أعلن الملك منذ 2005 عن انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وقد خصص لها آنذاك ميزانية قدرت ب14 مليار درهم، والهدف هو محاربة الفقر والتهميش والهشاشة وقد استطاعت هذه المبادرة تحقيق مجموعة من الإيجابيات التي ساهت في حل مجموعة من المشاكل. لكن الغريب في الأمر أن المغرب ظل يحتل المراتب المتأخرة على مستوى التنمية البشرية الأممية، حيث يأتي في الرتبة 130. إذن، السؤال المطروح: هل الإشكال مرتبط بالمعايير الدولية؟ أم هو مشكل تدبير وحكامة؟ أم إن الأزمة مدنية أم إدارية؟ أم إن الأمر متعلق بغياب المراقبة والافتحاص نظرا إلى استغلال النفوذ؟ مهما كانت الإجابة، فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر. لماذا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ تدخل المبادرة في أفق المساهمة الفعلية في التنمية السوسيو اقتصادية والمجالية، بناء على مقاربة تشاركية ومواطنة وتضامنية. إنها مناخ للقرب يقلص الفقر والهشاشة والتهميش، وذلك من خلال تفعيل دينامية التشغيل، خاصة عن طريق الأنشطة المدرة للدخل. إنها في العمق مقاربة مجالية تراعي الحكامة الترابية، وبالتالي فهي مجهود تنموي تشاركي، وتضامني، واندماجي متوازن ومستدام. الحصيلة: إن ما ذكرناه هو الفلسفة الديمقراطية المؤطرة للمبادرة الوطنية، وقد استطاعت أن تقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة؟ ولمسنا على مستوى الفعل عملا نشيطا، مدنيا وجماعيا وأفقيا. لكن رغم ذلك لم نرق بالمبادرة الوطنية إلى الأهداف المسطرة لأن الأجواء غير مناسبة في نسبة عالية منها، والمؤشر هو الواقع الذي لا يرتفع، والترتيب الأممي في سلم التنمية. ننبه، إذن، إلى الخلل الحاصل في آليات التضامن الاجتماعي المرتبطة بالمبادرة الوطنية. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نربط هذا كله بمنظومة الإنعاش الوطني والمقاربة المضطربة للأراضي السلالية والمركزية المثبطة لكل فعل تنموي تحرري. المؤشرات الرقمية: لقد مست المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حوالي 5 ملايين مستفيد، ورصد لها بين 13 مليار درهم و14 مليار درهم، منجزة أكثر من 22 ألف مشروع. إنه مجهود كبير، لكن ليس له أي تأثير دائم ومستمر في غالب الأحيان، مما يجعل المستفيد دائما في حاجة، ويكرس بالتالي الارتجالية وعدم استهداف المركز؛ لأنه لو كانت ال5 ملايين مستفيد أوتيت ما يغطي خصاصها بطريقة مضبوطة لكنا قد خطونا أشواطا مهمة في تقليص الفقر؛ ولكن هذا لم يحصل. إذن، فالمشكل في غياب الالتقائية، والاضطراب في التدبير والحكامة. وللإشارة، فإن الميزانية عرفت خطا تصاعديا، إضافة إلى الدعم الدولي. آليات الحكامة: تقوم المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية بافتحاصات سنوية. لكن الملاحظ أن نسبة التحفظات على المصادقة في تراجع؛ فقد شكل رفض المصادقة 0، والمصادقة بتحفظ 6، أما المصادقة بدون تحفظ فقد شكلت 70، وذلك سنة 2009. وقد خصص مبلغ 2.500.000.000 خلال سنة 2010. وتم خلال سنة 2012 اعتماد ميزانية للنفقات قدرت ب2.325.000.000. خلاصات أولية: إذا قومنا مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، نستنتج أنها أحدثت دينامية اقتصادية واجتماعية، لكنها لم تكن مقنعة، خاصة وأن نصف عدد جمعيات المجتمع المدني أسس مع انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهذا راجع لأسباب متعددة: الآفاق المستقبلية: إن الرؤية المستقبلية من أجل تجاوز الإشكالات وتحقيق ما هو أحسن تحتم على الجميع مراعاة ما يلي: 1) التنزيل الديمقراطي للمقتضيات الدستورية؛ 2) إجراء انتخابات نزيهة مرتبطة بالجماعات الترابية ومجلس المستشارين والغرف وغيرها؛ 3) توفير الأمن لأنه لا تنمية بدون مناخ أمني؛ 4) إعادة النظر في مشاريع قانونية وتنظيمية مؤطرة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ 5) إعطاء انطلاقة جديدة للمبادرة مع التدشين القانوني والإجرائي للجهوية الموسعة؛ 6) الإشراف العادل على أجرأة المساعدات الطبية لمن يستحقها؛ 7) المساهمة في صنع برامج التأهيل الحضري والقروي ومتابعتها وتقويمها؛ 8) التدبير المعقلن للأراضي السلالية والضرب على أيدي المتلاعبين بهذه الأراضي، خاصة بالنسبة إلى النساء؛ 9) التقليص من الوصاية وإنعاش اللامركزية واللاتركيز؛ 10) إن الإدارة الترابية اليوم في حاجة ماسة إلى التطوير والتأهيل حتى تجسد أحكام الدستور، وذلك من خلال تفعيل تقارير الافتحاص وبناء الحكامة الترابية. إننا نتوق، من خلال طرح هذه الإجراءات، إلى الرفع من مردودية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خاصة وأننا نفاجأ بمجموعة من الأسئلة، نوجزها في ما يلي: 1) هل، فعلا، ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الحد من العجز الاجتماعي والإقصاء والتهميش والهشاشة... خاصة في العالم القروي؟ 2) هل قمنا بافتحاص في شأن 14 مليار درهم صرفت على المبادرة إلى حدود سنة 2010؟ 3) ما هي الوضعية التي يعيشها حوالي 5,2 ملايين مستفيد؟ 4) كيف نكرس الثقة بين السلطات والمنتخبين والمصالح الخارجية والمجتمع المدني وسائر المواطنين؟ 5) كيف تعمل التنسيقيات الجهوية للتنمية البشرية والعمل الاجتماعي؟ صفوة القول أن أي مقاربة يجب أن تراعي المقاربتين: الإدماجية والتشاركية، ثم ربط المسؤولية بالمحاسبة. إذن، كيف سنصرف ال 17 مليار درهم التي خصصت للمبادرة الوطنية للتنمية المباشرة إلى حدود 2015؟