد الذي يدعون، وكان المطلوب أن يفعلوا، وإذا لم يطبق في حق المعني بالأمر القانون آنذاك يمكنهم الحديث. إذن «ارحل» ليس مطلبا نقابيا، بل هو مس بشخص ينتمي إلى السلطة القضائية التي هي ملاذ للمواطنين، وهذا لا يجوز بين القضاة وكتاب الضبط الذين يعملون كوحدة من أجل إحقاق الحق. - هددت باللجوء إلى ما وصفته بالضمانات المحددة في القانون للقضاة. ما هي هذه الضمانات؟ الدستور الجديد أعطى ضمانات للسلطة القضائية ومنحها الحق في الدفاع عن كرامتها واستقلاليتها، كما تم تجريم المس باستقلالية السلطة القضائية. نتمنى أن تكون هذه مجرد سحابة صيف عابرة حتى لا نضطر إلى اللجوء إلى الضمانات التي منحها لنا القانون. - هناك من يقول إن بعض القضاة أصبحوا يتغاضون عن تجاوزات بعض كتاب الضبط خوفا من الإضراب. ما مدى صحة هذا الكلام؟ نعم، وصلتني بعض الأصداء التي تسير في هذا الاتجاه. وهناك مجموعة من المسؤولين القضائيين الذين أصبحوا يفضلون منطق «التسلاك» وغض الطرف مخافة الإضراب. - لماذا تحفظت الودادية على دخول شخصيات من خارج القضاء إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ خلال التهييء للدستور، قلنا إنه يجب التعامل مع الجمعيات المهنية بمنظور مغاير على اعتبار أن هناك هيئة واحدة للأطباء تتفرع عنها جميع التخصصات، وكذلك هيئة المحامين. ولذلك طالبنا بالتعامل وفقا لهذه النظرة، لأن في التعدد تشتيتا، لاسيما إذا لم نغلب العقل وروح المواطنة، ولما جاء الدستور ودخل الفصل 111 حيز التطبيق لم تبق إلا القوانين التنظيمية والنظام الأساسي لرجال القضاء من أجل تحقيق مطالبنا. من جهة أخرى، فالتعدد، أحببنا ذلك أم كرهنا، ظاهرة صحية، لكن ما يجب أن يكون هو توحيد الصف والرؤى ما دام الهدف هو الدفاع عن كرامة القاضي ومصالحه، اجتماعيا وماديا، ويجب توحيد الصف بين هذه الجمعيات. - كم عدد الجمعيات التي تهتم برجال القضاء؟ اليوم وصل عددها إلى خمس جمعيات، وغدا يمكن أن يتضاعف العدد إلى عشرة أو عشرين. وهذا يطرح إشكالا بخصوص الذين من حقهم الحديث باسم القضاة. في هذا الإطار نقول إنه ينبغي توحيد الصف لأن هذا التشتت فيه ضرب لمصالح القضاة. - هل يوجد تنسيق بين الودادية وبين هذه الجمعيات؟ لا يوجد أي تنسيق، ونحن فتحنا المجال عبر اتصالنا أكثر من أربع مرات، أولاها حينما طلب مني أحد أعضاء نادي القضاة اللقاء وتوحيد الجهود، فأخبرته بأنني جاهز، فأكد لي بأنه سيتخذ المبادرة ويتصل بي، لكنني إلى حدود اليوم ما زلت أنتظر اتصاله. بعد ذلك التقيت صدفة برئيس النادي الأستاذ مخلي وتحاورنا على هامش إحدى الندوات وأخذ رقم هاتفي، لكنه لم يهاتفني، فاتصلت به، أنا، عبر الهاتف على خلفية مقال نشر في إحدى الصحف، وأخبرته بأن الودادية لا علاقة لها بما نشر، وأنها على أتم الاستعداد للجلوس والحديث، فأكد لي أنه سيتصل بي، وهو ما لم يحدث. هناك من يقول إن الودادية تغلق الأبواب ولا تريد الحوار، فيما العكس هو الصحيح، فيدنا دائما ممدودة ونحن مستعدون للحوار وتوحيد الرؤى، والكرة الآن في ملعب نادي القضاة، وقد حرصنا على الجلوس إليهم، ليس ضعفا منا وإنما رجحنا مصلحة القاضي والمصلحة الوطنية واعتبرنا أننا بأقدميتنا وتجربتنا يمكن أن نعطي نظرة موسعة لبعض الأمور، التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على القضاء. كما أنهم يمكن أن يغنوا- بسواعدهم الشابة- تجربتنا ونعطي خطا جديدا موحدا، لكن إلى حد الآن لا توجد هذه الاستجابة. - كيف تنظر إلى تعدد جمعيات القضاة؟ هو حراك وصل إلى القضاء، الذي يجب أن يكون في مستوى عال في مثل هذه الأمور، لأن القضاة آخر ملاذ للمواطنين، ولهذا منعهم المشرّع من العمل السياسي والنقابي، لأن النقابة قد تكون لها ملفات أمام المحاكم فكيف سيتعامل معها القاضي آنذاك بعد انتفاء خاصية التجرد والحياد؟. من هنا تم منع التحرك في الإطار النقابي والسياسي. - ما هي أسباب احتجاج الودادية على تضمين أسماء من خارج سلك القضاة داخل تركيبة المجلس الأعلى للقضاء؟ لقد تمت استشارتنا من طرف لجنة مراجعة الدستور، وكانت وجهة نظرنا هي عدم إدخال غير القضاة فيما يتعلق بالشأن القضائي، وقلنا إنه يمكن أن يدخل أي كان في مناقشة السياسة القضائية والجنائية بالمملكة، ولكن فيما يتعلق بالشأن القضائي الذي يدخل في إطاره التأديب والترقية والانتقال، فهذا شأن خاص وإن كان البعض يقول إنه شأن مجتمعي، وهذا غير صحيح لأن المجتمع يطلب من القاضي الحصول على حكم نزيه ومحاكمة عادلة وليس التدخل لترقية القضاة أو توقيفهم. نحن لم نكن ضد دخول أناس من خارج القضاء، لكننا كنا ضد تسييس القضاء والمهن التي لها ارتباط بالقضاء، إذ من شأن دخولهم أن يؤثر على السير القضائي، أحببنا ذلك أم كرهنا. وبعد ذلك قدمنا مقترحا ثانيا يقضي بإدخال شخصيات من مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى، وهو ما تم اعتماده في الدستور لأن هؤلاء لا توجد لديهم ملفات مرتبطة بالقضاء، إلى جانب الأعضاء الأربعة الذين يختارهم جلالة الملك، والذين تكون الضمانة متوفرة فيهم لحسن السير القضائي. والمجلس اليوم في تركيبته يتكون من القضاة الذين يشكلون النسبة الكبيرة: 13 عضوا مقابل سبعة أعضاء من غير القضاة. - هناك من اعتبر إقصاء وزير العدل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية خطأ ما كان ينبغي أن يكون؟ ليس الأمر بهذا الشكل، لأن هذا المطلب نادت به المؤسسات الحقوقية الوطنية والدولية، والذين وضعوا الدستور أخذوا بعين الاعتبار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي نادت بإبعاد السلطة التنفيذية حتى تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة. والآن لا يوجد هناك إشكال لأن رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو جلالة الملك الضامن لاستقلال القضاء والنائب عنه كرئيس منتدب هو رئيس محكمة النقض، وفيه نوع من الضمانة أكثر، وهو ما كانت تنادي به الفعاليات القانونية. لقد تقدمت الودادية بهذا المطلب كي تكون السلطة القضائية مستقلة. إذ لكي تكون السلطة القضائية مستقلة يجب أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية. هذا طلب مشروع. - وماذا عن إبقاء النيابة العامة بيد وزير العدل؟ هذا الأمر بقي دائما إشكالا مطروحا، والمطلب الذي تقدمنا به إلى لجنة مراجعة الدستور أكدنا فيه أن النيابة العامة يجب أن تكون تابعة للوكيل العام لمحكمة النقض لأن الاستقلال الحقيقي هو استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية. كما أن مسألة استقلالية القضاء هي قبل كل شيء مسألة عقليات لأن القاضي يجب أن يكون مؤمنا باستقلاليته، فالدستور أعطاه ضمانات لحماية استقلاليته، ويجب عليه أن يبلغ رئيس السلطة القضائية إذا مست استقلاليته لكي يشرع في تطبيق هذه الاستقلالية. - الملاحظ أن هناك علاقة متشنجة بين القضاء والصحافة من خلال مجموعة من الأحكام التي صدرت ضد الصحافيين، خاصة السالبة للحرية. كيف تنظر إلى هذه العلاقة؟ نحن في الودادية نظمنا ندوة حول السلطة القضائية والإعلام، شاركت فيها عدة فعاليات من الإعلام، وخرجنا بتوصيات من خلال ورشة عمل بطنجة ناقشنا فيها بعمق ما للصحافي وما عليه وما للقاضي وما عليه تجاه الصحافة. ونحن نحرص على أن تظل علاقتنا مع الصحافة حميمية وطيبة، وإذا صدر حكم معين ضد جريدة ما فهذا لا يعني أن القضاء كله ضد الصحافة، فنحن نشتغل في إطار التشريع الموجود، والمشرّع عليه أن يتدخل ويمنع العقوبات الحبسية في حق الصحافة، أما القضاء فملزم بتطبيق القانون، وإذا قارنت الملفات الخاصة بالصحافة التي تروج في المغرب فهي ضئيلة جدا مقارنة بالملفات التي تروج في فرنسا. الأمر الثاني أن المواطنين هم الذين يتقدمون بشكايات ضد الصحافة، ولا بد من الاستماع إليهم وتطبيق القانون في حقهم. المشرع عليه أن يتدخل ويزيل العقوبات السالبة للحرية من القانون حتى يتمكن القاضي من تطبيق القانون. - وقعت مؤخرا مواجهة بين القضاة والمحامين استدعت تدخل وزير العدل شخصيا، ما الذي وقع بالضبط في هذه القضية؟ المشكل في حد ذاته بسيط. وقد كانت هناك مشاكل من هذا النوع تقع سابقا فنحلها داخل المحكمة في إطار اللجنة، التي تتكون من الرئيس الأول والوكيل العام والنقيب، والتي تتولى حل مثل هذه المشاكل. هذه المسألة كانت، حقيقة، النقطة التي أفاضت الكأس، وتلك الأمور ما كانت لتقع، وقد تم احتواء الأمر حيث جلسنا كقضاة ونقباء في جو ودي، والكل أشاد بالعلاقات الطيبة التي تجمع بيننا. وسواء أحببنا ذلك أم كرهنا، فالقضاء لا بد له من الدفاع، كما أن الدفاع لا بد له من القضاء، فهما يمثلان وحدة واحدة. وأعتقد أنه لن تقع مثل هذه الأمور في المستقبل إن شاء الله. - يعاب عليكم في الودادية أنكم تهادنون وزارة العدل مقارنة بنادي القضاة. ما السر في هذا الأمر؟ أكثر من هذا، نحن نتهم بأننا جمعية الوزارة. الودادية الحسنية منذ أن تأسست لم يسبق لها أن كانت في صف الوزارة. بطبيعة الحال، وداديتنا أسسها جلالة الملك محمد السادس، وهو الذي يختار رئيسها من ضمن الأسماء الثلاثة المنتخبين من طرف الجمع العام، وهذا شرف لها، لكن الودادية لم تكن في صف الوزارة، إذ اتخذت مواقف ضد بعض الوزراء السابقين .كما أن وزيرا سابقا نعت القضاة بنعوت مستفزة فتدخلت الودادية وأقامت الدنيا ولم تقعدها حتى قدم مستشار المغفور له الحسن الثاني اعتذارا للقضاة. نحن، بصفتنا قضاة، نستمد شرعيتنا من إمارة المؤمنين. ذلك أن أمير المؤمنين هو القاضي الأول، ونحن نواب له في الصفة التي نحملها. وحتى الأحكام تصدر باسم جلالة الملك طبقا للقانون، وبالتالي فهذه المؤسسة لها حرمتها، ومواقفنا من بعض القضايا تحكمها روح المواطنة، ونحن حينما نرى بأن تصرفات الوزارة خاطئة نقف ضدها، وحينما تكون على صواب نساندها. أما وزير العدل الحالي السيد مصطفى الرميد فلم نر منه إلا الشخص المدافع عن القضاء وأوضاع القضاة ويريد الإصلاح، لذا ينبغي منحه فرصة للاشتغال. - وجهت وداديتكم ملتمسا إلى الديوان الملكي من أجل تحسين الأوضاع المالية للقضاة. أين وصل هذا الملتمس؟ فيما يتعلق بتحسين الوضعية المادية للقضاة كنا دائما نطالب في الودادية بتحسين الوضعية المادية للقضاة. وإذا أخذنا المسار بأكمله كانت درجات الترقيات تأتي بنسب ضئيلة، حيث يبلغ عدد مناصب الدرجات الاستثنائية خمسة مناصب يتنافس عليها جميع قضاة المغرب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدرجة الأولى، التي كانت تصل إلى 15 منصبا. لقد عايشنا قضاة وصلوا سن التقاعد وهم في الدرجة الثانية وكانوا يتقاضون معاشات تبلغ 2500 درهم. نحن الآن نطالب بتحسين الوضعية المادية للقضاة، والسيد الرئيس السابق للودادية اتفق مع المرحوم بوزوبع على زيادة عدد المناصب المالية للقضاة من أجل تحسين أوضاعهم المالية عبر الانتقال من درجة إلى أخرى. هذا الأمر لعبت فيه الودادية دورا مهما جدا، لكن رغم ذلك لم نقف عند هذا الحد، بل طالبنا بالزيادة في أجور القضاة التي لم تتحرك منذ سنة 1996. وقد طالبنا وزراء العدل السابقين بتحسين الأوضاع عبر زيادة المناصب المالية الخاصة بالترقية، كما قدمنا ملتمسا للديوان الملكي كسقف يمكننا أن نبلغه، وما زلنا نطالب بتحسين الوضعية الاجتماعية والمالية للقضاة حتى يكونوا في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم.