أود أن أخوض نقاشا هادئا مع خالد عليوة. إنه رئيس الإدارة الجماعية للقرض العقاري والسياحي، والقضية المطروحة أمام الرأي العام هي اقتناؤه لعقار من «السياش» بثمن يقل بكثير عن سعر السوق الحالي. أولا، لا يمكن لأحد أن ينكر أن «السياش» كانت على حافة الإفلاس وأنها قطعت، في السنوات الأخيرة، صحاري المخاطرة لتقف على رجليها بل ولتعود، أكثر من ذلك، إلى تحقيق الأرباح. الأرقام تؤكد ذلك، وبالتالي لا يمكن الخوض في إيجابيات المرحلة لأنها بديهية ولا تمسح بجرة قلم. لكن إنجازات المرحلة يجب أن تحصن حتى تحافظ على مصداقيتها وعلى «كاريزماتيتها». ومن هذا المنطلق، كان لدي رأي في القضية الموضوعة بين أيدينا منذ الوهلة الأولى، وهو أن عليوة.. كان عليه، كرئيس للسياش، أن يترفع عن هذه العملية التجارية لأن إثارتها ستؤثر، أولا، على سمعته وثانيا على السياش، كما قال هو كذلك ل«المساء». أعتقد أنه من أجل تفادي الخدوش التي كان متوقعا أن تحصل لصورة الرجل والمؤسسة، كان عليه أن يترفع عن هذه العملية التجارية.. أما كل المبررات فهي مجرد تفاصيل صغيرة. وتعميقا للنقاش، لا بأس أن نسبر أغوار بعض هذه التفاصيل.. قال عليوة إن السياش ليس مؤسسة عمومية، وأوضح أنه شركة مجهولة الاسم يحكمها قانون الشركات. صحيح، لكن لماذا لم يذكر أن المساهم الرئيسي هو صندوق «المسيرة كابيطال مانجمنت» الذي يملك 67 في المائة من السياش، أغلبيتها في ملكية صندوق الإيداع والتدبير.. الذي يدبر أموالا عمومية ويرأسه مصطفى بكوري وهو نفسه رئيس مجلس المراقبة، أي الرئيس المباشر لعليوة؟ هل بإمكان عليوة أن ينكر أن أموال «السي.دي.جي»، المساهم الرئيس في «السياش»، هي أموال عمومية؟ لقد أقحم خالد عليوة مجلس المراقبة في الموضوع عندما قال «إن مجلس المراقبة يتوصل سنويا ببيانات أنشطة البنك، سواء كانت متعلقة ببيع عقارات أو بمساهمات، ومجلس المراقبة هو الذي ترجع إليه المصادقة النهائية على بيع أي عقار». هناك تناقض واضح في هذا الطرح، فإذا كان مجلس المراقبة يتوصل سنويا ببيانات بيع العقارات والمساهمات فذلك يعني أن البيع قد تم وأن البيانات التي يتوصل بها هي من أجل الإخبار في حين أنه يقول إن المصادقة ترجع إلى نفس المجلس، والحال أن المصادقة تكون قبلية وليست بعدية.. وإذا فرضنا أن مصطفى بكوري، رئيس مجلس المراقبة، قد رخص لعليوة باقتناء ذلك العقار، فإن الفارق بين سعر التفويت والسعر الحقيقي للعقار يجب أن يُقرن بنسبة مساهمة «السي. دي. جي» لمعرفة الفارق الحقيقي الذي يهم الأموال العمومية، ناهيك عن مصاريف التسجيل والتحفيظ التي ضاعت على الدولة عن نفس الفارق! قال عليوة إن ما يهم في العملية هو ألا يكون سعر التفويت أقل من سعر الشراء من طرف السياش حتى لا تكون هناك خسارة، والواقع أنه في لغة البنكيين هناك شيء يسمى manque a gagner (الخسارة عما يمكن تحقيقه)، وهذا بالذات ما حصل عندما تقدم زبون ليشتري نفس العقار ب300 مليون سنتيم فرفضت البنك وباعته بعد ذلك لعليوة ب180 مليون سنتيم، فأي تفسير محاسبي لهذا الرفض مقابل ذلك البيع. في شق آخر، قال عليوة «إن تفويت عقارات السياش مفتوح في وجه العاملين بالمؤسسة بدون استثناء بعد أن يتقدموا بطلبات لدى المؤسسة»، وجوابي للرئيس عليوة هو أن ما قاله يتطابق حرفيا مع ما قاله فتح الله ولعلو بخصوص إمكانية أي مواطن مغربي الاستفادة من تفويت الأملاك المخزنية بعد أن يتقدم بطلب لهاته الأخيرة! بدون تعليق! وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أقول لعليوة.. آسف إني أختلف معك عندما تصف القضية كلها بمجرد ضجة في واد.. لأن المساهمين في البنك ومنهم «السي.دي.جي» التي تدبر أموالا عمومية لم تحرك ساكنا، وهذا نقاش آخر.