تلقى نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، الذي يخوض غمار المنافسة من أجل انتزاع ولاية ثانية والبقاء في قصر «الإليزيه» خمس سنوات إضافية، ضربة قوية على بُعد أقل من أسبوع عن موعد إجراء الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الذي يواجه فيه المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، الذي خطف الأضواء في الدور الأول، واحتل الرتبة الأولى متقدما على ساركوزي. وتلقى ساركوزي ضربة «إعلامية» موجعة بعد نشر موقع «ميديا بارت» الإخباري وثيقة قال إنها تؤكد حصول ساركوزي على دعم مالي من العقيد الليبي السابق معمر القذافي من أجل تمويل حملته الممهدة للانتخابات الرئاسية لسنة 2007، التي منحته مفاتيح «الإليزيه». وتقول الوثيقة إن الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته حصل، قبل خمس سنوات، على مبلغ وصل إلى 50 مليون أورو من معمر القذافي من أجل تمويل حملته الانتخابية، وهو إجراء غير شرعي بموجب القوانين المنظمة للاستحقاقات الرئاسية في بلاد ديغول. وبينما يصر ساركوزي على أن الوثيقة سالفة الذكر مزورة ولا أساس لها من الصحة، متهما منافسيه باللجوء إلى الحيل القذرة من أجل الظفر بأغلبية أصوات الناخبين الفرنسيين في الدور الثاني من الاستحقاقات الرئاسية المتوقع إجراؤها يوم الأحد المقبل، لم يتردد المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في التعليق على هذه الاتهامات وإثارة إمكانية إعمال مسطرة التقصي والتحري القضائي من أجل التوصل إلى معرفة حقيقة الوثيقة، وقال هولاند: «إذا كانت مزورة سيُدان الموقع، وإذا كان الأمر عكس ذلك حينها يجب تقديم إيضاحات». موقف ساركوزي بعد أقل من 48 ساعة على نشر الوثيقة المثير للجدل، قرر نيكولا ساركوزي وضع القضية على سكة المتابعة القضائية. وعلى هذا الأساس، قام برفع دعوى قضائية ضد موقع «ميديا بارت» الذي نشر الوثيقة. وجدد ساركوزي، في صك الدعوى، تأكيده على أن الوثيقة المنشورة «مزورة»، ونفى مجددا أن يكون تحصل أو سعى إلى تحصيل أموال من القذافي من أجل تمويل حملته في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 2007. وقال ساركوزي، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحالية باسم حزب الاتحاد من أجل الأمة، في تصريحات أدلى بها يوم أمس الاثنين للقناة الفرنسية الثانية: «سنرفع شكوى ضد موقع «ميديا بارت»»، ثم أضاف: «هذه الوثيقة مزيفة والشخصان الليبيان اللذان كان يفترض أن يرسل أحدهما الوثيقة على أن يتلقاها الثاني نفيا ذلك». ومع ذلك، لم يحدد ساركوزي موعد إيداع شكايته أمام السلطات المعنية، واكتفى بالقول إنه سيرفع هذه الشكاية قبل انتهاء الحملة الانتخابية الراهنة. وشن الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، كذلك، هجوما قويا على منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاندا؛ غير أن ساركوزي تفادى توجيه اتهامات مباشرة إلى منافسه، وفضل عوض ذلك تلقينه دروسا في المبادئ الأخلاقية، وهدد الكذابين والمزورين بالمتابعة القضائية في رد صريح على التهديدات التي كان هولاند سباقا إلى إطلاقها. وقال مرشح حزب الاتحاد من أجل الأمة: «هناك مبادئ أخلاقية.. على الذين يكذبون ويزورون الوقائع أن يلاحقوا قضائيا»، قبل أن يردف قائلا: «الحملة الانتخابية لا تبرر كل شيء». وبعد ذلك، وجه ساركوزي مدفعيته إلى وسائل الإعلام عامة، والصحافيين بشكل خاص. وفي هذا الإطار، قال في تصريحات أدلى بها لقناة «كنال بلوس»، يوم أمس الاثنين، إنه «أمر مشين.. عندما ألاحظ أن هناك صحافيين يتجاسرون على منح نجل القذافي أو أجهزة استخبارات «العقيد الليبي الراحل معمر» القذافي أي مصداقية». وكان لافتا أن ساركوزي لم يتقبل أن تقترن صورته، على بُعد أقل من أسبوع عن موعد الحسم في هوية الرئيس المقبل لفرنسا، بالعقيد القذافي الذي شن حربا ضد شعبه لأزيد من سنة قبل أن يلقى حتفه على نحو مأساوي بعد أشهر من العمليات العسكرية التي قادها حلف الشمال الأطلسي ضد ميليشيات القذافي إلى جانب الثوار الليبيين. وقال ساركوزي في التصريحات ذاتها: «من المعيب أن يطرح علي مثل هذا السؤال». رجال القذافي يؤكد موقع «ميديا بارت» أن بشير صالح، الرئيس السابق للصندوق الليبي للاستثمارات الإفريقية، كان الشخص الذي تلقى مذكرة الدعم المالي الليبي لحملة ساركوزي لسنة 2007. غير أن صالح، الذي شغل أيضا منصب رئيس الأركان ورئيس صندوق الثورة السيادية، نفى أن يكون تسلم هذه الوثيقة. وأعلن صالح، الذي يعيش حاليا في فرنسا، على لسان محاميه، عن تحفظاته الشديدة على صحة الوثيقة المنشورة. وقال محامي صالح، بيار حايك، إن لموكله «تحفظات حول صحة الوثيقة التي نشرها موقع «ميديا بارت»»، قبل أن يضيف: «على كل حال، يؤكد «موكلي» أنه لم يتلق أبدا هذه الوثيقة». وإذا كان الموقع الإخباري نفسه كشف أن الوثيقة تحمل اسم موسى كوسا، الرئيس السابق للاستخبارات الليبية الخارجية، فإن هذا الأخير، الذي يقيم حاليا في دولة قطر، نفى صحة هذه الوثيقة، وأكد أنه لم يوقع على أي وثيقة تمنح دعما ماليا لنيكولا ساركوزي؛ وقال، في تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام ساعات قليلة بعد نشر الوثيقة على موقع «ميديا بارت»، إن «الوثيقة مزيفة». ونقل عن كوسا قوله: «الواضح أن هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، وهذا موضوع لا يمكن الوقوف عنده»، غير أنه لم يتطرق إلى طبيعة الإجراءات التي ينوي القيام بها ردا على هذه الوثيقة، حيث رفض الإدلاء بتفاصيل إضافية، مكتفيا بتأكيد أن «كل هذه المعلومات ملفقة». وتعد هذه القضية بفصول أكثر إثارة في الفترة المقبلة، ذلك أن سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الليبي السابق معمر القذافي، كان قد صرح في السنة الماضية، في أوج المواجهات العسكرية بين ميليشيات نظام والده من جهة والثوار الليبيين مدعومين بقوات حلف الشمال الأطلسي من جهة أخرى، بأن ليبيا مولت الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي في سنة 2007. وقتها، انبرى فرانسوا فيون، الوزير الأول الفرنسي، للدفاع عن رئيسه ساركوزي واعتبر يومها تصريحات سيف الإسلام القذافي «لعبة دنيئة». واليوم، وجه فيون انتقادات شديدة إلى موقع «ميديا بارت» بسبب نشره الوثيقة المثيرة، وقال عنه إنه «منبر ممول من أصدقاء فرانسوا هولاند الأثرياء»، وهو ما رد عليه الموقع نفسه بسرعة البرق قائلا: «الموقع ليس منبرا لأحد؛ بل صحيفة يعمل فيها صحافيون مهنيون». شبح الهزيمة ووضع نشر هذه الوثيقة نيكولا ساركوزي في موقف لا يحسد عليه. وتقول آخر استطلاعات الرأي إن ظهور هذه الوثيقة، بصرف النظر عن الجدل القائم حول مدى صحتها، أفقد الرئيس المنتهية ولايته نقطة واحدة على الأقل في نوايا التصويت، وهو ما من شأنه أن يؤثر بقوة على حظوظه في انتزاع ولاية رئاسية ثانية والبقاء رئيسا للجمهورية الفرنسية الخامسة خمس سنوات إضافية. وكان ساركوزي مني بهزيمة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الذي أجري في 22 أبريل المنصرم. وقد منحت النتائج النهائية لهذا الدور، الذي سيكون له تالٍ يوم الأحد المقبل، التقدم لمرشح الحزب الاشتراكي، فرانسوا هولاند، بنسبة 28.36 في المائة من إجمالي الأصوات بفارق طفيف عن ساركوزي الذي جاء ثانيا بنسبة أصوات بلغت 27.18 في المائة. ومنحت أولى استطلاعات الرأي، التي أجريت بعيد ساعات قليلة من حصر الصراع على الرئاسة بين ساركوزي وهولاند، تقدما ملحوظا لهذا الأخير على منافسه ساركوزي في قيادة فرنسا خلال السنوات الخمس المقبلة. وتوقعت استطلاعات الرأي أن يظفر هولاند بنسبة تتراوح بين 53 و56 في المائة من الأصوات في اقتراع 6 ماي المقبل، وهو ما يمنحه أغلبية مريحة مقابل نيكولا ساركوزي. كما أن ساركوزي سيواجه يوم الأحد المقبل شبح أن يصبح، في حالة فشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية، أول رئيس يخفق في تحقيق هذا الأمر منذ سنة 1981 تاريخ فشل الرئيس السابق فاليري جيسكار ديستان في إقناع الفرنسيين بجدوى تجديد الثقة فيه رئيسا للبلاد لولاية ثانية.